د. يوسف العجلوني يكتب .. ماذا بعد الخمسين؟!

وكالة الناس – كتب. د . يوسف العجلوني – الزمن يمر بسرعة، والأيام القادمة غير مضمونة، ولا أحد يعرف ما يصيبه في المستقبل، لذلك الأفضل أن نتمسك بالأنسب لنا، ونعيش حاضر الحياة مستمتعين باللحظات الجميلة، ونتطلع للمستقبل بالأمل والتفاؤل حتى وإن كنَّا لا نملك إلا القليل من المال والأملاك، ويجب دائماً أن نشعر بالامتنان والرضا لما نحن فيه.

عندما يبلغ الإنسان الخمسين من عمره، يزداد خطر تعرضه لمخاطر صحية، والكثير من الأمراض المزمنة، وتبدأ كل أعضاء الجسم بالضعف، وتكثر فرصة الاصابة بلأمراض كالسكري وأمراض القلب، والجلطات، والسرطانات بمختلف أنواعها، ومشاكل المفاصل، والمشاكل الإدراكية، والأمراض النفسية والاكتئاب والفراغ العاطفي؛ لذلك يجب الإنتباه إلى مستوى وجودة الحياة التي نعيشها، أو على الأقل أن نعيش باقي سنوات العمر بصحة وقدرة عقلية وراحة بال.

عمر الإنسان لا يقاس بعدد السنوات، ولكن بسهولة العيش والسعادة التي يتمتع بها، وهذا واقع طبي و نفسي وديني؛ فعمر الإنسان غير محدد، وهناك ناس في سن الأربعين ويعيشون باعتلال جسدي ونفسي، وهناك من يصل عمره للمئة ويعيش بصحة جيدة وتفاؤل وطمأنينة وسعادة. والعمر النفسي ليس له أي علاقة بالسن العمري، فنفسية الإنسان تحدد طريقة ومستوى العيش. ومن المعروف دينياً أن تعمل لدنياك كأنك تعيش أبداُ،وتعمل لآخرتك كأنك تموت غداً.

سنّ الأربعين هو شيخوخة الشباب، والخمسين شباب الشيخوخة، ولكلّ مرحلة جمالياتها ومميزاتها، وضروري في كل مرحلة أن يحافظ الإنسان على صحته الجسدية والنفسية. في بعض المجتمعات هنالك ثقافة سلبية تنظر إلى سن الخمسين والستين أنه سن ابتداء العد التنازلي من الحياة، فيخفف الناس من جميع نشاطاتهم، ويستسلمون للعادات والتقاليد، ويتركوا الأيام تقودهم كما تكون ولا يكترثون لمستوى العيش أو الصحة الجسدية والنفسية.

التقاعد عادةً يكون بعد سن الخمسين، وتكون الخبرة ورجاحة العقل والهيبة والحكمة والقرار، والتقاعد يعني الانتقال من حياة العامل المشغول دائماً إلى حياة المفكر المتأمل، الذي يستطيع أن يعمل ما يحب، فهو الآن في بداية مرحلة جديدة من العطاء، غير مرتبط بوقت أو دوام أو يوم أو مكان أو عمل أو أشخاص، بل لديه وقت كافٍ وممتع لنفسه ومع العائلة.

في سن الخمسين بعض الناس يمرّ بأزمة مؤقتة تسمى بأزمة مُنتصف العمر، فيدخلون في دوّامة من الاكتئاب، والملل والقلق من كل شيء، والخوف من المجهول دون أية أسباب واضحة. وممكن أن يشعر أنَّه تائه، وأن حياته لا قيمة لها، ويمكن أن يفقد الأمل في الاستمرار، ولا يرى جدوى من التخُطيط للمستقبل، حيث يخاف من الفشل. وممكن أن يمر ببعض الاضطرابات، التي تفقده شعوره بأهمية إنجازته، ويصبح غير قادر على القرار فيما يخص المرحلة المقبلة. وبعض الناس يدخل في حالة إنكار لهذه المرحلة، ويعيش شعور الرغبة بالعودة إلى الماضي، ويتقمص الدور لما كان يعيشه في مرحلة الصبا والشباب. وبعض الناس يفقد في هذه المرحلة القدرة على التحكم بدفّة حياته الحاضرة والقادمة، ويبدأ يعتقد أنه على دراية بالنهايات لكل الأمور والمواقف، ولا يهمه أي نجاح، وتنتهي عنده الآمال، ويشعر أن الحياة أصبحت قصيرة، والغد غير مضمون والموت آت.

