ماذا بعد أن عاد منتصرا؟
د. منذر الحوارات
أنهى اليسار الإسرائيلي مهماته الكبرى في العام 1967 عندما أتم مشروعه الاستيطاني التوسعي باحتلال الضفة الغربية وسيناء والجولان، ودخل بعدها في محاولات التهدئة مع دول المواجهة وتمخضت إحداها عن تهيئة الطريق أمام إبرام اتفاق سلام مع جمهورية مصر العربية، بعيد ذلك بقليل بدأت مكانته تتراجع لمصلحة قادم جديد بدا أنه يجسد بشكل أكبر الأحلام الاسرائيلية بالتوسع والهيمنة فكانت انطلاقة اليمين في العام 1977 صحيح أنه وقع اتفاقية سلام مع مصر، لكنه بدأ منذ تلك اللحظة مسيرته في إفراغ القرارات الدولية من محتواها وهذا ما حصل بعد مؤتمر مدريد إذ نجح في نزع الاعتراف بدولة الاحتلال من ألد اعدائها وخاض بعدها مفاوضات غايتها إضاعة الوقت واستهلاك الخصوم دون تقديم أي تنازلات تذكر بل إن الجميع قدموا كل ما لديهم إلا المفاوض الإسرائيلي الذي لم يقدم اي شيء. انتهت هذه المرحلة بنجاح، نالت اسرائيل الاعتراف وأجهضت القرارات الدولية وأوجدت رأياً عاماً سياسياً يقبل بها، ومن هنا يجب أن تنطلق مرحلة أخرى جوهرها إنهاء القضية الفلسطينية كقضية دولية ومحاولة حلّها على حساب الإقليم وكان الهدف هو الأردن وكان رجل هذه المرحلة بنيامين نتنياهو.
عبر هذا السياسي البراغماتي والانتهازي عن موقف معاد للأردن في كل مراحل حكمه ابتداء من محاولة اغتيال خالد مشعل مروراً برفضه الصريح لحلّ الدولتين وانتهاكاته المتكررة للوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة وليس انتهاء برفضه تزويد الأردن بالمياه وغير ذلك الكثير، ولكن أسوأها استقباله قاتل مواطنين أردنيين كبطل في تل أبيب بطريقة وقحة ومهينة، هذا عدا عن تبنيه لحل القضية الفلسطينية على حساب الأردن بشكل لا يقبل المناورة، والأخطر انه بدأ بتبني فكرة الحكم البديل وقد ألمح الى ذلك في مناسبات متعددة وقد حاول مراراً فك عُرى هذه العلاقة التي يقودها الجيش والمخابرات وتحويلها الى رئيس الوزراء لكنه فشل، صحيح أن الأردن تنفس الصعداء عند سقوط حكومته لكن هذه الفترة لم تطل كثيراً إذ عاد متسلحاً بدروع إضافية من اليمين المتطرف الذي تتكرس لديه القناعة بأن إسرائيل أصبحت دولة قوية من كل النواحي وعليها أن تبدأ بتنفيذ مشروعها التوسعي والامبريالي في المنطقة ومن هذه النقطة ينطلق اليمين الشوفيني الذي يبدأه نتنياهو لكنه لن يكون جزءا منه لاحقاً وسيدخل المنطقة مرحلة معقدة من الفوضى والصراعات.
الأردن وعلى لسان اعلى هرم في السلطة لم يتأخر في الرد على هذا التطور، إذ قال الملك عبدالله في أول خطاب له في افتتاح الدورة العادية لمجلس الأمة والذي جاء بعد تكليف نتنياهو مباشرة -اقتباس-: (يواصل الأردن القيام بدوره المحوري في الإقليم في مواكبة المتغيرات المتسارعة من حولنا في المنطقة والعالم مستثمراً هذا الموقع الجيوسياسي المتميز الذي يمثل نقطة ربط حيوية بين الدول ولا بد من اغتنامها عبر بناء شراكات عربية وإقليمية واسعة تحقق المصالح المشتركة وتعزز مكتسباتنا الوطنية) انتهى الاقتباس، وما لم يقله الملك في هذه العبارات هو جوهر الرسالة فهذا الموقع الجيوسياسي هو فرصة للشراكة لكنه في حال اصرّ نتنياهو على مخططاته العدوانية تجاه الأردن فإن الجغرافيا الأردنية هي العائق الأول أمام اي شركات إقليمية وعربية وهذا تهديد واضح يطلقه الملك بوجه نتنياهو بالإضافة على ذلك أكد على أن الأردن لن يتنازل عن حل الدولتين ووصايته على الأماكن المقدسة.
كان الملك واضحاً وصارماً لكن المشكلة أن نتنياهو سيتذرع هذه المرة بالآخرين وسيلقي بالمسؤولية على كاهل شركائه في الحكومة كي يتنصل من مسؤوليته الشخصية وهذا يتطلب موقفاً حذقاً من الأردن باستغلال كل ما لديه من طاقة في التأثير وأولها المخاوف الاميركية من وصول اليمين المتطرف للسلطة والذي قد ينسف كل الجهود الاميركية في تهدئة المنطقة، طبعاً عليه أن يحرك موجة من المخاوف الأوروبية حيال هذا الوضع، فموجة جديدة من الصراع ستكون كفيلة بإطلاق موجات لا عدّ لها من اللاجئين، وفي النهاية وصول نتنياهو كان أسوأ الكوابيس لكنه الآن واقع يجب التعامل مع تداعياته فقد عاد منتصراً وقوياً ولا بد من الوقوف في وجهه مهما كان الثمن وإلا ستكون النتائج كارثية.
وكالة الناس – الغد