عاجل

ذكريات تتشابك فيها معالم التراث مع الحداثة ( صور )

أجرى الحوار: سالم قبيلات

انطباعات متجددة تكشف عن كنوز الماضي والحاضر في مدينة عريقة، تتمدد بسلاسة على ضفاف نهر الدانوب. تتميز بإطلالاتها الرائعة على النهر وتعرجاته الجميلة، وبجسورها العديدة التي تشكل جزءًا أساسيًا من الهوية الحضرية للمدينة وحياة سكانها. ولا يقتصر جمالها على المناظر الطبيعية الخلابة فحسب، بل يمتد أيضًا إلى فن العمارة الرائع والقطع التراثية المنتشرة في أنحاء المدينة.

ولفهم تأثير هذه المدينة الساحرة على زوارها، أجرينا هذا الحوار الصحفي الممتع مع عدد من خريجي المرافق التعليمية في هنغاريا والمترددين على مدينة بودابست بين الحين والآخر، بهدف تسجيل انطباعاتهم الشخصية حول المدينة والأثر الجميل الذي تركته في نفوسهم.

شارك في هذا الحوار الدكتور مازن هلسه، الدكتور سالم كرادشه، المهندس كمال حزبون، والدكتور نداء حمارنة.

المتحدث الأول: الدكتور مازن هلسه: 

 

 مدينة تحتضن العديد من عجائبها الساحرة، يمتزج فيها الماضي بالحاضر بشكل جميل وإبداعي

 (الدكتور مازن هلسه، طبيب أشعة، يتميز بالتواضع والتسامح وروح الدعابة منذ الصغر، كريم النفس، يحسن التعامل والتواصل مع مختلف الفئات الاجتماعية، يقدم عن طيب خاطر، المساعدة للمحتاجين والمرضى الفقراء، لديه صفات الشخصية الودودة التي جعلت منه إنسانا يحظى بالحب والاحترام من المحيطين به. يمتلك طاقة إيجابية في التفكير، ويختزل ذاكرة قوية عن أيام الدراسة وشخوصها).

 سافر هلسه إلى المجر في عام 1971. درس السنة التحضيرية واللغة المجرية في مدينة بودابست، ومن ثم انتقل إلى مدينة “سجد”، لاستكمال الدراسة الجامعية في تخصص الطب البشري. وبعد أن أكمل دراسته في جامعة “سجد”، في عام 1978، عاد إلى الأردن والتحق للعمل بوزارة الصحة الأردنية. وفي عام 1986 حصل على إيفاد في بعثة دراسة إلى المملكة المتحدة للتخصص بفحوصات الأشعة التشخيصية لمدة 4 سنوات. وبعد إكمال التخصص عاد إلى الأردن واستأنف العمل في مديريات وزارة الصحة الأردنية المختلفة.

 في عام 2000 اختار هلسه التقاعد من العمل الحكومي، وأسس مختبرة الخاص في منطقة جبل عمان، شارع الخالدي. ويذكر له، بأنه لم يتوقف عن زيارة هنغاريا في كل عام، منذ عودته إلى الأردن، بالإضافة إلى التزامه بحضور ملتقى الخريجين الذي يُعقد كل خمسة أعوام مرة واحدة).

بدأ الدكتور مازن هلسه حديثه بشغف عن مدينة بودابست، مبدياً تقديره العميق لجمالها وثراها التاريخي، يقول: “بودابست تظهر أمامنا كمدينة ساحرة الجمال، تحتضن العديد من عجائبها المعمارية والثقافية، التي تنتشر في كل زاوية وشارع للمدينة، يمتزج فيها الماضي بالحاضر بشكل جميل وإبداعي. كما يعكس النمط العمراني في الشوارع والمباني الروح المجرية للمدينة”.