الحقيقة والواقع أن الإنسان بعد سن الخمسين يُصبح أكثر قدرة على الإدراك العاطفي، وفهم مشاعر الآخرين. ويبدأ يفهم معنى وكيفية العيش، والاستمتاع باللحظات الحلوة، ويصبح أكثر قدرة على التفاعل مع الأحداث باحساس وعاطفة وعقل وإنسانية، ويعيش الواقع الحاضر، ويترك الكثير من الماضي، وينظر للمستقبل، ويبدأ يقدر كل لحظة وكل نعمة يملكها، ايقانا منه أن اللحظات لن تعود، وكل مكان قد لا يرجع له ثانية، وكل شخصية قد يكون لقاؤه معها الأخير، وكل ما هو فيه لن يبقى، ودوام الحال من المحال، والدنيا مستمرة مهما حدث ولن تسأل عن أحد.

بعد سن الخمسين احفظ السر، ولا تفصح خفايا حياتك، ولا تتحدث بأكبر من نصف ما تعرف، ولا تثق ثقة كاملة بأي شخص، فالعلاقات والأفكار والناس تتغير وتتبدل، وحبيب اليوم قد يكون غريباً غداً،والصديق قد يصبح عدواً. وإذا كان يريحك الحديث عن بعض ما في نفسك لبعض الناس، ليسلّيك أو ينسيك همك أو يعطيك حلا؛ فاختار من تثق بهم، ومن يختص في الموضوع أو له خبرات بموضوع الطرح، ولمن طبيعة شخصيته وسعة صدره تتناسب معك.

أحبب نفسك وعزها وميزها في كل الأوقات، واعطها قدرها ومصلحتها ورضاها ضمن الأصول، وحاسبها ضمن المنطق والرحمة، وجد لها عذراً، فكل إنسان ضعيف أمام الظروف القاهرة، ولا تكثر من لومها، وانسَ ما مر بك من مصائب أو هفوات، وكل إنسان لا بد أن يخطئ، ولكن المهم هو الاعتذار، وعدم الإصرار على الخطأ، والعمل على تجنبه وعدم تكراره في المرات القادمة. لا تحمل هموم العالم، فليس ذلك من مسؤوليتك.

لا تستغرب حدوث مشاكل وخلافات في كل خطوة تمر بها، فذلك من الطبيعي ويحدث مع جميع الناس، وكن مستعدا” ومتوقعاً الأذى من الجميع، ومن المقربين منك، وحاول أن تأخذ الأمور ببساطة حتى لا تشعر بالألم أو اليأس من العلاقات والناس، فقد ابتعد واترك الأمور والحلول للأيام في وقتها، وعندها لك القرار أن تقبل ما يريحك وترفض ما يزعجك، وتبقي علاقتك من تريد وتنهي مع من لا تريد.

بعد سن الخمسين لا تحزن إذا لم يتحقق لك رغبة أو طلب أنت تسعى له، ولا يهمك علاقة فشلت، ولا تقلق على عمل لم تحصل عليه؛ فدائماً هنالك بدائل وأمور أخرى قد تكون أجمل وأكثر فائدة أو أكثر ملائمة لك، وما يتكشف لك هنا ممكن أن يكون أحسن وفيه الخير والفائدة الأكبر، أو ممكن أن الله يقيك من مشكلة كانت سوف تقع عليك.

بعد سن الخمسين، لا يوجد شي يستحق أن تستعجل من أجله. اجعل حياتك تسير ضمن المعقول، ولا تسعَ لتكون مثالياً، فذلك يجعلك تبذل الكثير وتعاني، فقط قم بالمهمات كما يتطلب الأمر، وقم بتغير المكان حسب ما يريحك أو إعادة التجربة في الوقت الذي يناسبك، وركز فقط على إنجاز ما يهمك وكفى.

