د. العجلوني يكتب.. الشمس ما بتتغطى بغربال
كتب. د. يوسف العجلوني
للناس شخصيات ومواصفات مختلفة ، قد تتناسب أو لا تتفق مع حجم المسؤولية والمكان والقيادة التي يتطلبها العمل العام أو الخاص ، ومما يزيد في نجاح أي شخص هو وجود المواصفات الجسدية من حيث الطول والوسامة ، والقدرات العقلية من ذكاء وفهم وسرعة بديهة ودقة ملاحظه وحسن التصرف ، والشهادات العلمية والخبرة ، والحضور والهيبة والعلاقات الإجتماعية المتنوعة ، والقدرة على التخطيط والتنظيم والإدارة والكفاءة وكذلك التنفيذ على الواقع والوصول إلى الأهداف.
لقد فَضَّل الله الرسل بعضهم على بعض ، كما فضل الله أيضاً الأنبياء بعضهم على بعض ، ورفع الله بعض الناس على بعضهم درجات ، وهذه سنة الله في خلقه في التفضيل والتفاوت في المواصفات ، حتى تستمر الحياة ونكمّل ونخدم بعضنا البعض.
النجاح الذي نحققه في الحياة الشخصية والمهنية والإجتماعية ممتع ويحقق الذات ، وفي نفس الوقت يكشف عن نفسيات المحيطين بنا ، من الفاشلين والحاقدين الذين لا يسرهم هذا الإنجاز ، أو الخائفين على مناصبهم ، وما كسبوه بالزور والبهتان.
ليس من الضروري أن نقارن أنفسنا بالآخرين ، بما يخص أفعالنا وإنجازاتنا وممتلكاتنا وقدراتنا ؛ لأنه سيكون هناك دائماً شخص يسبقك في ناحية أو عدة نواحي. المقارنات ممكن أن تكون صحية وإيجابية إذا كان الفرد منّا أكثر إدراكاً ووعياً لتكون المحفّز ، وتقودنا للإنطلاق وإكتشاف القدرات ونقاط القوة ، وتجعل الفرص متعددة ومناسبة.
الكثير من الأحداث التي نشاهدها اليوم في المجتمع تدل على تفشي الجحود والنكران بين الناس والتي تؤدي إلى إخفاء الحقائق ، وقتل سمات التقدير والإنجاز ، وتتفشى الأنانية وإنكار دور الآخرين.
العمل والإصرار والمثابرة هي الرد البليغ على أعداء النجاح، ولا شيء يؤلم الفاشلين والحاسدين أكثر من استمرارية نجاح الناجحين ، فهم لا يستخدمون أساليب المنافسة المشروعة ، ولا يسعون إلى تطوير أنفسهم ، بل يلجأون إلى أشنع الوسائل لتحطيم المنافس ، على اعتبار أن سقوط المنافس نجاح لهم ، حتى وهم يعلمون علم اليقين أن المشكلة الرئيسة فيهم ، وسرعان ما يعلنون الحرب الخسيسة ، التي سلاحهم فيها الكلمة الكاذبة والإشاعة المفترية.
إن أعداء النجاح حولنا لا عدد ولا حصر لهم ، وتتضح صفاتهم بالإنهزامية ، والفشل ، والسلبية ، والعدائية ، لأنهم لا يملكون القدرة على النجاح والتجدد وتطوير الذات ، إضافة إلى أنهم يؤذون أنفسهم ومجتمعهم ، فلا ينجزون ولا يتركون غيرهم يُنجز.
الناجح الحقيقي هو الذي يقطن وراء نجاحه عامل الثقة بالنفس والإصرار ، حتى لو كانت هناك محاولات لتفشيله من قبل المتربصين به ؛ الذين يدبرون له المكائد للنيل من نجاحه، فكلما رأوا من تكلل سعيه في أمر ما على استحقاق وبطرق شرعية وأخلاقية بعد توفيق من الله، إلا ووجدتهم مضطربين مهمومين بنجاحه ، فيفضحون أنفسهم بمحاولاتهم التسلط عليه والسعي على محاربة تميزه.
يجب عدم إعطاء أي أهمية لكلام الحاقدين ولا لصنيعهم ضد من يرتقي سلم النجاح ، والسير في طريق النجاح المشروعة دون الإلتفات لهم وتضييع الجهد والوقت في مواجهتهم ، واستخدام الجهد والوقت للإستمرار في النجاح ، والعدالة الإلهية كفيلة بكيدهم وإزاحتهم عن الطريق.
هنالك من يمدون أيديهم الخفية لإنجاح من لا يستحق النجاح ، والذي لا يمتلك مقوماته ، لا لشيء إلا لأنه ذو تمرس واسع في التملق أو لتدخل خارجي لاأخلاقي ، في حين أنهم يحاولون تفشيل الناجح الحقيقي لأن مقوماته الذاتية غالبة على التي عندهم ، فبروزه في نظرهم يشكل خطراً عليهم ، لهذا يضعون عقبات وحواجز أمامه ، ونظراً لأنهم يرون أن النجاح في يدهم وملكهم الشخصي ، تراهم يصنفون الناجحين على حسب أهوائهم ، وكأن النجاح خاص بهم وبمن يريدونهم وحدهم ، ويبقى تفكيرهم معطوباً وقلوبهم طُبِع عليها الشيء الذي منعها من إبصار الحقائق ؛ لهذا هم يعتقدون بأن كل مشروع ناجح وكل إنسان متميز فيما يصنعه يشكل تهديداً خاصةً على أمنهم الذاتي.