ويشير هلسه إلى جمال الطبيعة: “توفر بودابست مناظر طبيعية خلابة في غاية الروعة والجمال، نجدها بشكل عام على ضفاف نهر الدانوب. حيث يمكن لزوار المدينة الاستمتاع بالنزهات الرومانسية على الكورنيش، والتنعم بالهدوء والاستجمام في الحدائق العامة والمتنزهات المنتشرة في المدينة، بالإضافة إلى مشاهدة قلعة بودا التاريخية ومبنى البرلمان الرائع وجزيرة مارغريت المذهلة، وأوضح أن: ” زيارة هذه الأماكن توفر فرصة فريدة لاكتشاف تاريخ المدينة وثقافتها. ”

ويلفت هلسه إلى التنوع الاجتماعي والثقافي حيث قال: “تشكل المباني التراثية والرموز والدلالات التاريخية المتنوعة جزءًا أساسيًا من تاريخ بودابست الثري بالتنوع، الذي نشأ نتيجة الأحداث التاريخية والصراعات السياسية العديدة التي سادت القارة الأوروبية خلال القرون الماضية، مما أضاف عمقًا حضاريا واضحًا إلى التراث الثقافي والهوية البصرية للمدينة. ”

يستدرك هلسه قائلا: “بالنسبة لي شخصيا، اكتملت عندي عن مدينة بودابست، عناصر المدينة المدهشة على نحو ناضج، من خلال مشاهدتي أفواج البشر من شتى الجنسيات والعرقيات وهي تتجول في شوارع المدينة، ومن خلال الاستماع إلى اللغات المتداخلة والمتنافرة في وسائل النقل العام، واطلاعي عن قرب على الثقافات المتمازجة والمتضادة، المتعايشة بسلام ووئام في المدينة، وسماعي ترنيمات الموسيقى المنتشرة في الشوارع والاحتفالات، وعبر الإصغاء إلى الأنغام الموسيقية الهادئة التي كانت تتردد على ضفاف النهر خلال إحياء المناسبات الوطنية. فلقد كنت بحاجة لأن أفهم سبب كل هذا التوهج الفريد في حياة المدينة. وكان عليّ أن أفسر ذلك بمفردي، ومن وحي تجربتي الخاصة، ولفهم ذلك بشكل صحيح، تجاوزت عن الوضعية النمطية في التفكير، وبدأت التأمل في كل التفاصيل المحيطة بي، لكي أصل إلى هذه الحالة من الفهم العميق لخصوصية مدينة بودابست. ”

ويتابع هلسه: “في جوهر هذا الفهم العميق لبودابست، لا بد من الإشارة إلى أن حركة الحياة النابضة في المدينة، تأتي من عمق ذاكرتها المتنوعة، ومن تنوع ساكنيها، وهو ما يمنح جمال المدينة معنى مختلفا، يلمسه الزائر عند مشاهدة أبنيتها القديمة وحدائقها وكنائسها وحماماتها العلاجية ومعالمها التراثية، حيث يشعر الزائر وكأنه في مدينة ما تزال تحتفظ بعصورها الماضية. وبفضل كل ذلك، يجب الإقرار بأن مدينة بودابست تجذب بقوة زوارها وتسحرهم بجمالها من خلال هندسة شوارعها ورائحتها وناسها وأشجارها ومبانيها. كما أن تعدد معالم الجذب المذهلة والفعاليات المتعددة في بودابست تجعل من زيارتها أمرًا حتميا لا يفوت، ففيها ما يعد مادة ملهمة لخيال الفنانين والشعراء. ”

ويختم هلسه بالحديث عن الحياة الثقافية، قائلاً: “تستضيف بودابست مبادرات ثقافية عديدة ومتنوعة، تهدف إلى ضمان رفاهية مجتمعية للسكان وإبراز الهوية الثقافية العريقة للمدينة. وقد باتت هذه المبادرات المتنوعة تجذب الكثير من الشباب وتثير اهتمامهم بالثقافة المجرية العريقة التي أصبحت جزءاً راسخا في الحياة الحضرية للمدينة، حيث تجمع بين الترفيه والثقافة والمعرفة. ”

بهذا الحديث الشيق والموضوعي، رسم لنا الدكتور هلسة صورة مثالية عن مدينة جميلة يلتقي فيها الماضي بالحاضر بشكل مدهش، وتعكس شوارعها وأحياؤها الروح الفريدة للمدينة.

