أبو حمور يكتب : شرعية الانجاز .. معيار النجاح
كتب . د. محمد ابو حمور
زخرت التوجيهات الملكية السامية للحكومات المتعاقبة بالعديد من الامور الجوهرية المتعلقة بمختلف الجوانب في الدولة الاردنية، والمتابع لهذه التوجيهات يلحظ دوماً انها، وبالرغم من شموليتها وتنوعها، الا أنها لا تخلو من التأكيد على ضرورة تحسين حياة المواطنين ورفع مستوى الخدمات المقدمة لهم.
وفي ضوء ذلك نستطيع الجزم بأن الموضوع يتعلق بالانجاز العملي والواقعي الذي تبدو اثاره جلية في الحياة اليومية للمواطنين.
استطعنا في الاردن أن نحدد المصاعب الاساسية التي تواجهنا مثل البطالة والفقر وتحديات المالية العامة ورفع تنافسية الاقتصاد وجذب الاستثمارات وغيرها، كما قمنا بتوصيف سبل معالجتها والتعامل معها في أكثر من خطة وعلى فترات زمنية متفاوتة.
واليوم يمكن القول أن رؤية التحديث الاقتصادي مع خطة تحديث القطاع العام تشكل أساساً عملياً لبناء شرعية الانجاز للحكومات التي بدورها لا بد أن تعي بان المواطن الاردني اليوم يتطلع الى حكومة قادرة على تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية ترفع مستوى معيشته وتنهض بالاقتصاد وتوفر فرص عمل ملائمة وتتيح المجال للقطاع الخاص للقيام بدور فاعل في هذا الاتجاه، على أن يتم ذلك في اطار من الشفافية والمساءلة التي تصوب الاخطاء وتحاسب المقصرين، عندها فقط تستطيع الحكومة أن تحظى بثقة المواطن المستندة الى انجاز واقعي يصبح بدوره مبرراً للطلب من المواطنين التريث والصبر في وقائع محددة لحين التمكن من تحقيق انجازات جديدة وتلبية احتياجات اضافية، وسوف نرى حينها قدرة المواطن على بذل اقصى الجهود للمساهمة في الحفاظ على الانجازات وصيانتها والبناء عليها، والحكومة التي تستطيع أن تنجز سوف تكون قادرة على تشكيل نقطة جذب للكفاءات والامكانيات الوطنية القادرة على تعظيم الانجازات والتي بدورها تساهم في تسويق المملكة كتجربة مثيرة وناجحة توفر استقراراً يتيح أنسب الظروف لتحقيق طموحات تنموية فريدة.
وعندما نتحدث عن الانجاز لا بد من التأكيد على بعض العوامل التي تساعد في الوصول له، فالقدرة على اتخاذ القرارات الحازمة والصحيحة في الوقت المناسب ليست بمقدور الايدي المرتجفة كما وصفها جلالة الملك حفظه الله، والظروف التي نعيشها حالياً تتطلب المرونة التي تتيح تعديل السياسات بما يتناسب مع كل مرحلة من المراحل والقدرة على تحديد الاهداف بدقة وفي اطار زمني مناسب، مع الوعي الكامل بالامكانيات المتاحة والسبل الممكنة لاستغلالها بالشكل الأمثل.
وتتنوع الانجازات التي تحتاجها المجتمعات باختلاف حاجاتها ومتطلباتها التنموية والاجتماعية، فما يعتبر انجازاً في مكان ما قد يبدو ترفاً لا طائل تحته في مكان أو ظرف اخر، لذلك فالاولوية هي لتلمس حاجات المواطن وتلبيتها ومساعدته على مواجهة المصاعب التي يتعرض لها، بمعنى أن الانجاز الحقيقي لا بد وأن يتفق مع حاجات ومتطلبات المجتمع ويؤثر بشكل مباشر على حياة أوسع شريحة ممكنة من المواطنين، ومن المهم أيضاً أن يتحقق الانجاز في التوقيت المناسب، وبكلفة معقولة، فالحديث عن انجاز ما بشكل عام وباي دولة كانت دون النظر لكلفته الاقتصادية والاجتماعية والاثر المترتب عليه يكون أقرب الى التنظير غير المرتبط بالواقع المعاش، خاصة اذا تم الاستعانة باجهزة الاعلام لتضخيم المنجز وتحميله ما لا يحتمل عندها تصبح الامور أقرب الى الدعاية الاعلامية التي لا تقنع المواطن ولا تتلمس احيتاجاته ولا تنعكس ايجابيا على واقعه المعاش.
تزخر الادبيات السياسية والاجتماعية بالمقولات المتعلقة بالشرعية ودورها في تعزيز الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي في المجتمعات المختلفة، وكما هو ملاحظ فتحقيق هذه الغاية لا يقتصر على نمط سياسي دون اخر فهناك مجتمعات تعتمد صندوق الانتخاب وسيلة لتعزيز شرعيتها، الا ان الفشل في تحقيق البرامج والانجازات المتعلقة بالحياة اليومية للمواطنين يؤدي الى استبدالها بعد الفترة الزمنية التي اتيحت لها، وهناك مجتمعات اخرى تعتمد نمطاً يوصف بانه غير ديمقراطي الا انها حافظت على استقرارها عبر تحقيق انجازات على أرض الواقع وتوفير الظروف الملائمة لحياة المواطن، وبمعنى اخر نستطيع القول بان شرعية الانجاز هي التي تستطيع أن تفسر الاستقرار السياسي والاجتماعي واستمراره بغض النظر عن عوامل أخرى.
الوصول الى شرعية الانجاز يتم عبر تلبية احتياجات المواطنين سواءً في الجوانب الاقتصادية المتعلقة بنمط المعيشة أو تلك المتعلقة بسيادة القانون وتحقيق العدالة والنزاهة وما يترتب على ذلك من توفير منظومة أخلاقية وقيمية متكاملة تدعم بعضها بعضاً وتتصف بالمصداقية وتحفز العمل المخلص القائم على تسخير الامكانيات لتلبية الاحتياجات المجتمعية المختلفة وتؤدي الى تحقيق التنمية المستدامة، وتخلق مجتمعاً تتكاتف فيه مختلف القطاعات لتحقيق الطموحات والنهوض بالوطن والمواطن.