العجلوني يكتب.. عندما يكون الموت أمنية

وكالة الناس – كتب.  د. يوسف العجلوني – يتساوى البشر جميعهم في مشاعرهم في معظم الحالات بعدم تمنيهم الموت ، ولذلك نقول لمن نحب: “يطول بعمرك” وندعو على من نكرههم بأن يحصدهم الموت. والواقع أن الموت حق ونهاية كل حي ، ولا نتمناه إلا في حالة الشهادة أو المعاناة الشديدة في الحالات النفسية الصعبة أو الأمراض غير الشافية ، فيكون الشفاء بالموت.

في لحظة ما ومن شدة الحزن والألم ، يصبح الإنسان فاقداً لكل شيء ، لا يشعر بشيء ، ولا يريحه شيء غير نوم لا يستمر إلا قليلاً ، وهنا يتمنى الموت. فالموت في الشدائد لا يعتبر حدث مأساوي يثير الحزن ويجلب الهموم، لأن الإنسان عندئذٍ لم يعد يخاف على نفسه من شيء حتى الموت ، فهو فاقد الشعور بكل شيء ، لا يهمه أن يفقد سكناً ، ولا مالاً ، ولا أهلاً ، ولم يعد يهمه هناء ولا رخاء ولا طيب الحياة التي لم يعد يستمتع بها ، لن يفقد إذا مات سوى حياة لم تعد لها أهمية مقابل هول المصيبة ، فالموت بالنسبة له نهاية عذاب من حياة بائسة.

الانسان يتمنى الموت بشدة في تلك اللحظات التي نشعر فيها بالحزن والألم الشديد ، ليهرب إلى حياة الآخرة التي تعجز العقول عن إدراكها.

عندما تواجه في حياتك مشكلة صعبة جداً ، يكون تمني الموت حينئذٍ خلاصاً ، حيث لا يظهر في الأفق حل للمعاناة سواه ، فهو وحده الذي يخلصك من العذاب ، بينما الصحيح أن لا تتمنى الموت لضُرٍ نزل بك ، بل عليك أن تصبر وتحتسب الأجر عند الله سبحانه وتعالى ، وتنتظر الفرج منه ، لأن النصر مع الصبر ، وأن الفرج مع الكرب ، وإن مع العسر يسراً ، وليعلم المصاب بأي مصيبة أن هذه المصائب كفارة لما اقترف من ذنوب ، فلا يصيب المرء المؤمن هم ولاغم ولا أذى إلا كفّر الله به عنه ، ومع الصبر والإحتساب ينال منزلة الصابرين.

من يعتبر أن حل المشكلة يكون بالموت ، فتلك نظرة خاطئة ، فالموت لا تنحل به المشكلات ، بل ربما تزداد به المصائب ، وقد يكون في موته إسراع لعقوبته.

الموت النفسي له مؤشرات، أولها أن يستسلم الإنسان لضغوط الحياة ، ويقف مكتوف الأيدي أمام مجابهة المواقف الصعبة ، والموت النفسي قد يفضي في نهاية المطاف إلى الموت الحقيقي.

هنالك خمس علامات تدل على أن الشخص قد دخل في مرحلة الموت النفسي، وما هي إلا أيام قبل أن يلقى حتفه بالفعل ، مالم يتنبه إلى خطورتها ويخرج من هذه الدائرة القاتلة.

الموت النفسي هو الوصول بالنفس إلى قناعة بالاستسلام والتخلي عن الحياة لأنها أصبحت لا تُطاق ، وعندما يصل الإنسان إلى هذه المرحلة، يصبح الموت حتمياً اذا ما استمر الحزن والمعاناة ، ولم يقدر على مجابهة الموقف المؤلم والمصيبة التي لا تنتهي ، وهذا يحدث لأن الدماغ يتعب ولا يبقى كما هو ، ويغير نشاطه ويبدأ بالتأثير على الإنسان ليسير بمراحل متدرجة نحو الموت، ويبدأ بجعل الإنسان يلجأ إلى الإنسحاب الإجتماعي وتجنب الإتصال بالآخرين ، ثم يأخذه إلى اللامبالاة ، فيصبح الشخص غير مهتم بالإعتناء بنفسه ، لدرجة أنه قد يفتقد الدافع للاستحمام ، أو غسل وجهه ، أو القدرة على القيام بالأعمال اليومية الأساسية ، وبعدها يفقد الإنسان الإرادة والقدرة على المبادرة ، أو اتخاذ قرارات ، حيث يصبح العقل فارغاً ، ويصبح الوعي خالياً من المحتوى والمعنى ، والمرحلة الرابعة أن الإنسان يفقد الطواعية النفسية ، حيث يفقد الإنسان قدرته النفسية على التحكم بعضلاته ، فلا يستطيع تحريكها ، وأخيراً يسير الدماغ بالإنسان إلى المرحلة الأخيرة وهي الوفاة النفسية ، وهي مرحلة ما قبل الموت الحقيقي ، وهنا يكون الإنسان قد انتهى دون رجعة، ولا ينفع معه شيء إلا إرادة الله ، ومن يسخره له للعون والمساعدة .

