عاجل
0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
Hofa
Diamondd
previous arrow
next arrow

د. يوسف العجلوني يكتب.. أن لا تقف مع الحق فذلك شأنك، ولكن لا تصفق للباطل

 كتب.د. يوسف العجلوني

هذا المقال اجتماعي بحت، وليس فيه أي نوع من التوجه السياسي، ولا التدخل أو النقد السياسي، وأي معنى في هذا المقال لا يقصد به إلا ما يجري على الساحة الاجتماعية في الوطن العربي. 

 

الأمراض الطبية يمكن معالجتها وإن استعصت وتعددت مسمياتها وأنواعها، أما الأمراض المجتمعية، فلها صور وحالات كثيرة، أحيانا يصعب تشخيصها وعلاجها، ولا يمكن لأصحابها الاعتراف بها، ومن أهم هذه الأمراض ما يتعلق بأصحاب النفوذ في الأمور البسيطة، أو الدرجات الأعلى، والتسابق للتقرب إليهم، وإطرائهم بالكلام المعسول، والاهتمام بكل ما يقولون، ومدح حتى توافه ما يعملون، والضحك لهم على نكات بالية، وتقليدهم في مشيتهم ونظراتهم وطريقة كلامهم، وكل ذلك من باب إرضائهم، أو إظهار معرفتهم، وذلك من أجل مصالح شخصية آنية، أو لاحتمال الحاجة لهم في المستقبل ،أو ممكن أن يكون ذلك لاتقاء شرهم، أو الخوف من تأثيرهم، أو ممكن أن يكون لضعف شخصيات المقلدين، وعدم قدرتهم على الاعتماد الكامل على أنفسهم ،أو نقص واهتزاز في الثقة الشخصية.

مسح الجوخ فنٌ يمارسه ويتقنه أنواع معينة من البشر، ولا يقتصر على فئة أو طبقة أو مستوى ثقافي أو اجتماعي معين، واللحس يحتاج إلى صاحب اللسان الأملس، والكرامة المهدورة، والنفس الدنيئة التي ترضى بالذل والهوان، ولا تهمها العزة ولا الرجولة، وهي حالة من الانحطاط والانحدار، ويتم تبرير كل شيء من قبل هؤلاء الناس، متبعين قاعدة “الغاية تبرر الوسيلة”، فيغيرون الواقع، ويجعلون من الأمين خائناً، ومن الظالم عادلاً، ومن التافه رجل مجتمع ووطن.

الحقيقة وعند أصحاب المبادئ، إن الغاية لا تبرر الوسيلة مهما كان الهدف والمكسب، وتأكد أن الوصول للنجاح يجب أن لا يكون من خلال أحد، ولا بالاعتماد الكامل على أحد، والإنسان يسعى بكل ما يستطيع، وغير مطالب بالنتائج الذي يظن الأخرون أنها نجاح، ولا يقاس النجاح دائماً بالكسب، فأحيانا تكون خسارة بعض الأشياء أو الأشخاص مكسب.

هنالك أشخاص وجودهم له مخاطر كثيرة على القيم الاجتماعية، لا يحترمون سنهم ولا سن غيرهم، لا يستطيعون فهم شعور الناس ولا معنى الرأي الآخر، والتعامل معهم ومصاحبتهم، أو التقرب منهم خسارة كبيرة تظهر مع الأيام.

مواقف عديدة يجب تحليلها بطريقة صحيحة، وشخصيات معينة يجب مواجهتها بأخطائها، ضمن الأدب، وعدم إعطائها أكثر مما تستحق، وعدم تمكينها من التنمر والتحكم بأحوال وشعور وأرزاق الناس، ويجب منع هؤلاء من إثارة الفتن، وتفريق الأصدقاء والأقارب، وعدم إعطائهم الفرصة ليكونوا في مكان يستطيعون فيه فرض الصح والخطأ وصنع القرار.

المتملقون والمتزلفون والمتمزلطون هم من أشد وأخطر أسباب الأمراض الاجتماعية التي تهدم أسوار المجتمع، فهم يغيرون المبادئ والأصول والقيم لأجل المنفعة الذاتية، وهذا مبدأ الضعفاء، ليس لأنهم يحافظون على الأدب وليس لأنهم أهل إنجاز أو نجاح، ولا يجب أن نمدحهم بأنهم اصحاب فكر أو إدارة أو كفاءة ،أو أن وجودهم من أسباب النجاح.