بعد سن الخمسين، يجب أن تعتز بما حصلت عليه من خبرة ومسؤولية ومنصب، وتستفيد من انجازاتك في أيامك القادمة، وفي كل الأوقات لا تنتظر تمجيدا ًمن أحد، ولا يطربك ما يطلقه الناس عليك من القاب رنانة.

بعد سن الخمسين توقف عن تصحيح أخطاء الآخرين، لأنك سوف تزعج نفسك وتزعحهم، فكل إنسان مقتنع بعقله وتهمه مصالحه، ودع الخلق للخالق، وابتعد عن محاولة إقناع الناس بقناعاتك، فذلك سيتعبك وممكن أن يأزم الموقف، ولن تستطع أن ترضى الآخرين منك مهما بذلت من جهد لأجلهم.

اصرف من المال الذي جمعته في حياتك وعز نفسك وتمتع به، ولا تفكر في التوفير بما يخص صحتك وعزة نفسك، لأنَّ عمرك سينتهي وسيبقى مالك الذي جمعته للورثة، وربما يسبب لهم الاختلاف والقطع والمعاناة والألم.

الإنخراط مع الأشخاص المزعجين بجدالٍ لا يُفيد ولا يُرتجى من ورائه أيّ نتيجة ، هو ضربٌ من الغباء وجلبٌ للتعاسة وفتح نار ممكن أن لا تنتهي، والصحيح هو الخروج من الموقف. دائماً ابتعد نفسياً ومكاناً عن المشاكل ومن يفتعلوها، ولا تدخل في تحدي مع أحد، فذلك سوف يرهقك ويضيع جهدك، الأفضل أن تستفيد من وقتك لنفسك وعائلتك.

انظر إلى الجانب المشرق في كل شي. وقلل من الانتقاد والسلبية، وأَكْثِر من الحمد. وإذا ناقشت اولادك أو اقاربك من الشباب فلا تختلف كثيراً معهم، فأفكارهم ليست كأفكارك، أنت لك تجربة وهم في مقتبل العمر، قلبهم يتحمل وقلبك لا يتحمل، ولا تقارن بما أنت قمت به، بما هم يقومون به، فزمانك غير زمانهم.

علم أبنائك أن يلتزموا بما يريحك، وان لا يخرجوا عن الأدب والخلق مع جميع الناس، وأن لا يزعجوك بالتصرفات أو الأخبار السيئة ولا بمشاكلهم واولادهم، وأن يراعوا ظروفك وشعورك ورغباتك وراحتك وقدرتك الحالية على التحمل، وعليهم أن يتحملوا عنك بعض ما كنت أنت تتحمله في السابق.

إذا كنت في يسر مالي، فلا تجادل كثيراً في سعر المواد الذي تشتريها، ولا تشترِ الرخيص لنفسك، بل اشترِ دائماً ما يناسبك من ملابس وسيارة واثاث، ولا تستمع للكل، لانه هنالك دائما اراء مخالفة. وكن سمحا” في البيع والشراء.

كن كريماً في معظم الاوقاف، فالكرم يغطي على الكثير من العيوب، واعطِ من هم أقل منك يسراً بطرق مختلفة، واعمل الخير في كل مكان، ولا تنتظر رداً أو نتيجة، وتذكر قول المتنبي؛ إذا أنت أكرمت الكريم ملكته واذا انت أكرمت اللئيم تمردا.

تحتاج لتكرار الجلوس في حديفة المنزل أو في منتزة أو أي مكان حيث تكون الشمس والهواء الطلق، وتناول أحسن الأطعمة، واسمع الموسيقى المفرحة، برفقة من يحبهم قلبك بعيد عن المصالح ولا تدخل في النقاش بأمور الحسابات والخلافات والأفكار السلبية والماضي المزعج.

حاول أن لا تغضب لأسباب تافهة وبسيطة، ولا تبالٍ بما يقوله الناس عليك في غيابك، واستخدم التغافل والتغابي عندما يكون هنالك مجال لذلك. وابتعد عن الأشخاص السلبين، والذين يرونك خياراً ثانياً، ويحبوك عند الحاجة والمصلحة.

اذا كانت بمكان عام او اضطررت للقاء مع مجموعة من الناس، فالأفضل ان تلتزم الصمت اذا استطعت، وإذا تكلمت فاختصر، ولا داعي للكلام عن السيئات، واكتفي بما هو حسن.

