أبو حمور يكتب : أبعاد اقتصادية للعدالة الاجتماعية
د. محمد أبو حمور
عقدت الإسكوا خلال الأسبوع الأول من الشهر الحالي المنتدى العربي الثالث من أجل المساواة تحت عنوان «التصدي لعدم المساواة في ظلّ الأزمات المتعدّدة»، ويشكل هذا المنتدى محطة سنوية ومنصة للدراسة والتشاور بين مختلف المكونات الرسمية والشعبية، وانطلق في محطته الأولى عام 2021 من العاصمة الأردنية عمان.
ويهدف المنتدى الى مناقشة الأمور المتعلقة بعدم المساواة والسبل الكفيلة بالحفاظ على السلم الاجتماعي ومعالجة اثار الازمات الاقتصادية والاجتماعية وتوفير ما تحتاجه الفئات الهشة والأكثر عرضة للمخاطر.
وتشير التقارير ذات العلاقة الى أن المنطقة العربية هي المنطقة الوحيدة في العالم التي ترتفع فيها معدلات الفقر، وتتفاقم فيها ظاهرة عدم المساواة في الثروة منذ عام 2020 بعد تراجع في العقد السابق، حيث يمتلك أغنى 1% من سكان المنطقة العربية 44% من إجمالي ثروتِها، كما أنّ عدد الأشخاص الذين يعانون من الفقر المدقع في المنطقة العربية زاد بحوالي 42 مليون شخص بين عامي 2015 و2023.
وما من شك في أن العمل لتحقيق العدالة الاجتماعية والحد من عدم المساواة يشكل ركناً اساسياً لتوطيد النسيج الاجتماعي والمضي قدماً في تحقيق أهداف التنمية المستدامة وبناء اقتصاد مزدهر، خاصة وأن عدم العناية بتحقيق العدالة يترتب عليه العديد من الآثار السلبية مثل ازدياد حدة الفقر وتوسع فجوة الدخل بين المواطنين وضعف القدرة الشرائية للطبقات الفقيرة والمتوسطة وعدم القدرة على الأنفاق على العناية الصحية وعلى التعليم العالي لأبناء الطبقات الفقيرة والمتوسطة وانتشار سوء التغذية بين المواطنين الفقراء ومتوسطي الدخل.
وقد أكدت التوجيهات الملكية السامية للحكومات المتعاقبة ضرورة العمل على الحد من الفقر عبر بناء شبكة أمان اجتماعي تستجيب لاحتياجات الفئات المختلفة من أبناء المجتمع الأردني، وكذلك العمل على إيصال ثمار التنمية الى سائر أرجاء الوطن، بما في ذلك تسهيل إقامة المشاريع التنموية والاستثمارية في المحافظات والأطراف وتمكين الشباب ورعاية المبادرات والابداعات وزيادة مشاركة المرأة في سوق العمل، وتقديم الخدمات المناسبة للمواطنين خاصة تلك التي تعمل على تنمية راس المال البشري وترفع من مستوى الدخل وتحسن الظروف المعيشية.
وتشكل الأزمات السياسية والاقتصادية والنزاعات المسلحة التي تمر بها منطقتنا عاملاً اضافياً لمواصلة الجهود التي تبذل للتخفيف من أوجه عدم المساواة ولتحقيق تكافؤ الفرص وفق سياسات طويلة الاجل تنسجم مع رؤية التحديث الاقتصادي وتشمل مزيجاً من السياسات المتكاملة وحزمة برامج شاملة، وتعاوناً وثيقاً بين مختلف الجهات تراعي الابعاد المختلفة التي لا تقتصر على الجانب الاقتصادي فحسب بل تتضمن أيضاً توفير الرعاية الصحية ومستوى مناسب من الخدمات التعليمية وبنية تحتية ملائمة وتكنولوجيا تنسجم مع التطورات التي يشهده العالم هذه الأيام بهدف التمكن من الاستفادة مما توفره من حلول مبتكرة واستجابة سريعة مع ضمان شمول هذه الخدمات لسائر الفئات الاجتماعية بغض النظر عن ظروفها الاقتصادية والاجتماعية أو أماكن تواجدها.
ويتطلب بناء السياسات والبرامج الملائمة للحد من عدم المساواة توفر البيانات الحديثة المناسبة والدراسات العلمية التي تتيح بيان الأسباب المؤدية للتفاوت وعدم المساواة والفقر، وانطلاقاً من هذه الاسباب يتم بناء النماذج الملائمة للتعامل معها بشكل متكامل وعلى مختلف الاصعدة، مع منح اهتمام خاص بالمقدمات التي تؤدي الى اقصاء وتهميش فئات معينة من المواطنين او مناطق جغرافية بعينها، كما أن المشاركة المجتمعية تضمن تنفيذاً أكفأ ونتائج أفضل وفهماً أعمق للسياسات والبرامج المتبناة ويوفر لها حاضنة اجتماعية تضمن استدامتها وتحقيق أهدافها.
الانسان هو محور التنمية وغايتها والعمل على رفع مستوى معيشة المواطنين وتحسين الخدمات وتوفير فرص العمل اللائقة لهم مقدمات أساسية للسير قدماً في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، كما أن العمل على تبني سياسات وبرامج تحسن توزيع الدخل وتقلص من مظاهر عدم المساواة عامل مهم لتعزيز مسيرة النمو المستدام وتحقيق مزيد من الإنجازات التي تساهم في نهضة الوطن وازدهاره وتنمية موارده البشرية.