خبراء المال والاقتصاد يطالبون بتصاعدية ضـريبة المبيعات
أكد النائب المهندس عاطف الطراونة أن المجالس النيابية قصرت في معالجة المخالفة الدستورية الواضحة في قانون ضريبة الدخل، حيث لم تعد الى مبدأ التصاعدية، كما وتراخت في التعامل مع تشريع أصيل، يجعل من ضريبة المبيعات ثمناً لخدمة فضلى ومثلى يستحقها المواطن. مؤكداً على ضرورة دراسة تداعيات الضريبة على الطبقة الوسطى ومتدنية الدخل، وبما يعالج التشوه الضريبي الفاضح في مجتمعنا، ودون المساس بحجم الاستثمار.
جاء ذلك في الورشة الحوارية التي عقدها أمس معهد بصر لدراسات المجتمع المدني بعنوان «حوار حول السياسات الضريبية: قانون ضريبة الدخل والمبيعات»، التي افتتحها رئيس كتلة وطن النيابية النائب عاطف الطراونة، وقال في كلمته «إن المواطن يشعر بعدم الثقة من اي اقتطاع لأي ضريبة من دخله او السلع التي يشتريها، حيث أن أي خدمة يحصل عليها لا تقارن بحجم الاقتطاع الضريبي الذي يدفعه. كما أن الضرائب لم تعالج الموازنة من حيث العجز المتفاقم والديون المتراكمة». مشيراً أنه في الغرب يتم تسخير الضرائب في خدمة المواطن وأساسيات حياته، من صحة وتعليم وسكن وغيره، بينما يوجد عندنا عدم ثقة في اقتطاع ضريبة من دخل او سلع، مثيراً أن المشروع الجديد ساوى في المادة 11 منه شرائح الضريبة ما بين الأفراد والشركات، كما ساوى ما بين جميع القطاعات الاقتصادية دون تمييز.
وزير المالية الأسبق الدكتور محمد أبو حمور، وفي ترأسه لأعمال الجلسة الأولى من الورشة، شخص أزمة الاقتصاد الأردني معتبراً أن المعضلة تكمن في العجز المالية وعجز الميزان التجاري وارتفاع المديونية، وفي ظل اقتصاد صغير ومحدود الموارد، فإن السياسة المالية العلاجية تتطلب زيادة الإيرادات الحكومية وتقليص النفقات دون زيادة العبء الضريبي على المواطن، مؤكداً ان السياسة المثلى هي زيادة دخل المواطن وبالتالي انتقاله الى شريحة أعلى، وبالنتيجة تحقيق إيرادات حكومية أكبر.
وأضاف أبو حمور أنه من المهم المواءمة بين احتياجات الحكومة ومتطلباتها، والمواءمة بين الأعباء وتحرير أسعار السلع، معيداً الى الأذهان أنه في عام 2005 عندما تم دمج ضريبتي الدخل والمبيعات، ارتفعت الإيرادات الضريبية بمقدار 230 مليون دينار. وبخصوص ضريبة المبيعات، أكد أبو حمور أنها جاءت بهدف الحد من الاستهلاك، لكنها راعت العدالة حيث استندت الى مؤشر أسعار المستهلك الذي يتضمن 800 سلعة يستهلكها المواطن، تمت دراستها لبيان السلع الأساسية، فتم إعفاء 200 سلعة يستهلكها ذوو الدخل المحدود، ففرضت بنسبة 16% على السلع الكمالية.
وحذر أبو حمور من أن مستوى المديونية وصل الآن الى مرحلة الخطر وأن العجز من المتوقع أن يزداد في السنة القادمة، موضحاً أنه في عام 2010 انخفض إجمالي حصيلة الضريبة بمقدار 40 الى 50 مليون دينار نتيجة إلغاء 11 قانونا. وأكد أبو حمور على أهمية استقرار التشريعات كون القانون سيتعدل بعد 3 سنوات فقط من تطبيق القانون المؤقت النافذ. كما شدد على ضرورة تحسين أداء الإدارة الضريبية ورفع قدرات موظفي دائرة ضريبة الدخل والمبيعات وغرف الصناعة والتجارة. ولفت من جهة اخرى الى خطورة رفع أسعار الفائدة على المقترض الأمر الذي سيؤثر على القدرة التنافسية للإنتاج الأردني، فقد أغلق 1200 مصنع بسبب ارتفاع الأعباء الضريبية بموجب القانون النافذ.
وفي كلمتها الافتتاحية، كانت الدكتورة مي الطاهر مديرة معهد بصر للدراسات أوضحت ان هدف الورشة الحوارية هو تسليط الضوء على قانون ضريبة الدخل الساري والمشروع الجديد المقترح لعام 2013، وقراءته بالتوازي مع قانون ضريبة المبيعات. وألقت الضوء على أهم ما يحتويه المشروع الجديد لضريبة الدخل، والذي يهدف الى التقليص من الإعفاءات الضريبية التي تعتبر من وجهة النظر الاقتصادية البحتة، مبالغ بها. فالقانون المقترح يرفع معدلات الضريبة على ذوي الدخل المرتفع، تحقيقاً لمبدأ التصاعدية المنصوص عليها في الدستور، بإعفاء أول 9000 من الدخل السنوي للفرد بدلا من 12000، وأول 18 ألف دينار للأسرة بدلاً من 24 ألف. الى جانب فرض ضرائب تصاعدية على البنوك والشركات.
ونوهت الطاهر الى أن مثل هذه السياسة من المحتمل ان تؤدي مرة اخرى الى انتشار وسائل التهرب من الضريبة، وجعل الأردن أقل جاذبية للمستثمر العربي.