املئ حياتك بالنشاطات الايجابية التي تعطيك الراحة والامل؛ سافر، قم بزيارة صديق مريحا، إقرأ كتاباً، اطبخ، ازرع، ولا تدخل في نشاطات او تتعامل مع اشخاص ممكن ان تتعبك نفسيا او جسديا لتملئ وقتك، فذلك سوف ينتهي بالاحباط والكابة والانهاك، والافضل والاحسن لنفسيتك هنا ان تكون لوحدك بجو صحي ومريح بعيد عن المشاحنات والخلافات.

بعد سن الخمسين يجب التركيز على العلاقة مع شريكة أو شريك الحياة وأن تكون مبنية على الحب والمشاركة واسعاد بعض وتسهيل الامور، ولا تجعلها تعتمد على العشرة والتعود والروتين، فهناك فرق كبير جداً بطعم وجودة الحياة واستمراريتها.

بعد سن الخمسين بعض الناس يبحثوا عن حياة أخرى مثل التفكير بالزواج الثاني، لأن الكثير من الزوجات يصابوا بالملل في هذة المرحلة ويقل اهتمامهن بالأمور الزوجية، فيبدأ الرجل بالتفكير بالزوجة الثانية لكي ينعم بمزيد من الإنتباه والعناية والإهتمام. ولكن انتبه أنك بتعدد الزوجات سوف ترضي غرورك ، وستُشبع رغباتك الجنسية ، ولكن الافضل لك في هذه السن أن يكون جوهرك وراحتك مع عائلتك واولادك وان يكون اكبر همك ديمومة العائلة التي انت بنيتها طول عمرك الماضي. الافضل هنا تجديد حيوية العلاقة الزوجية وشغفها، مهما كانت السنين التي مضت، وإذا لم يكن هنالك استجابة من الزوجة بالاصلاح بحلول وتطبيقها على الواقع، فيكون من حق الزوج الآن أن يخطو باتجاه الزواج الثاني، ضمن المنطق والأصول والإحسان، وللزوجة الأولى الخيار بالبقاء أو الطلاق.

بعد سن الخمسين يجب ان تحدد الأشخاص المتعبين والسامين والمزعجين والصعاب في حياتك، وبأسرع وقت وتقتنص طريقة للخلاص منهم، ومهما كان الأمر او درجة القربى، لانه من حقك العيش بأمان بعيداً عن القلق والألم والمنغصات والكآبة، ولان هؤلاء الناس يجعلون حياتك متعبة وصعبة، الأفضل والأسلم لقلبك وأعصابك انهاء العلاقة معهم، حيث أن وجودهم بحياتك لن يفيدك يوماً بشيء ، وممكن ان يكون منهم ضرر.

بعد سن الخمسين يجب أن يكون لديك ​الشجاعة لتعيش لنفسك ولا تقبل ان تعيش الحياة التي يتوقعها أو يريدها منك الآخرون​، ولا يهمك إرضاء الغير​ على حساب نفسك وأسرتك الخاصة. لذلك عبّر عن ​مشاعرك بصراحة ووضوح ولا تكتم مشاعرك خوفا من الصدام مع الآخرين أو تضحية لأجل أناس لايستحقون.

بعد سن الخمسين يجب ان تفهم ان المعنى الحقيقي للسعادة​، وتعرف انها حالة ذهنية، لا ترتبط بالمال أو المنصب أو الشهرة،​ وهي اختياراً يمكن نيله ​بجهد بسيط وتكلفة قليلة، ولا تحتاج لمعاناة ولا بروتوكولات ولا علاقات لتحقيقها.

اذا كان الأم والأب موجودين، لا تضيع اي وقت يمكنك ان تقضيه معهما، لانهما الشخصان اللذان لا يمكن تعويضهما. يجب أن توفر ​وقت كافي لما تحب​ بدلا من إضاعة الايام في روتين متكرر ومُمِل.

في سن الخمسين ولراحة بالك ولأنك وصلت مرحلة من مراحل الرقي الفكري ، يجب عليك البحث عمن يمتلكون عقلية مشابهة لعقليتك، الأشخاص الإيجابيين والمتفائلين والسعداء، أصحاب الفكر والمعرفة والمحبة والعاطفة، الأشخاص الذين يُحسِّنون المزاج، ويريحون القلب، ويمدونك بالطاقة، ويجلبون لك الحياة المريحة والأوقات السعيدة.