المتحدث الثاني: الدكتور سالم كرادشه: 

 مدينة ترتدي ماضيها بكل فخر، وتشكل مستقبلها بطريقة منفتحة ومبتكرة

(الدكتور سالم كرادشه، طبيب أسنان، دمث الخلق، نقي السريرة، يحمل في قلبه الكثير من مشاعر الود والاحترام للزملاء والأصدقاء، مشهودا له بالكرم وطيبة النفس والتسامح، وذو سلوك يتميز بالهدوء والحكمة. يحتفظ بقيمة نفسه باعتزاز، ولكن دونما أي تعال. وهو ملجأ الأصدقاء والأقارب وقت الشدة، سواء أكان هذا اللجوء ماديا أم معنويا. يستشعر بعفوية صادقة هموم المقربين منه ويقدر احتياجاتهم ومشاغلهم ويضعها دائما من ضمن اهتماماته.

 سافر الكرادشة إلى المجر في عام 1973، ودرس اللغة المجرية والدراسة الجامعة في مدينة بودابست، وبعد أن أكمل دراسته في عام 1979، عاد إلى الأردن وافتتح عيادته الخاصة في مدينة عمان).

يتحدث الدكتور الكرادشه بإسهاب عن بودابست، كمدينة عريقة تجمع بين الماضي والحاضر في مكان واحد في قلب أوروبا، ويقول: “عندما نتعمق في الخلفية التاريخية الغنية لمدينة بودابست، نجد أنفسنا أمام مدينة تراثية عريقة، تعتبر بحق واحدة من أجمل العواصم الأوروبية. وأيضًا تعد من المدن الودية والمرحبة بالضيوف، يتسم سكانها باللطف وحسن الضيافة. كما يُشكِّل الاحترام المتبادل والتسامح جزءا أساسيًا من ثقافة الناس في المدينة. ويُعَدُّ استقبال الزائرين بالابتسامة والترحيب شيئًا طبيعيًا وشائعًا في بودابست، سواء كان زائرًا أجنبيًا أو مسافرًا محليًا”.

يستطرد الكرادشه، موضحاً: “ثمة أماكن تستقر عميقا في وعي الإنسان، ولا تختفي، بل يستمر سحرها معه، وتربطه معها بذكريات حميمية من نوع خاص، وفي مرات كثيرة تجذبه بقوة نحو العودة إليها، وهنا أقصد روح المكان النابضة بقيم المحبة وعظمة الإرث الحضاري والثقافي لمدينة بودابست”.

يضيف الكرادشة: “يتم سنويا تنظيم العديد من النشاطات والفعاليات الرسمية والشعبية الممتعة على ضفاف النهر، حيث يمكن للناس التجمع والاحتفال ومشاركة الفرح. فالنهر والجسور يعززان من روح التفاؤل والمتعة في بودابست، ويجسدان التلاقي الثقافي والاجتماعي لسكانها، ويجعلان من المدينة مكانًا حيويًا ومثيرًا للعيش، وعبرهما أيضا يتم التواصل بين ضفتي المدينة على النهر. ”

يشير الكرادشه إلى الطعام المجري اللذيذ قائلا: “تتعدد أنواع المأكولات التقليدية المجرية في المدينة والتي تتميز بالمذاق الطيب والنكهات الفريدة. كما يتميز عشاء عيد الميلاد في بودابست بسحر خاص، لا يمكن مقارنته بأي شيء آخر، ويمكن للزائر أن يشعر بهذا السحر خلال تناول وجبة عشاء عيد الميلاد، المعدة من القلب والروح. فلقد أشار العديد من زوار المدينة إلى أن أطباق عيد الميلاد المجرية التي ليس لها مثيل في العالم، ولذلك أنصح كل زائر للمدينة بتجربة أطباق عيد الميلاد الشهية. حيث يُعَدُّ الغولاش واللانجوش والكولباص أمثلة رائعة عن الأطعمة التقليدية المجرية. ويمكن للزوار تجربة هذه الأطعمة اللذيذة في المطاعم التقليدية المنتشرة في جميع أنحاء المدينة. ”

