خيارات تحديد موعد إجراء الانتخابات البرلمانية القادمة
تشهد الصالونات السياسية والشعبية مؤخرا نقاشات ساخنة متضاربة حول موعد إجراء الانتخابات البرلمانية المقبلة. علما بأن كل تلك الآراء المطروحة تستند إلى أحداث غزة ومقدار تداعياتها على موعد إجراء الانتخابات البرلمانية القادمة.
في البداية من المفيد أن نتوقف على تلك الآراء. وهي على النحو الآتي:
الرأي الأول: والذي يتمثل في إجراء الانتخابات البرلمانية القادمة في موعدها وقبل الأول من تشرين الاول. مهما كانت الظروف القائمة. استنادا إلى صلاحيات الملك في المادة ٣٤ من الدستور. مع الإشارة هنا إلى أن الموعد المحدد في الدستور للدورة البرلمانية العادية الأولى هو في الاول من تشرين الأول.
الرأي الثاني: يتمثل في تأجيل إجراء الانتخابات البرلمانية القادمة إلى السنة القادمة خوفا من اكتساح الإسلاميين للانتخابات نتيجة التعاطف الشعبي العام مع المقاومة الإسلامية في غزة ممثلة بحركة حماس واستنادا إلى أن الإخوان المسلمين هم الرحم الذي خرجت منه حركة حماس. في ذات الاتجاه فإن هذا التأجيل يعني ضمنيا تمديد مدة مجلس النواب الحالي سنة إضافية وهي من صلاحيات الملك بموجب الدستور في المادة ٦٨ من الدستور.
الرأي الثالث: يتمثل في الإعلان الرسمي عن إجراء الانتخابات البرلمانية القادمة في موعدها قبل الأول من تشرين الأول مع إمكانية التراجع عن ذلك لاحقا فيما لو أصبحت تداعيات العدوان على غزة اصعب من الواقع الحالي وكذلك إذا توسع العدوان الإسرائيلي ليشمل الضفة الغربية. استنادا إلى المادة ٦٨ من الدستور التي تشير إلى بقاء مجلس النواب الحالي قائما حتى التمكن من إجراء انتخابات نيابية جديدة إذا ما تعذر إجراء انتخابات نيابية خلال الشهور الأربعة الأخيرة من عمر مجلس النواب الحالي.
الرأي الرابع: غياب مجلس النواب من الناحية الدستورية دون التقيد بموعد زمني محدد نحو إجراء أي انتخابات جديدة.
من الأهمية بمكان مناقشة هذه الآراء. نبدأ مع الخيار الأول وهو إجراء الانتخابات البرلمانية القادمة في موعدها الدستوري والذي يقدر أنه سيكون في أول أيلول من السنة الحالية على أبعد تقدير. بناء على ذلك فإن حسم هذا الخيار سيكون خلال شهر حزيران والسبب أن قانون الاحزاب يطلب من الراغبين بالترشح لعضوية البرلمان أخذ إجازة من أعمالهم قبل ثلاثة شهور من موعد الانتخابات النيابية حسب المادة ١١ من قانون الأحزاب. وضمن مناقشة هذا الخيار أقول إن هناك حالة تضخيم تجاه عدد المقاعد النيابية التي يمكن أن يحصل عليها الإسلاميين في الدائرة الانتخابية العامة والدوائر المحلية الثامنة عشرة دائرة انتخابية. قناعتي هنا أنه سيكون هنالك مقاعد للإسلاميين ذات دلالة أكثر من الدورات النيابية الأخيرة لكن ليس اكتساح كما يروج البعض. وانسجاما مع هذا التوقع فقناعتي أنه سيكون هنالك تغيير على نوعية المرشحين المنافسين للإسلاميين وأقصد وجود أشخاص ذو قدرة على الحوار ولديهم عمق سياسي إضافة إلى النماذج الأخرى السابقة والمتمثلة بمرشحي المال الاسود وكذلك مرشحي القواعد العشائرية.
انتقل الى مناقشة الخيار الثاني. وهو تأجيل الانتخابات النيابية سنة أخرى عن موعدها الدستوري وهي من صلاحيات الملك بموجب المادة ٦٨ من الدستور.