من الطبيعي أن يفكر الإنسان بالموت بين الحين والآخر ، فهو أمر واقع لا مفر منه ، ولكن عندما يصبح التفكير مقتصراً عليه، ويشعر صاحبه دائماً بأنه على مشارف الرحيل عن الحياة ، فهذا الأمر يدعو للقلق والريبة، ويستلزم زيارة الطبيب النفسي في أسرع وقت قبل أن تتفاقم الحالة إلى حد الإقدام على الانتحار.

متلازمة القلب المنكسر هي حالة قلبية تصيب الإنسان ، تحدث نتيجة للمرور بموقف ضاغط أو التعرض لحادث مروع مما يؤدي إلى التفكير الدائم بالموت ، وذلك يؤثر على القلب ، ويفقده القدرة على ضخ الدم ، مما يزيد من فرص التعرض لنوبات قلبية.

إن التفكير المستمر بالموت يؤدي إلى القلق والتوتر ومشاهدة الكوابيس أثناء النوم ، والعزلة الاجتماعية ، وضعف الشهية ، وفقدان الوزن ، وعدم انتظام ضربات القلب ، وفرط التعرق ؛ فالأشخاص المصابين بهذه الحالة غالباً ما يؤولون الأحداث التي يتعرضون لها بشكل يومي على أنها إشارات تدل على اقتراب موعد موتهم.

مهما كانت المصيبة وهول الحدث ، يجب تقليل التفكير في الموت ، وذلك من خلال : تجنب الاستماع إلى القصص المرتبطة بالمرض والموت ، وتجنب الإنفراد بالنفس ، وإلهاء العقل عن التفكير في الموت عن طريق ممارسة بعض الأنشطة مثل الكتابة والقراءة والرياضة ، وأخيراً إذا لم يشعر المريض بأي تحسن ، عليه مراجعة الطبيب النفسي لتحديد طريقة العلاج المناسبة له.

لا يأس ولا قنوط وهُنالك رب قادر على أن يجبر قلبك ؛ الحياة لا تقف عند أحد ، ويبقى قليل من الأمل مع خوف وقلق كثير؛ دائماً اطلب الحياة لتبقى مع من هم ممكن أن يكونوا بحاجة لك ، لا شيء مهم في هذه الحياة إلا العائلة والصحة ، وأن هذه الحياة هي ابتلاءات ودروس ومواقف ، وهناك الكثير من يعاني مما هو أصعب مما أنت تمر به.

عندم تغمض عيناك قبل النوم ، تمنى الخير وصباح جميل ، لا تتعب من مجاراة هذه الحياة مهما شعرت أنها أصبحت بدون طعم ؛ اجعل كل من يراك يزعم بقوتك وعزتك وثقتك بنفسك وثباتك ، والإختبار والتجربة في الصبر من الله من أصعب الأمور.

الحياة دائماً لها معنى وطعم جميل ، الحاضر يطيب الخاطر له ، والمستقبل جميل ، فقط أطلب من الله التوفيق ، وتمنى حياة هانئة وسعيدة.

المريض أحيانا يتمنى الموت ، ولكن قلبه كله أمل بالشفاء ، يتمني الموت والإيمان في قلبه يمنع ذلك ، ولا يجب أن يكون الموت أمنية ، وحتى لو وصل الإنسان إلى منحدر سحيق في وقت معتم ، فإن رحمة الله موجودة وينزلها على القلوب ويبعث من يقف بجانبك لتستمر الحياة.
أرجو من الله أن لا يصل أحد منكم ليتمنى الموت ، وأتمنى الأمل والشفاء لكل مريض.

د. يوسف العجلوني