ويكشف الكرادشه: “سيجد الزوار إلى بودابست، أن السكان مستعدون لمساعدتهم في حال الحاجة، سواء كانوا يبحثون عن اتجاهات أو يحتاجون إلى نصائح حول الأماكن السياحية والمطاعم المحلية. كما ينصح بتبادل الحديث مع سكانها، فهي فرصة جيدة لاكتساب تجارب ومعارف جديدة، بالإضافة إلى اكتشاف سمات وتقاليد سكان المدينة بشكل أعمق. وأكثر من ذلك، فإذا كان الزائر يحب التجول في المدن واستكشاف سر الشوارع المرصوفة والمباني التراثية، فبودابست لديها أيضا الكثير من هذه الأشياء المثيرة للاهتمام، ولها طرازها المعماري الخاص بها.

يختم الكرادشه: “وعلى مستوى العلم والمعرفة، تحظى جامعات مدينة بودابست بعدد كبير من العلماء الحاصلين على جائزة نوبل، وينتمي اليها أعظم المخترعين بالعالم. كما أنها، أصبحت مدينة للسياحة التراثية عن كفاءة، فكاتدرائياتها ومتاحفها ومبانيها تحمل إلى الزائر نسائم ماض ثري بالأحداث التاريخية، وتجسد فضاء نموذجي لمن له ولع بالماضي وعبق التاريخ. وبهذا الخصوص يسجل باحترام كبير، لسكان المدينة، أنهم حافظوا على الموروث الحضاري والكنوز التراثية، باعتبارها إرثا إنسانيا ثمينا يجب الحفاظ عليه. وفي نفس الاتجاه، ساهموا باحتفاظ المدينة بأهم عنصر في هويتها، وهي الهوية الوطنية المجرية. مما جعل منها مدينة تشع بجمال خاص، يمثل انسجاما خلاقا للماضي مع الحاضر. حيث نجد هذا الإبداع الإنساني في قلب مدينة بودابست، التي تعكس شوارعها روحا عظيمة تجمع بحكمة بين تناقضات الحياة، وتبرز عناصر فريدة للجمال، في مدينة ترتدي ماضيها بكل فخر، وتشكل مستقبلها بطريقة منفتحة ومبتكرة”.

المتحدث الثالث: المهندس: كمال حزبون: 

 مدينة تتشابك فيها معالم التراث والحداثة بشكل مثير للإعجاب وبمضمون إبداعي مذهل

(المهندس كمال حزبون، إنسان متفوق في تخصصه، يمتاز بالمهنية العالية وقوة الملاحظة، والجدية في العمل، يكسر الصعاب والعقد بالإصرار والمثابرة، فتلك الصفات شرعت له الأبواب نحو سلم النجاح في العمل والحياة أيضا. يغلب عليه انتهاج الحكمة واللطف في التعامل مع الآخرين. يتميز ببشاشة الوجه ورحابة الصدر وحسن الخلق، وهي صفات محبوبة فيه، جذبت الناس إليه. وبعيدا عن مظاهر التصنع أو التكلف يغلب عليه التفاؤل وبث الأمل في النفوس.

 سافر حزبون إلى المجر في عام 1977 ودرس الهندسة الكهربائية، تخصص أنظمة الحاسبات والمعلومات في مدينة بودابست. وبعد التخرج من الجامعة في عام 1983، عاد إلى الأردن، وعمل مع البنك العربي وفروعه في عديد الدول لغاية عام 1992. ومن ثم انتقل إلى العمل مع شركات عالمية متخصصة ببناء أنظمة شبكات المعلومات، خلال عمله معها، تم إرساله كخبير مختص في بناء شبكات المعلومات إلى أكثر من إحدى عشرة دولة، من بينها، دول عربية وأوروبية وأفريقية وأمريكية. في عام 2013 اختار حياة التقاعد).