النجاح الحقيقي ممكن أن يُغطّى عليه لفترة قصيرة ولكن لا يموت ، وإن تعرضت لإنتكاسات ومعارك طاحنة بعد محاولات متكررة في تفشيلك أو سرقة مجهوداتك التي تعبت كثيراً من أجلها ، إن كل الأشياء التي يضعها لك أعداء النجاح لعرقلة مسيرك إنما هي نقاط وتضاريس في الطريق تزيدك نجاحاً وصلابةً وقوةً في مواجهة الأزمات والشدائد ، والشخص الطَموح يعمل بشكل دائم ويجاهد بتفانٍ ، ويتابع مسيرته نحو بلوغه بثبات ، ولا يعطي أية قيمة لمن خانوا أخلاقهم وإنسانيتهم ، فمهما حاولوا تغطية تميز الناجح ، سيسطع نور اجتهاده رغم كيدهم وحقدهم وحسدهم الدفين ، فالنجاح الحق غالباً مايعلو ولا يُعلى عليه.
ولا تنسَ أن أعداء النجاح لا يهاجمون إلا الإنسان الذي يمتلك مواصفات الناجح ، لهذا فهم دائماً يشككون في إمكانياته ومهاراته، ولكنهم بالرغم من كل ذلك يبقون غير قادرين على إخفاء ما يقوم به من إنجازات وأعمال ناجحة، ومهما حاولوا حرمان الناجح من تميزه فلن يتمكنوا من سلب النجاح منه لكونه صناعة ذاتية وحق منشود لا يمكن أن يأخذه منه أحد.
الناجح إذا أراد أن يريح باله ، لا ينتظر الإعتراف من غيره بذلك ، فالزمان والوقت كفيلان بإثبات حقيقة إبداعاته وإنجازاته المتميزة. قوة نجاحك مستمدة من كل ما واجهت من تحديات وعوائق ، فصلابة نجاحك الداخلية وقدرتك الهائلة على المقاومة هي تراكم كل المعارك والتجارب التي خضتها في سبيل تحقيق النجاح الذي تصبو له ، لذا فإن ما يجعلك إنساناً ناجحاً هو إدراكك لفكرة أنه ما من شيء أبداً بوسعه أن يحطم نجاحك ويخفي آثاره ، بل على العكس فكلما حاولوا منعك من الإرتقاء في درجات النجاح إلا وصار نجاحك أكثر سطوعاً مثل نور الشمس في النهار.
لذلك لا يزعجك أولئك الذين لا يكفون عن محاولاتهم الخبيثة لإﺟﻬﺎض نجاحاتك وﺳﺮﻗﺔ اﻧﺘﺼﺎراتك ﻟﺼﺎﻟﺢ إشباع نفسياتهم المريضة ، شكراً لهم لأنهم ﻛﺸﻔﻮا لك ﻋﻦ ﻋﺪاواتهم الصريحة ، امضِ في نجاحاتك واستمر في تميزك غير آبهٍ لكل من يحاول عرقلة مشوارك نحو المجد ، وكن دائماً صاحب إصرار وعزة ، جباراً تتغابى عن أي فعل لا أخلاقي يمارسه الآخرون ، فنجاحك أكبر من أن تلتفت لكل من يحاول النيل منه. لن تضل الطريق لو تمسّكت بإحترام الذات ثم إحترام الآخرين وتحمل مسؤولية كل فعل.
هناك فئة لا يمكن أن يخفي إنجازاتهم أحد أو ينكرها أو يطمسها ، ولا يمكن التستر على ماحققوا في مسيرتهم العلمية والعملية من إبداع وتفوق ، هؤلاء هم أصحاب العقول النابغة والنجاحات المتميزة المستمرة في كل مكان وزمان ، هم أصحاب الأيادي البيضاء المشهود لهم في حب الخير وفعله في كل موقع يشغلونه ، وشعارهم دائماً النهوض بالعمل والإنجاز والوطن ، ومصلحة الوطن عندهم الأولى والأهم ، هؤلاء هم رواد العلم والمعرفة وقادة الفكر ، هم أصحاب الكفاءات والقدرات والخبرات الواسعة ، هم المتميزون بحضورهم ولباقتهم وقوة شخصيتهم في إدارة المواقف وتولي المهام بمهارة وحنكة أينما وُجِدوا ، هؤلاء كالشمس في ضيائها ، في سموها وعلوها ، في عطائها وقوتها ، لم ولن يستطيع أي كان أن يغطي نورها ، نورهم واضح ومستمر ولو كره الظالمون ، ولو كاد الناقمون والمتآمرون.
أخيراً اقول :
ثقافة الجحود والنكران ما زالت سائدة بوجهها القبيح الخفي محدثةً الأذى والإحباط لكافة المبدعين والباحثين. لا تقارن نفسك بأولئك الذين لديهم شيء ما ترغب في الحصول عليه لأنك ستنجرف تلقائياً لأن تصبح غير راضٍ عن نفسك ، وستشعر بالخسارة ، ولن تستمتع بأي من نجاحاتك وسيتصاعد الشعور لديك بالذنب والتعاسة لما يقود لإنخفاض مستوى الحياة. الطريقة المثلى لمواجهة أعداء النجاح هي التجاهل والإعراض والتغابي والتغافل أحياناً ، إضافةً إلى الإستمرار بخطوات واثقة ولا تعطِ أي انتباه لكل من يحاول إحباطك ، وتخلص من حساسية ردود الفعل ، ولا تقع في فخ من يريدون استفزازك. اَلْشَمْسُ مَا بتِتْغطى بِغُرْبَال وَفَاقِدُ الشيْءُ لاَ يُعْطِيه. لا تنوِ الانتقام أبداً ، ومازالت الحياة أمامك مستمرة ، وقطارات الحياة لا تتوقف ، والقادم أجمل بإذن الله.
