0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
Hofa
Diamondd
previous arrow
next arrow

د.يوسف العجلوني يكتب.. قبل الإفطار معصب لأنه صايم ، وبعد الإفطار ليش؟؛ إذن ، المشكلة ليست بالصيام

كتب . د . يوسف العجلوني 

هاهو رمضان يتركنا لهذه السنة ، وها نحن في العشر الأواخر ، ولا شك أنه الشهر الفضيل ، شهر الخير والعبادة والتقرب إلى الله. ولكن لم ولن أقتنع لماذا يبرر بعض الصائمين تصرفاتهم السخيفة والبعيدة كل البعد عن الدين والمنطق بأنهم صائمون ، وكأنهم يصومون للناس ، هؤلاء هم الذين ليس لهم من صيامهم إلا الجوع والعطش ، ينتشرون في رمضان في كل مكان ويجوبون الشوارع ، يقودون سياراتهم على اليمين والشمال وعلى الرصيف ، وسلوكهم تشمئز منه النفوس ، يبحثون عن المشاكل ، ويتنمرون على المارة ، ويعرقلون المسير ، ولا يحفظون حق الطريق ولا كرامة الناس ولا حرمة رمضان.

شُرِع الصيام لتهذيب النفس وبناء الأخلاق الحسنة وتحسين السلوك ، والشعور مع الآخرين ، والتعود على التحمل والصعوبات والصبر . رمضان هو شهر الاستعلاء على الغرائز والشهوات ، وكفّ اللسان واليد عن أذى الآخرين ، والبعد عن الظلم. والصيام هدوء وطمأنينة ، وراحة للقلب والدماغ والمعدة.

الدين ركز على ضرورة التحلّي بالحِلم والصبر خلال فترة الصيام ، وأنّ اكتمال أجر الصائم لا يكون إلّا من خلال السلامة الأخلاقية ، وأنّ الارتقاء الروحيّ للإنسان يكون أفضل ما يمكن حينما يُقاوم الإنسان هذه الجاهزية الجسدية للغضب ويتفوّق عليها ، ويتحلّى بالأخلاق الحميدة ، وعدم الإساءة لأي أحد خلال صيامه.

بشكل عام ، في الماضي والحاضر ، وحسب المجتمع وطريقة العيش والثقافة ، يستقبل الناس رمضان بسلوكيات مختلفة : فمنهم من يقوم بشراء المواد الغذائية وتخزينها سواء كانوا بحاجة لها أو بغير حاجة ، وكأنه لن يبقَ طعام في الدنيا ، وآخرون يجدون في رمضان فرصة ليُعيد التوازن لصحته ، ويُنقص من وزنه ، ويبني جسماً سليماً ، وهنالك من يعتبر شهر رمضان فرصةً لتعزيز الإرادة وزيادة قدرته على تحمّل الشدائد. وآخرون يتجهون إلى الطابع الإيماني الروحي والتفكير في كيفية أداء العبادات على أصولها ، والتوبة وإصلاح ذات البين وصلة الأرحام والصدقة.

قديماً ، كانت الحكمة من شهر رمضان واضحة ومطبقة ، حيث أن الناس كانوا يُجِلّون ويحترمون حرمة الشهر الفضيل ، ويقضونه في العبادة وعمل الخير وطاعة الله ، وكان شهر رمضان فرصة لتربية النفس ، والتقرب إلى الله ، وحسن التعامل مع الناس وإنهاء الخلافات ، كان شهر هدوء ورحمة ، وكان التكافل والتعاون في كل شيء ، فكانت البركة تعم القلوب والنفوس ، وكانت المودة والألفة والتسامح تسود المجتمعات. شهر رمضان كان يحييه الناس بالأعمال الصالحة ، ويعرفون مكانته وفضله ، ويجتنبون المفطرات المادية والمعنوية والسلوكية ، فكان الشهر المتميز بالعادات الإيجابية مثل: الإكثار من تلاوة القرآن الكريم ، والإهتمام بالفقراء والمساكين ، والإنفاق على المحتاجين ، وصلة الأرحام ، والتفاعل بين مختلف الشرائح الإجتماعية ، والإقبال على صلاة الجماعة بمحبة وشغف. وكان التنويع بالطعام يأتي من عادة تبادل أطباق الطعام بين الجيران في أجواء من البساطة والاقتصاد والقبول. شهر رمضان كان يمضي دون أدنى خلاف ، وحتى لو حصل ذلك، فقد كان ينتهي على الفور احتراماً للشهر الفضيل. لذلك كان رمضان شهر الخير ، ومجيئه فرحة واحتفال ، وفراقه كان حزناً وأملاً بانتظاره العام القادم.