المهندس حزبون، بدأ حديثه عن الحالة الثقافية في المدينة، كاشفاً: “بعد أن مكثتُ أشهرًا في بودابست، اكتشفت أنني أعيش في مدينة ملهمة، تسودها العلاقات الاجتماعية الحرة والمنفتحة، يميزوها الاستقرار المجتمعي والشعور بالأمان. وبكلمة حق، لقد شعرتُ بأنني أعيش في متحف كبير، يتجدد باستمرار. كما أن سحر المدينة جذبني بقوة إلى عوالمها المغرية بتنوع حالاتها، وتنوع وتعدد ثقافاتها. فهناك شيء فيها، لا أجده في سواها، فثمة ذكريات خاصة لي بالمدينة، لا أستطيع نسيانها. ”

يضيف حزبون: “إن العيش في مدينة بودابست بحد ذاته، حكاية مثيرة ومناسبة للاستلهام، بل وملهمة من الطراز الرفيع. فعندما أقول بودابست، فأنا في الغالب، لا أقصد بودابست المدينة فقط، بل أعبر عن شيء أكثر شمولية، ولكنه في الوقت ذاته يخص مكانًا واحدًا، يمتزج فيه كل هذا التنوع وهذه الطرافة وهذه الذاكرة التاريخية العظيمة.

يكمل حزبون حديثه مشيراً: “إن المدينة تزدحم باللافتات التعريفية عن مبدعي الثروة المعرفية والثقافية. فمن المألوف، للزائر أثناء تجوله في شوارعها، هو ملاحظة لوحات ولافتات على المباني، تخلد أسماء مشهورين في ميادين العلم والفن والأدب، لمن قضوا فترات من سيرتهم في تلك المباني. فلا يمكن لمن يسير في شوارعها، ألا ويشعر بعظمة المدينة. كما أنها تزخر بتنوع ثقافي مذهل، فوجود العديد من المتاحف والمعارض الفنية والمسارح، تمنح الزوار فرصة ذهبية لاكتشاف الفن والثقافة المجرية العريقة. ومن الممكن للزوار، زيارة متحف الفن الوطني المجري في بودابست الذي يحتضن مجموعة غنية من اللوحات والمنحوتات الفنية القديمة والحديثة ومنها النادر جدًا”.

ويتطرق المهندس حزبون، إلى التحولات الهائلة التي شهدتها بودابست خلال السنوات الماضية، قائلاً: “بودابست شهدت تغيرات هائلة في البنية التحتية وإعادة الإعمار، وحاليًا تحاول تجديد نفسها بشكل متسارع، لتلبية تطلعات المجتمع المعاصر وتطوير الهوية الحديثة لها. وقد رافق عملية إعمار المدينة مخططات متنوعة ومشاريع هندسية كثيرة، أسست لظهور معالم جديدة في الشكل والتصميم، ولكن أيضا بالتوازي مع كنوز التراث التاريخي والثقافي التقليدي. ولذلك نجد في المدينة نفسها، ليس الماضي والحاضر يجتمعان فقط، وإنما أيضًا تتشابك عناصر الحداثة والتراث بشكل مثير للإعجاب وبمضمون إبداعي مذهل. ”

وللتوضيح يشير حزبون إلى منظر الجسور التاريخية على الدانوب، وسحرها وجمالها، قائلاً: “تحكي هذه الجسور الفريدة قصصًا عميقة عن المدينة. ففي المساء، تُضاء بألوان زاهية في الروعة والجمال، مما يخلق أجواء ساحرة ورومانسية للعابرين من فوقها. كما أن ضفاف النهر تعَدُّ مكانًا للمشي والاسترخاء، حيث يمكن للسكان والزوار الاستمتاع بمنظر مرور السفن والقوارب من أمامهم والجسور المضاءة. ”

