الرعاية الأردنية مهددة لهذه الأسباب
ماهر أبو طير
مجددا تعود جماعات الهيكل الإسرائيلية وتطالب بطرد الأوقاف الأردنية في القدس، وطرد موظفيها، وإنهاء أعمالهم داخل الأقصى، وهذه المطالبة تكررت مرارا خلال السنين الماضية.
الركون هنا في عمان، إلى العلاقات الأردنية الإسرائيلية، وكونها ستمنع التجاوب مع هذه الطلبات، أو الاستناد إلى معاهدة السلام، أو إلى تأثير الأميركيين على الإسرائيليين، مجرد متحركات وليست ثوابت، فقد تأتي لحظة يتم فيها منع الأوقاف الأردنية في القدس، من ممارسة أعمالها، ويتم منع الحراس والموظفين من الدخول إلى الحرم القدسي، بشكل يؤدي إلى إنهاء الدور الأردني في المسجد الأقصى، لصالح دور إسرائيلي جديد، يؤسس لمرحلة لاحقة.
أمس اقتحم المتطرفون الحرم القدسي، مجددا، وفي الأرقام نقرأ عن أكثر من 23 اقتحاما حدثت للمسجد الأقصى خلال شهر أيلول، وما تزال هذه الاقتحامات تتواصل، قبل الظهر، وبعده، مع تحولات من حيث مدة الاقتحام، التي زادت، وباتت تتزامن مع عقد المتطرفين لجلسات تعليم ديني، داخل الحرم القدسي، وفي الوقت ذاته، منع دخول المقدسيين إلى المسجد الأقصى، كليا، لمنح المتطرفين المساحة الوقتية الكافية، لفعل ما يريدون في الحرم.
لقد قيل مرارا إن الخط التصاعدي داخل الحرم القدسي بات واضحا، من حيث منع الصلاة أحيانا، ومنع مصلي فلسطين المحتلة العام 1948 من الدخول وإعادة حافلاتهم، وإغلاق المسجد الأقصى، وتفريغ من فيه، من أجل دخول هذه الجماعات، التي بات اقتحامها يوميا، وهذا الخط التصاعدي، بات واضحا منذ أحداث الأقصى الأخيرة في رمضان الماضي، بل واشتدت موجات الاقتحام في عهد الحكومة الإسرائيلية الحالية، التي راهن البعض بكل سذاجة على أنها سوف تتخلى عن طريقة نتنياهو السابقة، بشأن المسجد الأقصى والقدس.
حين تمنع إسرائيل رفع الأذان أكثر من 80 مرة داخل الحرم الإبراهيمي في الخليل، في شهر أيلول الماضي، دون أن يوقفها أحد، فإن التوقعات بمزيد من التصعيد تبدو منطقية وعاقلة، ولن يكون غريبا بعد الآن حدوث إجراءات سلبية من هذا القبيل، داخل المسجد الأقصى.
عودة المطالبة بطرد الأوقاف الأردنية وطرد كوادرها التي يصل عددها إلى ألف شخص، ووصف الأوقاف بكونها إرهابية، لأنها تقف في وجه الاقتحامات، أمر خطير جدا، ويستوجب رد فعل رسمي أردني يتجاوز مذكرات الاحتجاج والتصريحات الصحفية، لأننا أمام تحولات تهدد الرعاية الأردنية بشكل علني، مع كل حالات الاعتقال التي تجري بحق حراس الأقصى، وتوقيف بعضهم، ومنع بعضهم من الدخول، إضافة الى تحييدهم بشكل علني، عبر وضع اليد على الأقصى، وإدخال من يريدون بحماية أمنية، وتوفير كل التسهيلات لعمليات الاقتحام.
لا أحد يبدي أي رد فعل بشكل كاف، فالكل يتفرج في العالمين العربي والإسلامي، ومن المؤلم حقا، ألا تجد أي رد فعل شعبي أو سياسي أو إعلامي، بل إن البعض يلومك ويبرق لك بالقول إن كل فلسطين تحت الاحتلال، فلماذا لا تتحدث عن يافا وحيفا، بدلا من تركيز كل القصة على المسجد الأقصى، وما يجري في القدس، وكأن بقية الأمور في أحسن أحوالها.
السبب ليس نسيان كل فلسطين، بل لأن شطب هوية القدس، ومخطط الاستحواذ على المسجد الأقصى، والتقاسم الزمني والجغرافي، وفرض السيادة الإسرائيلية بشكل متدرج، يعني أشياء خطيرة تتعلق بكل هوية القدس، وبالمخطط الإسرائيلي الأكبر المتعلق بفرض السيطرة بشكل كامل على الحرم القدسي، تلبية لرغبة جمهور إسرائيلي كبير، يعتبر أن الحرم هو موقع الهيكل، وأن هذا هو جبل الهيكل، وأن المسلمين احتلوه، وغيروا هويته الأصلية.
هذه دعوة صريحة وواضحة لأن يتم التنبه هنا في عمان إلى ما يجري، لأن مواصلة العلاقات السياسية، في الوقت الذي يتم فيه إقصاء الرعاية الأردنية بكل معانيها وأنماطها، أمر خطير جدا، يتم التحذير منه اليوم، في ساعات الاسترخاء، لكن حين تقع الفأس في الرأس، قريبا، سنكون قد أضعنا وقتا في التفرج على هذا المشهد، دون أي ممانعة حقيقية، أو معاندة لما يفعلونه.
وكالة الناس – الغد