يا صحفيي الأردن اتحدوا
حادثتان وقعتا مؤخرًا، تتضمنان الكثير من السلبيات، توجب على صحفيي الأردن، أخذ الحيطة والحذر، وعدم إهمالهما أيًا كانت الظروف التي يمرون بها، وتُجبرهم على الاتحاد مع بعضهم بعضا، تاركين وراء ظهورهم، مُناوشات جانبية، قد لا تُسمن ولا تُغني من جوع.
الحادثة الأولى، تتمثل بإجالة مُجمع مطابع الزميلة “الرأي”، بشكل قطعي، إلى “المزاد العلني”، وما تضمنته من “ظُلم أو غُبن”، إذ تم طرحه بمبلغ مالي لم يتجاوز الـ3.383 مليون دينار، على الرُغم من أن قيمته الفعلية بلغت حوالي الـ35 مليون دينار.
هذه حادثة، تدل وبشكل مُباشر، لا لُبس فيه، على أن الحُكومات، سواء الحالية أم السابقة، وقد تكون اللاحقة، غير معنية بتاتًا بالصحافة الورقية، وما ستؤول إليه مصيرها والعاملين فيها، وكأن لسان حالها يقول: “قلع شوكك بإيدك”، مُتناسية عامدة مُتعمدة ما قدمته هذه الصحافة وصحفييها من تبني رؤى وسياسات وقرارات تلك الحُكومات، وما قدمته من مُرافعات بُغية تحسين صورتها في أكثر من موقف وقضية مفصلية.
والحادثة الثانية، التي بطلتها أيضًا الحُكومة، من خلال وزارة السياحة والآثار، تتمثل بانعقاد مُلتقى المؤثرين العرب، والذي نظمته هيئة تنشيط السياحة الأردنية، في الثاني من شهر تشرين الأول الحالي، بمُشاركة 560 شخصًا يُمثلون 16 دولة عربية، يُعتبرون من “المؤثرين العرب” على مواقع التواصل الاجتماعي المُختلفة.. هذا المُلتقى الذي اُنتقد بأكثر من طريقة، خصوصًا أن تكلُفة إقامته بلغت نصف مليون دينار.
تلك تؤشر على أن هُناك اقتناعا، وصل إلى درجة اليقين، بأن “المؤثرين” على مواقع التواصل الاجتماعي، لهم اليد الطولى في تقديم المُحتوى، أيًا كان نوعه وقيمته، ما يوحي بأن القادم يتضمن الكثير من الأسوأ أو السلبيات، وإن كان هُناك “مؤثرون” يقدمون مُحتوى يُشار له بالبنان.
الخشية كُل الخشية أن نصل إلى مرحلة من الإفلاس في أكثر من مجال، وعلى رأسها الأخلاقي، الذي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالاجتماعي، قد تصل إلى مرحلة تؤثر سلبًا على المُجتمع ككُل.
ليس هذا لُب الموضوع، فتلك كلمات قدم الكثير من الكتاب والصحفيين، والخائفين على الصحافة الورقية، أفضل منها وبكثير، لكن ما يجب التأشير عليه هو ضرورة أن تكون هُناك يقظة صحفية، أبطالها أصحاب المهنة، تُدافع بكُل ما أوتيت من قوة عن وجودها وكينونتها.
وإذا كان الفيلسوف اليوناني، سقراط، قال “بالفكر يستطيع الإنسان أن يجعل عالمه من الورد أو من الشوك”، فإن الصحفيين بمقدورهم أن يجعلوا من عالمهم ورد.. ذلك أمر يجب أن يضعه أصحاب المهنة نُصب أعينهم، فهم من خلال “اتحادهم” سيتمكنون حتمًا من حماية مهنتهم، التي يعتاشون منها، هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية يواصلون تأدية الرسالة التي وجدت من أجلها الصحافة، والتي تتمحور حول حماية الوطن، ونقل الحقيقة إلى المواطن، والتأشير على الخلل أو التقصير.
الفُرصة لم تنته بعد، فما يزال بالإمكان إنقاذ الصحافة الورقية والقائمين عليها، أكانوا صحفيين أم فنيين أم إداريين، شريطة “اتحاد” الجميع، ووضع خريطة طريق، يتم من خلالها الدفاع عن “وجودها”، ضمن وسائل ضغط سليمة وطرق قانونية، الجميع يعرف “دهاليزها”.
عندما تكون الصحافة حُرة، فمن الطبيعي أن تمضي باقي المجالات المُختلفة قدمًا على نهج صحيح سليم، خال إلى درجة كبيرة، من الإعوجاج وعدم الإخلاص والانتماء، الذي بات يُشكل سمات أساسية لتلك المجالات.
(الغد)