في زمننا هذا يُلاحظ في رمضان زيادة في معدل المشاجرات ، وارتفاع معدلات حوادث السيارات والمشاكل العائلية التي قد تصل أحياناً للطلاق ، وكأنّ رمضان أصبح عند بعض الناس عادةً اجتماعيةً ، وممارسات وتقاليد ، وغاب محتواه الإيماني ، ونسي البعض مغزاه ، وظهرت سلوكيات لا تمُت للدين بشيء ، وصار الناس يعانون ويتذمرون من الجوع والعطش ، فأقبلوا على شراء السلع وتبذير الطعام ، وزادت الأنانية ، وأصبحت البرامج الترفيهية وإقامة الحفلات سبيلاً للتخفيف على النفس ، والتسريع بالخلاص من الشهر الفضيل.

بعض الناس ومنذ اليوم الأول من رمضان يبدأون إما بحالة من الاستفزاز لأي حدث ، مهما كان تافهاً ، وعدم الصبر ، ويكون في معظم الأوقات الرد في قمة السلبية ، أو يبدأون رمضان بحالة من الكسل والخمول والشكوى المتكرّرة من صعوبة الصيام ، فإمّا أن تبدأ الاشتباكات والمشاكل واختراع النكد ، وإمّا أن يتمّ تأجيل المهام والأعمال والتقصير في الواجبات وتعطيل معاملات الناس.

وما نراه اليوم للأسف في هذا الشهر الفضيل هو أمر مخالف تماماً لما بُني عليه الصوم من حِكَم ومنافع. الشوارع مزدحمة ، والأمزجة متأججة ، والألسنة متطاولة ، والمناحرات على كل شيء ، والمناكفات ونظرات الغضب والكلام البذيء يظهر في كل مكان ، حتى صرنا نحسب ألف حساب لقدوم هذا الشهر ، خوفاً من الإزعاج والمشاكل ، وكلنا نتسائل : لماذا يُحوّل البعض هذا الشهر الفضيل العظيم إلى كابوس؟ وهل صيام هؤلاء هو فقط امتناع عن الشراب والطعام ؟ أين هي قيم وآداب الصيام ؟ وكيف سيكون هنالك تربية للنفس وعبادة وأجر؟.

على الرغم من أن شهر رمضان شهر الطاعات والعبادة والروحانيات ، لكن هنالك أشخاص يخرجون عن القواعد والقوانين ، والمعروف أن من اعتاد سوء الأخلاق والتصرفات ممكن أن لا يغيره رمضان ، ولذلك لا زلنا نشاهد المشاجرات التي تحصل ، والتي تبدأ بخلاف ليس له داعي ، ثم مشادات وكلام قبيح ، وتنتهي مرات بالاشتباك بالأيدي ، وممكن أكثر من ذلك لحد يصل إلى القتل.

من المؤسف أن ترى الخلافات الزوجيَّة في شهر رمضان ، والتي تتطوّر أحياناً إلى الطّلاق، الزّوج قلق من ارتفاع ميزانيّة المصروفات وعبء تدبير النّفقات الماديّة ، والزوجة لا تستطيع استيعاب الرَّجل عند دخوله المطبخ ليراقب ما طبخت ، أو قبل الإفطار . الزوجة لا تختار الوقت المناسب لطلب مستلزمات الإفطار. ناهيك عن المشاكل التي تسببها إقامة الولائم والعزائم ، وعدم التنسيق بين الزوجين بخصوص موعد استقبال الضيوف، والتي يُفترض أن لا تتعارض مع مواعيد العمل أو الراحة.

شهر رمضان يشهد ارتفاعاً في نسبة الاستغلال والغش التجاري نظراً للإقبال الكبير من قِبَل المواطنين على شراء السلع الغذائية وتكديسها ، وكذلك ارتفاعاً واضحاً في أسعار السلع واحتكارها ، مما يجعل شهر رمضان فرصة للتجار الجشعين فيزداد ربحهم على حساب الفقراء ، أصحاب الحاجة والذين بذلك يزداد فقرهم ومعاناتهم.

أكيد ما يقوم به البعض في رمضان هو غير ما جاء به رمضان من قيم العبادة والصبر والصدقة والشعور مع الآخرين ، نلاحظ أن بعض النّاس متوتّرة وسريعة الإنفعال ، لا يوجد مجال للحوار أو تبادل شعور الإيمان والتعاطف مع الآخرين ، قليل من يسمح لك بالمرور أثناء القيادة ، وهُم ليسوا بمِزاج قبل الإفطار لأنّهم صائمين ، ولكن الحقيقة أنهم أيضاً ليسوا بمزاج مريح ولا يتصرفون بالصحيح حتى بعد الإفطار ، وهذا يؤكد أن المشكلة لا تتمركز بالصيام ولكن بالأشخاص.