وقدم محمد البشير، رئيس مجلس إدارة تعمير القابضة ورئيس جمعية مدققي الحسابات القانونيين، ورقة عمل في الجلسة الأولى تناولت ضريبة الدخل الحالية والمشروع الجديد، استهلها بالتأكيد أنها المرة الخامسة التي حاولت الحكومة فيها تمرير قانون لضريبة الدخل خالي من التصاعدية ومتحيز لطبقة بعينها هي تحديداً البنوك وشركات التأمين وشركات الصرافة وتجار السوق المالي من أفراد أو شركات وساطة مالية، على حساب الفئات الأخرى والطبقتين المتوسطة والدنيا.
وعرض البشير أهم مواد القانون مبيّناً أنه أخضع للضريبة (50%) من تعويض نهاية الخدمة ابتداءً من سنة 2010. ويعد هذا الإخضاع أو الإعفاء ليس عادلاً أبداً، فبالإضافة إلى أنه نقض ما أسفر عليه التشريع تاريخياً في إعفاء هذا الدخل إلا أنه جاء ليساوي بين من يأخذ تعويضاً بسيطاً ومن يأخذ تعويضاً كبيراً.
وفي معرض تعقيبه على ورقة العمل، أشار الدكتور طالب عوض، أستاذ الاقتصاد في الجامعة الأردنية، الى أن الإعفاءات من ضريبة الدخل لا تحقق العدالة كونها تساوي بين إعفاء الأسرة الصغيرة مع الأسرة الكبيرة، موضحاً أن هذا يعني زيادة الأعباء الضريبية على الأسر والأفراد من الطبقة الوسطى.
الجلسة الثانية من الورشة خصصت لمناقشة ضريبة المبيعات، وترأس أعمالها النائب أحمد الجالودي، عضو اللجنة المالية والاقتصادية في مجلس النواب، الذي استهلها بتوضيح أنه عند إقرار اي سياسة ضريبية يجب أخذ العدالة الاجتماعية وتحفيز الانتاج والاستثمار ومن ثم توفير الإيرادات للخزينة بالاعتبار، خاصة وأن الموازنة في الأردن تعتمد بشكل كبير على الايرادات الضريبية والجمركية، حيث تشكل ضريبة الدخل والمبيعات حوالي 73% من ايراد الموازنة العامة وتشكل ضريبة المبيعات النسبة الأعلى فيها.
هذا وقدم الباحث والكاتب الاقتصادي فهمي الكتوت، مدير المشرق لتدقيق الحسابات، ورقة عمل حول قانون ضريبة المبيعات، كشف فيها شبهة دستورية واضحة حول تحديد النسب في ضريبة المبيعات. فالحكومة تفرض نسب الضريبة دون وجود قانون يحكم وينظم ذلك، وهذا يعد مخالفة دستورية للمادة 112، إذ أن الأصل أن يتم ذلك من قبل المؤسسة التشريعية، ولذلك يجب الطعن فيها.
وفي معرض تعقيبه على ورقة العمل، دافع محمد الخوالدة مدير النيابة العامة للضريبة، عن ضريبة المبيعات، موضحاً أن هدفها تشجيع الاستثمار بكل قطاعاته وفي المناطق التنموية، وأنه لا يوجد علاقة بين كلفة الانتاج وضريبة المبيعات، نظراً لاستردادها عند بيع المنتج.
و في مداخلة للعين انتصار جردانة، أشارت الى أن مجلس الأعيان هو البوصلة أو صمام الأمان في السياسات المالية والضريبية بشكل خاص، ويشكّل خط الدفاع الأخير عن المواطن والحرص على مصلحته.
أما الدكتور أكرم كرمول، رئيس جمعية حماية المستثمر، فتطرق الى أن الحكومة تسعى من خلال ضريبة المبيعات الى فرض الدفع على المنتج في جميع أحوال الربح والتعثر والخسارة، مطالباً بضرورة تخفيض الضريبة على الصناعات الصغيرة والمتوسطة إذ لا يمكن معاملتها بالسواء مع الصناعات والمشاريع الكبيرة الرابحة.
وطالب الدكتور سامر قرش من غرفة تجارة عمان أن تقوم وزارة الصناعة والتجارة بكشف وتوضيح آلية رفع الأسعار في الأردن، متسائلا في الوقت نفسه عن جدوى الاستمرار بالعمل بكل هذه السياسات الاقتصادية رغم اعتراف الحكومة بفشلها.
أما الكاتب الاقتصادي أحمد النمّري فحذر من إضرار السياسات الضريبية الحالية بالمنتج الأردني الذي ستدمر تنافسيته نتيجة إضافة ضريبة المبيعات على كلفة المنتج مع ارتفاع كلفة المواد الخام والطاقة والمشتقات النفطية.
من جهتها أثارت يسرى عبد الهادي رئيسة جمعية سلامتك، تساؤلاً حول أين ذهبت نسبة الأرباح على المشتقات النفطية كضريبة مبيعات من عام 2008 وإلى يومنا هذا؟! لافتة الى أن هذه الأرباح تشكل 51% من قيمة فاتورة المشتقات النفطية.
وتساءل المهندس نبيل مدانات من اتحاد النقابات العمالية المستقلة، عن فرض ضريبة «أتاوة» على المشاريع العلمية وسببها؟! وعن سبب إخضاع مكافأة نهاية الخدمة لضريبة الدخل.
وحذر المشاركون في ورشة العمل من أن أي رفع على الضرائب سوف يؤدي الى انفجار اجتماعي واقتصادي، وسيتمخض عنه تقليص الطلب وبالتالي خفض الانتاجية. هذا في حين أن زيادة الانتاج ترفع من الدخل وبالتالي تحقق زيادة على الإيرادات الحكومية من الضرائب، وذلك عبر تشغيل الأموال المكدسة بالبنوك.