إن المطبلين والمزمرين هم المصلحجية أنفسهم، والمتزلفين، الذين يداهنون لأجل أشخاص أو مؤسسات، دون مبرر واضح، ويغلّبون مصلحتهم الشخصية على المصلحة العامة، بمقابل مادي أو امتيازات معينة، ولا تعنيهم كرامة النفس، أو عزتها، ولا شك أن هنالك من يقوم بتأجير هؤلاء الأشخاص، لزيادة شعبيتهم، وممكن لهؤلاء المطبلين والمزمرين أن يظهروا بأي مكان وبأي ظرف، فهم انتهازيون ولا يشعرون بالعيب من أي شي، ويرضون بأي تحصيل ويعتبرونه إنجاز.

الدبيكة يستخدمون كل ما تبقى لهم من عزة نفس ورجولة ليظهروا أمام أصحاب القرار والسلطة أنهم يجيدون شيئا ما، ولو كان على حساب الأخلاق والإنسانية، ويكون لهم كسب قصير الأمد ينتهي بانتهاء العزف وإطفاء الأضواء.

المطبلون والمزمرون والدبيكة متوفرون للتأييد من أجل ما يبتغون، ولا يهمهم مستوى التحصيل ولو كان تافهاً برأي الآخرين، وقد يكون نظرهم فقط لمستوى التواجد مع أصحاب السلطة والجاه، وتجدهم متطوعين ويستميتون بالدفاع عن مسؤولين أو شخصيات مجتمعية، ويخترعون نقاط ضعف للناقد الصادق أو لتبرير الباطل، ويغيرون المعاني والمواقف والتاريخ، ويستخدمون أحياناً ألفاظاً وشعارات عامة ليس لها أي معنى على الواقع.

الكذابون هم أشد خطراً على المجتمع، ومع الأيام يتدربون ويتمرسون ويبدعون في الكذب والنفاق، ويصبحون خبراء، لا يخجلون أن يظهروا نفاقهم، وممكن أن يعتبروا ذلك فن وثقافة وفكر، ويفتخرون به.

يجب على الناس أن يحذروا جميع أصناف الكذابين والمنافقين والمدليسين، وأن يحذروا مكرهم وكيدهم، وأن لا يسيرون في طريقهم، وأن يتجنبوا الدخول في الصراع الدائر بين الحق والباطل، وعليهم الثبات والصمود والسعي للطريق الصحيح، والوقوف بوجه أهل الباطل الذين تزيد قوتهم وكيدهم من خلال استغلالهم لسكوت الكثير من الناس، ويجب أن ينتصر الحق، وأن يفشل وينهزم وينتهي الباطل وأهله.

والحق يعني الصواب والعدل في الأقوال والأفعال والمواقف، وطريق الحق واضح لمن أراد أن يسلكه، ولا يستطيع عاقل إنكاره، وقول كلمة الحق من أعظم وأجل الأخلاق الحميدة، ويقولها أصحاب المبادئ الفاضلة والعقول الرزينة، وهؤلاء إذا رأوا الباطل أنكروه وابتعدوا عنه، وقول الحق وانكار الباطل لا يعتمد على عائلة، ولا ثقافة، ولا ذكاء ولا منصب ولا قدرات مالية، والإنسان سليم العقل والفطرة يستطيع التمييز بين الحق والباطل في معظم الأوقات.

الباطل هو نقيض الحق، ولا ثبات له، ولا يستحق البقاء، ويجب محاربته وإزالته، وأتباع الباطل هم من أسفل الناس وأرذلهم، لا يثبتون على مبدأ، ويروغون كما يروغ الثعلب، ويتلونون، وكما تميل الريح يميلون.

في الوضع الطبيعي، لا أحد يستطيع الجمع بين الحق والباطل، ومن يتجاوز الحق سوف يقع في الباطل، لأن الحق والباطل ضدان لا يجتمعان.

الحق أحياناً يكون نسبياً، وكل موضوع ورأي وقرار ممكن أن يكون فيه نسبة من الحق، والحق يعرف بالدليل والخبرات ومرور الآيام، ولا يعرف بعدد التابعين أو منزلتهم، فكن مع الحق وامضِ، ولا يهمك قلة من معك، ولا تنتظر دعماً من أحد، ولا تغتر بالكلام ولا بالشعارات.

البقاء على الحياد معناه أن لا تقول الحق وتبقى صامتاً، أو لا تتدخل بالأمر، ولا تمد يدك للحق فممكن أن يخسر أهل الحق أو يضيع الحق، والحياد يعني أنك لن تواجه الباطل، فيقوى أهله، ويتفشى الباطل، فيكون البقاء على الحياد خذلاناً للحق ورضى بالباطل.

يبقى بعض الناس على الحياد؛ بسبب ضعف القلوب، وفتور العزائم، وممكن بسبب المصالح الشخصية، وعدم الاهتمام بصلاح الناس أو المجتمع، وممكن بسبب عدم القدرة على القرار، وممكن بسبب مهاودة الناس ومجاراتهم خوفاً من ضياع جاه، أو ممكن بسبب الخوف من غضب أهل الباطل.

