تفريخ المشاريع
الدكتور: رشيد عبّاس
ذات يوم وقبل خمسين عام من الآن كنتُ في الصف الثالث الابتدائي(ج) على ما اذكر, توجهتُ بسؤال لجدتي رحمها الله وكانت من المهتمين بترقيد الدجاج البلدي لـ(تفريخ) الصيصان بالطريقة الطبيعية.., وكان السؤال مباشر, كما هي طبيعة الاسئلة لدى جميع الأطفال, وللاختصار كان السؤال: هل جميع البيض الموجود تحت الدجاجة يفقس ويخرج منه صيصان؟
طبعاً جدتي اكتفت بالإجابة بـ(لا), وقد فهمت لاحقاً أن التبرير في بعض القضايا الحساسة يتم الامتناع عنه, هي لا تريد أن تقول لي وقتها أن للديك بين الدجاج اثر وتأثير مباشر على ذلك, واعتقد جازماً أنه كان لدى جميع تلك الاجيال الماضية منظومة من القيم تمنع ذلك ولا يمكن التخلي عنها, على العكس من هذه الايام والتي تعرّت بها منظومة القيم تماماً.
المنطقة اليوم أمام تفريخ صيصان جديدة, وعملية التفريخ هذه تحتاج إلى دجاج يرقد منتوف الريش لا يتحرك إلا للأكل والشرب, وتحتاج إلى ديك يخصّب ويرعى ويتابع ويصيح ويأمر وينهى, وتحتاج إلى بيض مخصّب فيه جميع المواصفات والجودة والكفاءة, وتحتاج كذلك إلى حاضنة توفر جميع مستلزمات وكلف الحرارة والرطوبة والتهوية والتقليب والتبريد, والجدير بالذكر أن معامل الفقس(التفريخ) لا تتعدي 85% في احسن الاحوال.. , لكن تبقى مشكلة (النقر) قائمة!!
واسمحوا لي هنا أن اعرّف لكم هذه المشكلة, النقر يا سادة يا كرام هو قيام (الفراخ) وهي الجيل السابق للصيصان الجديدة بنقرها بمناقيرها مؤدية في بعض الأحيان إلى تشويه الصيصان أو ربما قتلها, وذلك خوفاً من أن تتعدى هذه الصيصان على حبوب الفراخ ومياهها, وقد حل القدماء هذه المشكلة بقص جزء بسيط من مناقير الفراخ كي لا تصبح مؤذية للصيصان, الأمر الذي كان يؤدي إلى تقليل التقاط الحبوب بهذه الرؤوس المدببة للفراخ.
نعم, مناقير الدجاج (الفراخ) – ولله في خلقه شؤون- تؤدى بها وظائف متنوعة وعديدة مثل التقاط الحبوب وتناول الماء والدفاع عن النفس وبناء الأعشاش وتنظيف الريش وتنسيقه, وتفقد الحبوب بين الحصى…
والخلاصة المنشودة هنا تتلخص بانه على شعوب المنطقة ككل أن تعي تماماً أننا أمام تفريخ مشاريع عديدة وجديدة في المنطقة ربما تكون مُلحّة وستطال أطراف عديدة, وسيكون لهذه المشاريع دول داعمة كبرى, ودول ممولة غنية, وشركاء مستفيدين بنسب معينة, وقد يؤدي ذلك إلى تململ بعض المعارضين لمثل هذه المشاريع, كون بعض الاطراف المشاركة فيها من غير المرغوب فيهم, ونأمل هنا الابتعاد ما أمكن عن قص أفكار هؤلاء المعارضين لمثل هذه المشاريع من هذه المشاهد.
وعودة إلى حيث بدأنا:
هل جميع هذه المشاريع سيكتب لها النجاح؟ اعتقد أن الإجابة على ذلك تعتمد على معامل الفقس (التفريخ) والذي يعتمد بدوره على اثر وتأثير الديوك على الدجاج, ومع كل هذا وذاك يمكن هنا اعتماد إجابة جدتي التي لم تشهد فصول إكسبو..