وفي الختام، يشارك المهندس حزبون رؤيته لمستقبل بودابست، ويقول: “أعتقد أن بودابست ستظل تحتفظ بجاذبيتها وتنوعها في المستقبل، وان إدراك أهمية التوازن بين الحفاظ على التراث وتحديث هيكل المدينة، سيظل هو مفتاح النجاح الحقيقي للمحافظة على سحر هذه المدينة الرائعة ورونقها الباهر. ”

أعلى النموذج

المتحدث الرابع: الدكتور نداء حمارنة: 

 مدينة تعكس الجمال والبهاء، وتنطق بلغة الابتسامة والترحيب لكل من يزورها

 (الدكتور نداء حمارنة، يحمل شهادة الدكتوراه بالتاريخ من الجامعات المجرية، باحث في قضايا الفكر والتراث، يفكر بعمق وبطريقة مبتكرة، له سجلا حافلا بالتميز والفرادة، وعلى وجه التحديد في مجال الغناء والعزف على آلة العود أيام الدراسة. يحظى باحترام كبير في وسطه الاجتماعي، ابتكر لنفسه مرتبة محترمة في قلوب الذين يعرفونه أو يعملون برفقته. إنسانا مبادرا اجتماعيا، له قدرة على سرد حديث متناغم، يتصف بجمال اللغة والدقة في التعبير. يدخل القلوب بغير استئذان، تعينه حلاوة اللسان ورحابة النفس، لقد كان محبوبا ومرحبا به أينما حل. لمع اسمه في مجال العمل الطلابي، فهو ذو قدرات كبيرة وقابليات فذة في بناء العلاقات الاجتماعية في وسط متنوع الثقافات.

 سافر الحمارنة إلى المجر في خريف عام 1976، وأكمل دراسة البكالوريوس والماجستير من جامعة (Eötvös Loránd)، في مدينة بودابست عام 1987، وحاز على شهادة الدكتوراه في عام 1992 من أكاديمية العلوم الاجتماعية الهنغارية قسم الدراسات الشرقية. وفي عام 1993 عاد إلى الأردن، وعمل في المدرسة الوطنية الأرثوذكسية في عمان، رئيسا لدائرة التربية الاجتماعية والوطنية. وفي عام 2021 اختار التقاعد والاستقرار في هنغاريا).

بدأ الدكتور حمارنة حديثه عن بودابست بحماس شديد، بكونها مدينة اجتماعية تنبض بالحياة والجمال، مستخدما مفردات تحوي بين جوانبها عواطف حميمية وتعلقًا خاصًا يربطه بالمدينة. كما قدم لمحة متنوعة الأركان، في مسعى منه، لفكٍ شيفرة علاقته المتميزة بمدينة بودابست. وكان واضحًا من خلال كلماته، مدى عمق شعور الحب والإعجاب الذي يكنه للمدينة، في هذا السياق قال: “بودابست هي مدينة نابضة بالحياة، لا تتوقف الحركة والحيوية فيها طوال العام، إنها مدينة تمنح الإنسان الألفة والحرية، وتفتح أمامه أفاقا واسعة للاختيارات المتغايرة.

يستطرد قائلا: “لقد سمعت الكثير عنها قبل أن أزورها، ولكنني فوجئت بالواقع المذهل الذي شاهدته فيها، فهي ليست بحت مدينة نمطية، بل هي حياة وحضارة، تحوي بين جوانبها العظمة والانفتاح على المستقبل. وأيضاً، هي ليست محض شوارع ومحالّ تجارية، بل مكانًا يمكن للإنسان أن يستمد منه القوة والإلهام، ويجد فيه كل ما يحلم به، ويحقق طموحاته ونجاحاته. إنها بحق، مدينة تعكس الجمال والبهاء، وتنطق بلغة الابتسامة والترحيب لكل من يزورها”.