في سن الخمسين، يجب عليك أن تؤمن بنفسك وبقراراتها، وتثق في اختياراتك وأصحابك، ومن تتعامل معهم، فأنت لك شخصيتك وظروفك المختلفة عن الآخرين، ولم يبقَ وقت لتنتظر مساعدةً من الآخرين، ولا داعي أن تبحث عن آراء ولا قرارات من الآخرين، ويجب عليك أن تقوم بفعل الأشياء بنفسك دون الاعتماد على الآخرين، ولا تجعل شخصيتك وأمورك ومناسباتك مرهونة برضا الآخرين، وابتعد عن الأشخاص الذين يظنون أن عليك تقديسهم أو الخضوع لهم أو تبعيتهم. ودائماً حافظ على مسافات صحية مع جميع الناس.

بعد سن الخمسين، نكون قد مررنا بتحولات لا يُستهان بها، وتُصبح شخصياتنا أكثر قدرةً على الصبر والتحمل والتوافق الإجتماعي، ويزيد الإحساس والإنتباه للضمير ، كما تزداد قوة الإرادة لدينا ونتسلح بقدرة أكبر على التحكم بعواطفنا، الآن نحن أكثر تحملاً للمسؤولية، وأكثر قدرةً على مواكبة تحديات الحياة، ونتذوق ونتمتع بالفوز بشكل أكبر ، أصبحنا نعلم أن الحياة قصيرة ولا بُدّ أنها زائلة وخيط دخان، لذلك يجب ان تستثمر قدراتك وخبراتك أكثر، وأن تتوجَّه إلى الطريق الأكثر راحة، وتميل إلى الاستمتاع بأشياء لم تجد لها الوقت الكافي في السابق، يجب أن تُحوّل الغضب إلى طاقة إيجابية، وتكون أكثر سيطرةً على وضعك النفسي والمادي والإجتماعي، أكثر حذراً، وتتجنب الخيارات الخطرة في كل شيء، وتفكّر في جميع الإعتبارات والمفترقات لتتخذَ قراراتك بعناية وكفاءة.

بعد سن الخمسين، لا تتتظر الأيام كيف تسير، هنالك أشياء لا تهملها، فكر وابقَ إيجابياً وممتناً بما تحصل عليه، اعطِ وقتاً لممارسة الرياضة، والتأمل، والقراءة، إعمل ما تُحب متى أردت، ولا تؤجّل عمل اليوم إلى الغد، اترك وراء ظهرك ما مر بك من أحداث سيئة، لا تنتظر مصلحة من أحد، لا تشكو شيئاً لأحد إلا لله، دَع ما لا يعنيك، حاول أن تبقى متفائلاً مهما حدث، دع الخلق للخالق ، ولا تُقارن نفسك بالآخرين وما يملكونه؛ لأنه سيكون هناك دائماً من لديه أحسن مما لديك، حدّد أولوياتك في كلّ شيء، لا تسعَ لأشياء تُخسرك من وقتك ومالك وحياتك أكثر من قيمة الحصول عليها، وحتى لو حصلت عليها فلن يبقَ لك المتسع من الوقت لتستمع بها.

هنالك من النعم والميزات التي أعطاك إياها الله لا يجلبها المال، مثل الصحة والعائلة والمحبة؛ حافظ عليها واحرص على عدم ضياعها، واشكر الله دائماً عليها. احمد الله دائماً أينما وصلت، وعلى ما أنت فيه من ميزات وهبات وصحة. وتذكّر أن الغني صاحب القصور والملايين، قد يكون محروماً من العافية، ويُنفِق كل أمواله ليَنعم بلحظة يكون فيها بعافية، و لكن قد لا يستطيع ذلك ولا تنفعه أمواله. لقد حان الوقت لأن تتوقف عن اللهث وراء المال ، وعليك بالتوقف عن ما يزعجك من الأعمال ، وتقاعد مبكراً إن استطعت ذلك لتستمتع بما حققت ، وعليك أن تكسب الوقت للعيش الكريم المريح وأنت بصحتك ، فالحياة تأتي مرة واحدة ، وأيامها معدودة.