سلوك الإنسان في رمضان يرتبط بسلوكه العام خلال بقية أيام السنة ، ولكن الصيام يكشف الواقع الداخلي ، ولا شك أن هذا السلوك والتصرفات تعتمد على درجة المعرفة والمعتقدات ، وكيفية المعيشة الاجتماعيّة والعادات والتقاليد ، والعوامل الثقافيّة والقيم التي تُمارس ، والوضع الاقتصاديّ العام والفردي من فقر وغنى ، والتربية البيتية ، والحالة النفسية للأشخاص ، بما يخص درجة التحمل والتحسس والعصبية ونوع الشخصية ، وهذه العوامل كلها تشترك في تحديد التصرفات وردّة الفعل في كل نواحي الحياة اليومية في رمضان ؛ فأما أن يكون هنالك سلوك أخلاقي جميل ورصين ، ويكون رد الفعل إيجابي يتجسد بالمعاملة الطيبة مع الناس ، أو أن يكون التصرف لا أخلاقي أو منقوص أو لا يتناسب مع الجو الإيماني لشهر رمضان ، وتكون السلبية التي تؤثر على أمور عديدة بالمجتمع.

شهر رمضان فيه تغيّر واختلاف عن باقي أشهر السنة في أمور كثيرة : فهناك اختلاف في ساعات دوام المؤسّسات ، ومواعيد وجبات الطعام ، وأوقات التسوق ، ومواعيد زيارة الأقارب والأصدقاء ، وموعد النوم والاستيقاظ ، وهذه التغيرات ممكن أن تؤدي إلى تغير الأمزجة ، وتضع الإنسان في محل عدم استقرار.

في الحقيقة والواقع ، العصبية والعنف والتصرفات غير اللائقة في شهر رمضان سببها : عدم وجود تربية صحيحة ، وسوء التنشئة اﻻجتماعية ، والتفكك الأسري ، وقلة الوازع الديني ، والفقر والبطالة ، وانخفاض مستوى المعيشة ، وغلاء الأسعار ، والحاجة إلى النفقات التي تزداد فى رمضان بسبب الالتزامات ، وزيادة الإسراف والعزائم ، وازدحام المرور ، والصراع للوصول للمنزل قبل الإفطار ، وعدم تقبل تصرفات الآخرين ، وعدم التسامح ، وعدم وجود قوانين فاعلة ورادعة ، والنظرة العشائرية السلبية ، والمسلسلات التي تحض على المشاجرات والعنف ، وضعف الرقابة العائلية ، والتفاخر بمواقف العنف. وهنالك أسباب جسمية مثل : نزول مستوى الجلوكوز بالدم خلال الصيام الذي له علاقة وثيقة بالعصبية وعدم القدرة على ضبط النفس ، ونقص الماء في الجسم خلال الصيام الذي قد يؤدي إلى اضطراب وظائف الخلايا الدماغية ، مما يؤدي إلى سهولة الإنفعال والتوتر وضعف التركيز ، والإنقطاع عن التدخين والمنبهات ، كالشاي والقهوة ، وتغيير واضطراب عادات النوم لبعض الأشخاص والذي يؤثر بشكل سلبي على المزاج والحالة النفسية والعصبية.

وما يُلاحظ أيضاً في رمضان عدم إلتزام بعض المصلين في المساجد بقواعد المرور ، مما يسبب الأذى للمارة وعرقلة مسير السيارات. فالبعض يأتي مستعجلاً ومتأخراً ، ويَصِفّ سيارته أينما كان وفي وسط الطريق ، ولا يكترث لشعور الآخرين وضرورة تنقلهم أحياناً. مما يتنافى مع الحكمة من الصلاة التي هي تربية للأخلاق وهدوء وطمأنينة وقرب وتمازج وشعور مع الآخرين.

لو نظرنا للواقع من عدة زوايا ، يجب أن يكون هنالك حلول لما يحدث في شهر رمضان من توتر وعصبية وعنف ، ولابد أن يكون هنالك دور للتثقيف والإعلام والدولة بفرض قوانين صارمة لمن يسيء الأدب ويتجاوز الحدود ، وعلى المستوى الفردي يجب دائماً تَذكّر الهدف من الصيام ، ويجب التركيز على استغلال شهر رمضان في الخير والطاعة ، وفي حال مواجهة مشكلة من الآخرين ، التزم بالتروّي وعدم الرد ، وتنفس بعمق وقل : ‘اللهم اني صائم’ ، وذلك له دور كبير في التخفيف من الأفكار والمشاعر السلبية ، وإنهاء حالات الغضب ، وتجنب مضاعفات المواجهة مع الجهلاء والحمقى الذين لا يلتزمون بآداب الصيام .
وكل عام وأنتم بخير