0020
0020
previous arrow
next arrow

قرية بعجة الأردنية تنطق بعبقرية وابداع عصرها الحجري

سارة طالب السهيل

 

يعود الفضل للعلماء وخبراء الاثار في كشف النقاب عن المجتمعات البشرية السحيقة وانماط حياتها الاقتصادية والاجتماعية وكيف وظفوا معطيات الطبيعة في صنع الجمال من أدوات وأدوات زينة وغيرها.

وتكشف لنا المسوح الاثرية واكتشافاتها عن الوسائل التي كان يتخذها البشر من الطبيعة نفسها لحماية انفسهم والدفاع عنها ضد أية مخاطر محتملة، ولعل المتعة التي يجدها خبراء الآثار، ومن بعدهم عشاق التراث الانساني والثقافة التاريخية والحضارية لا تضاهيها أية متعة اخرى، اذ تسمح لنا هذه الكشوف بالسياحة عبر أزمنة موغلة في القدم، حيث الانسان الاول والعصور الحجرية وما قبلها وكيف تطور الانسان من مرحلة لأخرى.

يزخر الاردن بالعديد من الكشوف الاثرية المذهلة، التي يخرج لنا كنوزها العلماء من آن لآخر، وكل كشف منه يأخذنا الى أصالة وعمق تاريخ الاردن و حضارته، ومن ذلك قرية بعجة بالاردن التي تقع شمال البترا، وعثر بها على عقد لؤلؤ ومجموعة اصداف اللؤلؤ، ومجمع سكني مكون من طابقين يعكس فنون المعمار بهذه القرية قبل تسعة آلاف عام، ويقع المجمع على ارتفاع 1155 مترا، حيث يطل على جرف عال أعلى الجبال الوعرة.

فلنتخيل قدرة انسان ذاك العصر على العيش أعلى الجبال الوعرة، ورغم ذلك قد استطاع ان يوفر لنفسه قوت يومه ويصنع ادواته ويبدع في فنون القلائد وغيرها، فما هذه العظمة والقدرة على التكيف مع تحديات الطبيعة واستثمارها لصالح الانسان؟!..

فقلادة الطفلة جميلة المصنوعة من حبات اللؤلؤ وتضم الفين وخمسمئة حبة، والتي عثر عليها مدفونة معها تعد من أهم الاكتشافات بموقع قرية بعجة، تم نقلها للعرض بمتحف البترا.

هذه القلادة تعكس ابداع الانسان بالعصر الحجري الحديث، ورؤيته للجمال، وان الانسان لا يستطيع العيش بدون الجمال والابداع، وان قدرات سكان هذه الارض بعجة كانوا يتمتعون بالتسلق عبر الوادي الضيق للوصول للقرية، مثلما يتمتع عشاق التسلق في عصرنا الحديث بتسلق الجبال حيث روح المغامرة والاقدام.

وبحسب خبراء الاثار، فان بعجة، قرية من العصر الحجري الحديث تقع على بعد 14 كم شمال البتراء، وقد كشفت الرسوم والنقوس بالقرية عن حياة سكانها القائمة على الزراعة ورعي الغنم والقرية محل دراسات متعددة لمعرفة اذا كان سكانها يتحدثون اللغة الاكادية أم لا، واذا كانوا قد نطقوا بها فان أصلهم وجذورهم ترتبط بالبدو العرب الساميين؟.

عبقرية سكان هذه القرية تجلت في شواهد أثرية طريفة وممتعة مثل انهم كانوا أول من صنع ابرة الخياطة من العظم لخياطة الملابس وصناعة السلال، وأن الابرة المستخدمة في عصرنا الراهن لا تختلف شكلها عما صنعوه الاجداد بقرية بعجة.

وقبل ان يتوجه الانسان للمدراس والجامعات والاكاديميات للتعلم واكتساب خبرات حماية نفسه من آية مخاطر، فان انسان العصر الحجري الحديث بقرية بعجة كان أكثر ذكاء في توظيف قدراته العقلية في البحث عن حماية نفسه وأسرته ومجتمعه، وتجلى في دقة اختياره للعيش بقرية منطقتها وعرة وجبلية لتكون حصنا طبيعيا ضد اية تهديدات محتملة.

ورغم صعوبة الحياة بالجبال فقد اشتغل سكان البعجة بالعصور الحجرية بالزراعة وبالصناعات المناسبة لعصرهم وبصناعة الأساور المصنوعة من خامات البيئة لديهم مثل انواع من الحجارة الرملية.

أتمنى أن تولي السلطات المختصة مزيدا من الاهتمام بهذه القرية، وأن تعمل على تنشيط البرامح السياحية عنها.

“الرأي”