العفو عن الحقوق شيء مستحب وله فضله ، وإذا كان العفو عن الحقوق للقريب والصاحب فهو كرامة وحنية وأكثر تأثيراً على النفس لما في ذلك من بقاء لصلة القربى والصحبة والمحبة، وهنا يكون الردع بإظهار القدرة على الإنتصار والتمكن من الرد، ثم العفو بعد ذلك وإشعار الطرف الآخر بتأثير ما فعل ليخجل من نفسه وأن لا يكرر فعلته، والله يحب المحسنين والعافين عن الناس. في بعض الأحوال، يفضل عدم العفو عن الحقوق بتاتاً، وخاصة عندما تتجه العلاقة بين الطرفين للبعد ولم يعد هنالك فائدة من الإصلاح، ولن تستطع الإستمرار بالعلاقة معه، فالأفضل هنا أن لا تعفو عنه وأن تأخذ حقك بالكامل، لأنك إذا عفوت عن هذا النوع من الناس سوف يزداد شره وقناعته بالتعدي على الآخرين.

التسامح له قيمة طيبة في النفس، ويكون دائماً لأهداف سامية أو لمصلحة إنسانية أو عامة، وحتى تبقى النفوس خالية من الحقد والكراهية، ولأن عدم التسامح له تأثير سلبي كبير على صحة الإنسان من التوتر والإرهاق والألم، كما أن التفكير الدائم في المواقف المحزنة والذكريات الأليمة تولد سلبية كبيرة وعدم قدرة على التقدم والنجاح. التسامح سمة الأقوياء إذا طابت نفوسهم، الذين يجودون بها من غير ضعف عندما تكون الأمور واضحة وعندما يكون وقتها.

صاحِب السبع ولو أكلك واترك الضبع ولو حملك؛ السباع هم الناس الذين لا يخذلونك و لا يبتعدون عنك في شدتك ، ولا ينسحبون من حياتك في أشد لحظات الإحتياج إليهم، بل يبذلون أرواحهم في سبيلك، والضباع هم الذين يغدرون بك ويستخدمون أقذر أسلحتهم ضدك، ولن يكون لهم بعد ذلك أمان.

ابحث عن الناجحين، والعقلاء الأخيار المثقفين الصادقين، أصحاب الفكر والمعرفة واصنع مثلما يصنعون، لتحصل على النتائج الإيجابية، لأن صحبة هؤلاء الناس تزيد من الاستقامة والصلاح والمعرفة الطيبة، وتساعد في الوصول إلى أعلى مستويات الرقي والتقدم والنجاح والتي سنقطف ثمارها في الدنيا والآخرة. انتبه للأولويات في كل شيء، هنالك أشخاص يجب أن لا تخسرهم، وهنالك أشخاص خسارتهم مكسب، كن أنت المسيطر على أمورك الشخصية، واتخذ القرارات الصائبة، قم بالتغيير فى الوقت المناسب، وحقق أهدافك وطموحاتك براحة وحرية ومتعة، حافظ على كل شيء حولك ضمن السيطرة، واعرف طريقك بالحياة. سر بقوة وإصرار وتفاؤل، وسوف ترى الحياة أجمل وأسهل، وسوف تستمتع بما فيها من الحب والعطاء.

استثمر خبراتك في شيء مفيد، ولا تبقَ في عمل لا يناسبك أو يستهلك طاقاتك وصحتك، ولا تستمر بالعمل مع الأغبياء والحمقى، فذلك ليس فخراً، ولا تساوم، واهتم ببيتك وعائلتك، واصنع سعادتك بنفسك، وامنح نفسك وقتاً كافياً لراحتك ومتعتك ومن يحبونك. لا تأسف على ما مضى من العمر، تفاءل ربما القادم أجمل وأحسن، لا تترك أي شيء يشغلك ، واستمتع في جميع المحطات ، فقطار العمر لا ينتظر.