حين يقول الإنسان ويتفاخر أنه محايد وليس مع أحد، فيقول “أنا ما بتدخل، كل واحد يساوي اللي بده إياه، ما إلي علاقة، فخار يكسر بعضه”، إنما في الحقيقة أنه وضع نفسه بين الحق وبين الباطل، وإنه بمعنى آخر قد أضاف نفسه إلى قائمة أهل الباطل، لأنه لا يجوز السكوت عن قول الحق، ولا ترك الباطل يتسع، فلا شي يستحق أن نعيش له بذل، ويجب دائماً الوقوف بصف الحق، وعدم الخوف من الباطل، لأنه وإن ربح الباطل جولات، فإن الجولة القاضية هي للحق، والحق يعلو ولا يعلى عليه، وإن طال الزمن.

لا يجوز أبداً الحياد عن الحق، لأن ذلك هو الظلم نفسه، وإذا تفشى الظلم في أي مكان، فإنه سيكون بؤرة لتهديد العدالة في كل مكان، وهنا تكون البشرية كلها بدون حماية أو استقرار.

الحياد في أمور الشأن العام والابتعاد أصعب من الحياد في الخصوص وأشد بلوى، لأن ذلك يعني ترك الآخرين يعبثون بالمجتمع عامة، فتنقلب الأمور ،ويخسر الجميع، ومن ثم سوف يعبثون بشؤونك ومصيرك، والظالم لا يطغى إلا بسكوت العامة، ولذلك الوقوف في صف الحق موضوع يهم الجميع، وهو فرض عين، ويصب في كل جوانب حياتنا اليومية.

كلمة الحق دائماً تعني القوة وعدم الخضوع، وهي أقوى من السلاح، حتى وإن غادر صاحبها، أو مات ستبقى في الأذهان، ويبقى ذكرها بين الناس وفي تصوراتهم وأفكارهم.

كل من يعرف الحقيقة ويلتزم الصمت، حتى لو ظهر أنه لا يصفق للباطل، لا يمكن الأمان له ولا الوثوق به، فهذا الإنسان بسهولة سوف يفضل مصلحته الخاصة وربحه المؤقت على قول الحق ونصرة المظلوم، ولا يعنيه الحفاظ على الأمانة التي وكله فيها الله عز وجل، وذلك ليس من الدين ولا الخلق ولا الشهامة ولا الإنسانية.

التصفيق له جوانب وأماكن، وعندما لا يكون في مكانه أو مبالغاً فيه، يفقد كل المعاني النبيلة، ولا يعطي معنى الفرح أو التشجيع أو النجاح، لذلك لا يجوز أن يكون التصفيق مجاملة أو تماشياً مع سياسة القطيع، حتى لا يفقد دوره الإيجابي في التفاعل مع الحدث وإعطاءه القيمة المطلوبة، التصفيق للباطل نفاق مؤكد، وعدم التصفيق للباطل هو شجاعة وموقف، والصمت وعدم دعم الباطل إن لم تستطيع قول الحق هو من أقل مراتب الإيمان، والمطلوب في كل الأوقات والحالات أن يتحرى الإنسان الحق، وأن يكون من أهله.

المدح الصادق والواضح للتميز والرجال والقامات العلمية والاجتماعية والقيادات العادلة الحكيمة ليس تسحيجاً، ولا تزميرا ولا عزفاً منفرداً على الربابة، بل هو تفاعلاً ورجولة وموقفاً صحيحاً وكريماً، واعترافاً بفضل أصحاب الفضل، فلا تفكر يوماً بأن تتجاهل كل ما هو صواب وحق، وصرح بما في نفسك إذا أعجبك موقف أو شخص ضمن المنطق والأصول، ولا يهمك ما يقوله أصحاب الباطل، وصفق للحق والصواب والوطن بقوة، ولا تترد كلما سنحت لك فرصة، فذلك من الأسس القويمة والمبادئ والرقي والرفعة، وواجب لا يمكن تعويضه عندما يذهب وقته أو مكانه أو رجاله، وهو ما تمليه الفطرة السليمة، حتى لو أغضب بعض الناس أو أضاع كسب لابد زائل، ولا يهمك أعداء النجاح والمرضى الاجتماعيين.

إذا لم تستطع دعم الحق والوقوف معه، فعلى الأقل لا تدعم الباطل أو تشجعه، وإذا لم تكن قادرًا على الدفاع عن الحقيقة أو المساهمة في تحقيق العدالة، فليس عليك أن تلتزم الصمت ولا تؤيد يوماً الخطأ أو الظلم والفساد، وتذكر دائماً أنه لا يمكن أن يكون دعم الباطل موقف سليم، لأن الحق والعدالة هي فقط من يساهم في بناء المجتمع وتطويره ومناصرة الإنسانية وتأكيدها.