0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
previous arrow
next arrow

ثقافة الاقتراع

الأستاذ الدكتور: رشيد عبّاس
في احدى الدكاكين القديمة قال احدهم: (احنا بدنا ننتخب فلان..)! توقفت عند كلمة احنا, وتساءلت بداخلي لماذا لا يقول أنا بدي انتخب فلان..؟ في المقابل وبكل صراحة وجدت أن معظم المثقفين يستخدموا الضمير أنا بدلاً من الضمير نحن, وهذا يدل على أن هناك نقلة نوعية ايجابية في طريق التفكير لهؤلاء المثقفين للتخلص من الطاعة العمياء والمنقادة, والوصول إلى استقلالية العقل الفردي الذي منحه الله سبحانه وتعالى لنا للتأمل والتفكير الاحادي.
المفارقة الجميلة في هذا العالم والتي يمكن التوقف عندها مطولاً هي ثقافة الاقتراع عند المجتمعات, وقد تبين لي بكل وضوح أن لكل مجتمع في هذا العالم ثقافته في الاقتراع تلك التي يختاروا من خلالها رؤساء دولهم, ومجالس برلماناتهم, واعضاء نقاباتهم, ورؤساء واعضاء بلدياتهم إلى غير ذلك من دوائر انتخابية, ولأن عملية الاختيار يترتب عليها جميع خطط وبرامج التنمية في كل دولة من دول العالم, فان ثقافة الناخب في كيف يختار المُرشح المناسب للمكان المناسب قضية في غاية الاهمية ولا يمكن تجاوزها.
بناء ثقافة المجتمع وتهيئته لعملية الاقتراع لا تبنى بيوم وليلة كما يقال, إنما هي عمليات تنشئة مركبة تبدأ بالبيت والمدرسة والجامعة, وتمارس فيما بعد في الحياة العملية, وبدون هذه التنشئة الصحيحة سيبقى المجتمع في دائرة مفرغة ولن يفرز أفراد ذو كفاءة عالية بمستوى المهام المطلوبة منهم, وسيبقى المجتمع يُلقي اللّوم والعتب والمسؤوليات على بعضه البعض دون فائدة أو جدوى, فخلوّ المجتمع من ثقافة الاقتراع يعني بالضرورة بقاء تكرار من يدير المشاهد بنفس النهج والآليات السابقة دون تطوير أو تحسين أو تغيير نحو الأفضل للواقع المعاش.
لقد دفعتني عبارة (احنا بدنا ننتخب فلان..) المقلقة, دفعتني للاطلاع على ثقافة بعض المجتمعات في عملية الاقتراع في هذا العالم الواسع من خلال مشاهدة المقابلات الميدانية المترجمة لدى بعض المجتمعات عبر اليوتيوبات, حيث وجدتُ أن هناك تباين واضح عند كثير من المجتمعات في ثقافة الإنسان الناخب في (كيف) يختار المُرشح الأصلح والمناسب للمهمة المطلوبة, وقد تبين لي أن ذلك يعود فقط إلى طريقة وأسلوب تنشئة افراد المجتمع في هذا الجانب في البيت والمدرسة والجامعة, وكنت اتوقف عند طبيعة الاسئلة المطروحة في المقابلات التي شاهدتها من قبل الإعلاميين والموجّه للناخبين عند توجهم لصناديق الاقتراع, أو بعد الانتهاء من عملية الاقتراع,..والجميل في المقابلات أن الاعلاميين لم يطرحوا في المقابلات سؤال من نوع.. من اخترت؟ وانما كانوا يطرحوا سؤال من نوع.. كيف اخترت؟
سؤال كيف اخترت؟ اهم بكثير من سؤال من اخترت؟  سؤال كيف اخترت؟ يعكس تماماً ثقافة الاقتراع عند الناخب وبالذات في جانب (الاستقلالية) في الاختيار واتخاذ القرار المناسب والتي تربط ببرامج المرشحين المختلفة للانتخابات, وهي غاية في الخطورة, واقصد بالاستقلالية في الاختيار واتخاذ القرار المناسب هنا أن يطّلع الناخب على برامج جميع المشرحين ومن ثم يختار بشكل مستقل ودون تدخل الاخرين (العشيرة, العائلة, التيار, الحزب,..) ما يتناسب مع فكره وتفكيره حول برامج التنمية في الدولة, بمعني أن البرامج المطروحة هي من تجّمع الاصوات تجاهها, وليس الاصوات هي من تجمع البرامج المطروحة.
بعض المجتمعات..كالمجتمع الأمريكي والياباني مثلاُ وبغض النظرعن أيدولوجياتهم لديهم استقلالية واضحة في الاختيار واتخاذ القرار المناسب عند عملية الاقتراع, في حين أن المجتمعات العربية ومن بينها الاردن للأسف الشديد ليس لديها استقلالية واضحة في الاختيار واتخاذ القرار المناسب عند عملية الاقتراع, وهذا يعني اننا نهتم في المجتمعات العربية بسؤال من اخترت؟ أكثر بكثير من سؤال كيف اخترت؟ وأن اثر تدخل الاخرين (العشيرة, العائلة, التيار, الحزب,..) في عملية الاقتراع واضح جداً.
المشكلة تقع في ثقافة الاقتراع والمتمثلة في استقلالية الاختيار واتخاذ القرار المناسب, والتي تنعكس سلبا أو ايجابا على برامج التنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية, واعتقد أننا في الاردن نعاني من قصور واضح في التنشئة المتعلقة بثقافة الاقتراع, وأن اختيارنا للمرشحين لا يتسم بالاستقلالية, وهذا ينعكس على تفحص برامج المرشحين المطروحة أن كان لدى البعض منهم أصلا برامج تذكر.
أتساءل هنا, هل لدى المرشحين برامج انتخابية واضحة المعالم؟ وما علاقة ذلك ببرامج التنمية العامة؟ ثم هل لدى الناخب ثقافة استقلالية الاختيار واتخاذ القرار المناسب, أم انه مقيد بـ(العشيرة, العائلة, التيار, الحزب,..)؟ هل لدى المرشح والناخب وضوح كامل بالمفاهيم المتعلقة بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياسة؟
وبعد..
لا بد من إعادة النظر في كتب قواعد اللغة العربية وتطبيقاتها في الضمير (أنا), والضمير (نحن) من جديد, كي نحترم استقلالية العقل الناضج الذي يحررنا من العبودية, ولكي نرفض ونتخلص من الانقياد الجمعي والطاعة العمياء للبشر