لا تكن فظاً إن انتقدك شخص آخر بشكل بنّاء ، فمن الطبيعي أن يكون هنالك آراء وزوايا مختلفة ، وقول الحق حجة على الجميع. لا تشعر بالفشل عند قول الآخرين أشياء سيئة عنك ، واعترف بحقيقة أنه لا يوجد من هو كامل وكذلك هو أنت ، وقُم بالرد المناسب وتوضيح الواقع ، ولا تقلق ولا تعطِ اهتماماً كبيراً لما يقال ، ولا تهتم للآراء التي تشعر أن ليس لها داعٍ ، أو لا تعجبك ، أو ليس ضمن دائرتك. لا تقارن نفسك بالآخرين ، ولا تسمح للناس بمقارنتك بأشخاص آخرين. لا تتفق مع الأشخاص الذين يتعاملون بخبث أو قلة أدب ، ولا تبقَ معهم. انتبه دائماً ان لا تكن متعنتاً بالرأي أو مغروراً بالقرار، واكتفِ برضاك عن نفسك وتصرفاتك، ولا داعي أن يعرف الجميع انجازاتك وأمجادك.

بعد سن الخمسين، وفي صباح كل يوم ستنتبه أن الأولاد رحلوا عن البيت، وغزا الشيب رأسك وأنت تتساءل متى وقع كل هذا؟ يجب أن تعرف أن هذا ما يحدث مع الجميع، وهو الواقع الذي لا مفر منه، فانتبه أن لا تصاب باليأس والإكتئاب. وعش الأيام كما هي، واقتنص أي فرصة لحياة أفضل.

بعد سن الخمسين ارمِ كل المشاكل والهموم وكل ما يضايقك وراء ظهـرك، وانظر للأمام، امشِ في الشارع دون حاجة لأن يعرفك أحد، لا مانع من ابتسامة ساخرة وأنت ترى الناس تتلوّن وتتصارع وتخدع بعضها من أجل أشياء لا لزوم ولا قيمة لها، اعلم أن فرح اليوم لا يدوم، وقد يكون مقدمة لحزن الغد، والعكس صحيح ، قوّي إيمانك بالقضاء والقدر ، وتأكد أن الخيرة فيما اختاره الله لك، حاول أن ترضي من يهمك من الناس، والأفضل الاهتمام بنفسك اولا”، وتأكد أن إرضاء الجميع غاية لا تدرك.

تجنب الشعور بالذنب عندما تكون مقتنعاً من داخلك أنك تقوم بالعمل الصحيح، وعبّر دائماً عما في نفسك مهما كان الشخص الذي أمامك، حاول أن تقوم بذلك بلطف ومنطق، ودائماً دافع عن نفسك واحفظ كرامتك، تعلم فن قول كلمة’ لا ‘ وبسهولة وبابتسامة ، واعلم أن الذين سيغضبون لمجرد أنك لا تفعل ما يريدون، هم أشخاص سيئون، والناس الذين يستحقون أن يكونوا في حياتك هم من تهمهم مصلحتك وراحتك وشعورك ونفسيتك.

بعد سن الخمسين لا يزعجك أولئك الذين لا يكفون عن محاولاتهم الخبيثة لإﺟﻬﺎض نجاحاتك وﺳﺮﻗﺔ الاﻧﺘﺼﺎرات ﻟﺼﺎﻟﺢ إشباع نفسياتهم المريضة، وامضِ في نجاحاتك واستمر في تميزك، وكن دائماً صاحب إصرار وعزة. لن تضل الطريق لو تمسّكت بإحترام الذات ثم إحترام الآخرين وتحمل مسؤولية كل فعل.

دائما تذكر أن الموت قدر سيأخذنا جميعاً، إنه يخطف حياتنا ويباغتنا دون مقدمات، يخيفنا بدرجات، ولكن هل هنالك حل آخر؟ فمهما وصلت ومهما طال العمر بك فإنك بعد ذلك لميت. ولكن يجب أن لا نجعل التفكير في الموت يقلل من اهتمامنا بالحياة ، وأن نفكر بالموت على أنه الحقيقة الحتمية التي لا مفر منه، وأن ننتظر ذلك اليوم بإيجابية، وأن نعمل لدنيانا كأننا نعيش أبداً، وننظر إلى الحياة وكأنها استمرارية لا انقطاع فيها، سواء كنا فيها أو تركناها، فالحياة لا تختفي من الوجود أبداً، لأنها تنتقل من جيل إلى جيل : من الآباء إلى الأبناء وهكذا.

د. يوسف العجلوني