ويضيف الحمارنة: “تُعَدُّ بودابست مكانًا حيويًا ومرحبًا بالباحثين عن وجهات سياحية ودودة اجتماعيا، حيث يمكن للزوار الاستمتاع بالضيافة المجرية الحارة، والتواصل مع السكان المحليين بسهولة. كما أن فرصة الاستمتاع بالوقت، ليست محددة فقط في الأماكن والمعالم التراثية، وإنما أيضًا في التفاعل المباشر مع سكانها الودودين. في الوقت الحاضر يمكن لزوار المدينة أن يلاحظوا بسهولة، مدى حجم التطور المذهل للأحياء الجديدة، وبنفس الوقت الاستمتاع بجمال الهوية الحضرية والثقافية القديمة لها. كما تظهر عملية التوسع والتحديث التزاما صارما بالحفاظ على هويتها البصرية الفريدة، بما في ذلك منحنيات نهر الدانوب والجسور المميزة التي تمتد فوقه”.

ويلفت الحمارنة: “على الرغم من كل تلك الخطط المدروسة بدقة، لم تتمكن بودابست من تجنب بعض تحديات النمو الاقتصادي والتحضر السريع، حيث نشهد في الوقت الحاضر، شوارع مزدحمة بشكل متزايد، وعددًا متناميًا من المباني الشاهقة غير المألوفة سابقًا. وفي حين آخر، نجد تغيرًا كبيرًا في نمط البناء التقليدي. ولذلك، تسعى سلطات المدينة دائمًا إلى إيجاد توازن دقيق بين تنمية الاقتصاد والحفاظ على نوعية الحياة”.

يكشف الحمارنة: “ومن أجل نشر البهجة وتحقيق حياة رفاه ممتعة وثرية بالتنوع لسكان المدينة، تستضيف بودابست سنويًا العديد من المبادرات التي تستهدف إضفاء المزيد من الحيوية والبهجة على حياة سكان المدينة. ويسجل لهذه المبادرات المبتكرة أنها نجحت في جذب المشاركين، وخاصة جيل الشباب، وتوجيههم نحو استلهام الشعور بالسعادة والرخاء”.

يتابع الحمارنة: “في كل عام، تستضيف بودابست العديد من المهرجانات العالمية، بدءًا من المهرجانات الثقافية وصولاً إلى المهرجانات الموسيقية والسينمائية، لقد أصبحت هذه الظاهرة جزءًا لا يتجزأ من الحياة الحضرية في المدينة، وحاليا أصبحت بودابست مقرا دائما للعديد من الفعاليات العالمية الشهيرة التي تجذب الزوار والفنانين والجماهير على مدار العام، ومن مختلف دول العالم، وتعكس في تنظيمها تميز المدينة والتزامها بالابتكار، مما جعل منها مركزًا ثقافيًا دوليًا. ”

يستدرك الحمارنة: “ولكن في نفس الاتجاه، تجب الإشارة، إلى أن هذه المبادرات، أيضًا ولدت نزاعات شديدة بين الجهات الاقتصادية الفاعلة. فقد أنتجت هذه التحولات التي شَهدتها المدينة بعض التناقضات في النتائج المتوقعة منها، وأفضت إلى تغيير في بعض فضائها الحضري ومعمارها واقتصادها، وإعادة تشكيلها على نحو مختلف. ولكن ما يدهشني أكثر في وضعية بودابست، هو قدرتها على إعادة صهر كل التشوهات التي تلحق بها من مختلف الأزمنة، لتبقى وتستمر مدينة جميلة”.

ويختم الحمارنة: “من التقاليد الجميلة في مدينة بودابست أن السكان المحليين يشركون ضيوف المدينة في الفعاليات المحلية والاحتفالات، ما يجعل الزوار يشعرون بأنفسهم جزءًا من مجتمع المدينة. وفي هذا الاتجاه، تمنح العديد من المقاهي والمطاعم في بودابست فرصة للزبائن، بأن يتفاعلوا ويتحدثوا عن ثقافتهم وتقاليدهم، مما يضيف تجربة جديدة أكثر غنى وعمقًا اجتماعيا وثقافيا لهم. “