أمام هذا الخيار الذي يتحدث به البعض فليس لدي كلام كثير ذلك أن الفكرة واضحة جدا وهي أن مثل هذا الإجراء سيكون بمثابة دعاية انتخابية مجانية من الدولة لصالح الإسلاميين وستنتشر مقولة أن التأجيل جاء نتيجة خوف الدولة من نجاح الإسلاميين بمقاعد كثيرة العدد في الدائرة العامة وفي الدوائر المحلية. مع الإشارة هنا أنه إذا ما تم هذا الخيار فالمؤكد ان حكومة جديدة سيتم تشكيلها كي تكمل السنة الإضافية مع مجلس النواب.
أما فيما يتعلق بمناقشة الخيار الثالث وهو خيار الاعلان عن إجراء الانتخابات النيابية في موعدها الدستوري قبل الأول من تشرين الاول لكن مع إمكانية العودة عن هذا القرار نحو تأجيلها إذا ما تطورت الأحداث في غزة وربما شملت الضفة الغربية إلى درجة لا يستقيم معها إجراء الانتخابات فهذا رأي منطقي من الناحية السياسية وأعتقد أن جميع المكونات السياسية ستطالب بذلك. بموجب ذلك سيعود مجلس النواب الى ممارسة أعماله إذا كان منحلا إلى حين التمكن من إجراء انتخابات نيابية جديدة حسب المادة ٧٣ من الدستور. أو بقاء المجلس الحالي قائما لتعذر إجراء الانتخابات البرلمانية خلال الأربعة شهور الأخيرة من مدته الدستورية بموجب المادة ٦٨ من الدستور.
ننتقل الى الخيار الرابع وهو غياب مجلس النواب من الناحية الدستورية مع عدم التقييد بموعد محدد نحو إجراء انتخابات نيابية جديدة. في مناقشة هذا الخيار. فإنه مرتبط بحالة توسع دائرة الحرب القائمة مما يتطلب إعلان الأحكام العرفية. تجدر الإشارة هنا إلى أن إعلان الأحكام العرفية تسمح بتعطيل مواد في الدستور. وقد يتم اللجوء إليها لأن قانون الدفاع لا يساعد في ذلك. ذلك أن قانون الدفاع بموجب المادة ١٢٤ من الدستور يمكن الحكومة من تعطيل مادة في قانون ساري المفعول كما حدث في مرحلة كورونا لكن قانون الدفاع لا يمكنه تعطيل مادة في الدستور.
من هنا فإن غياب مؤسسة البرلمان عن المشهد السياسي يتطلب العمل بالأحكام العرفية بموجب المادة ١٢٥ من الدستور والتي تسمح بتعطيل مادة أو أكثر في الدستور من قبل الحكومة. مذكرا أننا وبموجب العمل بالأحكام العرفية سابقا فقد تم تعطيل عمل البرلمان من سنة ١٩٧٤ إلى العام ١٩٨٤م. حيث غاب مجلس النواب عن الوجود خلال فترة ١٩٧٤ م إلى ١٩٧٨ م. تبع ذلك إيجاد المجلس الوطني الاستشاري كبديل عن مجلس النواب خلال فترة ١٩٧٨ م إلى ١٩٨٤م.
بعد مناقشة كل تلك الآراء. بقي أن أقول رأيي في كل تلك الخيارات. فأنا أميل إلى الإعلان عن موعد إجراء الانتخابات البرلمانية القادمة في الاول من ايلول من هذا العام. لكن لا قدر الله اذا ما تطورات الأحداث إلى ما هو أوسع فانا أميل إلى التراجع عن إجراء الانتخابات البرلمانية مع تمديد سنة للمجلس النيابي الحالي أو عودته الى ممارسة اعماله اذا كان منحلا إلى الحين الذي تسمح به الظروف ويتم إجراء الانتخابات البرلمانية الجديدة وبما يخدم بكل تأكيد المصلحة الوطنية العليا.
ختاما. في موضوع الانتخابات النيابية القادمة كحال سابقاتها تتداخل الأبعاد السياسية والأمنية مع الأبعاد الدستورية. ولا شك أن الدولة تدرس خياراتها المتعددة في هذا المجال من عدة مجالات ومنها وليس جميعها. طبيعة المرحلة القادمة والتي ستنعكس ضمنيا على طبيعة التركيبة السياسية والاجتماعية التي ستكون في البرلمان.