القضية الفلسطينية صناعة عربية بريطانية بأمتياز
القضية الفلسطينية صناعة عربية بريطانية بامتياز بقلم: الدكتور الشريف محمد خليل الشريف
لقد كتب عن فلسطين والقضية الفلسطينية الكثير بحيث لا تستطيع أي مكتبة في العالم احتواء ما كتب و أكاد أجزم بأنه لم تشغل العالم على مر التاريخ قضية
مثل القضية الفلسطينية سواء بالإعلام أو المناظرات أو الخطابات أو المفاوضات ولا حتى قرارات الأمم المتحدة والتي كان لها الباع الأطول في إنشاء دولة الكيان الإسرائيلي على أرض فلسطين ورغم كل ما كتب وقيل عن هذه القضية فلم يستطيع أحد أن يضع يده على الجرح الفلسطيني الذي ما زال ينزف منذ عام 1948 حتى يومنا هذا رغم أن الكثير يعرف الحقيقة وأسبابها وكذلك السبيل إلى حلها .
ربما الأحداث تتلاحق أحيانا وتتداخل أحيانا أخرى في القضية الفلسطينية فلقد كان بداية الصراع ثورة عربية على الحكم العثماني ليحرف إلى صراع عربي ـ بريطاني فرنسي ثم يجير ليصبح عربي ـ إسرائيلي ثم في آخر المطاف ليصبح فلسطيني إسرائيلي بموجب قرار الجامعة العربية وكانت هذه لطمة عربية بامتياز للخد الفلسطيني الذي ما زال ألمها بل ويزداد يوما بعد يوم وهنا لا نلوم أحد بل كل اللوم يقع على الفلسطينيين أنفسهم .
لقد كان للأمم المتحدة النصيب الأكبر بإنشاء دولة الكيان الإسرائيلي على أرض فلسطين وذلك بمصادقة الجمعية العمومية للأمم المتحدة على قرار 181 بتاريخ 29/11/1947م القاضي بتقسيم فلسطين التاريخية إلى دولتين عربية ويهودية بفضل الهيمنة البريطانية أولا والأمريكية ثانيا في ذلك الوقت على الأمم المتحدة وبفضل النفوذ البريطاني الفرنسي في المشرق العربي تم تقسيمه كغنيمة حرب بينهما بموجب اتفاقية سايكس بيكو 16/5/1917م والتي يعرف نصها
من قرأ تاريخ هذه المنطقة خلال القرن العشرين ولا ننسى هنا بأن النفوذ البريطاني كان الأقوى حيث كان العرب قد سلموا بريطانيا زمام أمورهم وسلموها لجام خيولهم للتخلص من الحكم العثماني فأخذتهم بالدهاء والمكر والمراوغة إلى دروب وعرة تقودهم فيها كيفما شاءت وهم لا خبرة لهم فيها وبذلك استطاعت إجهاض الثورة العربية الكبرى التي أطلق رصاصتها الأولى من بطحاء مكة وقادها لتحرير العرب من الحكم العثماني الشريف الحسين بن علي طيب الله ثراه وفي غمرة هذه الأحداث والخيول العربية منهكة في الطرق الوعرة التي قادتها إليها بريطانيا أصدر وزير خارجية بريطانيا اللورد بلفور وعده المشئوم في بتاريخ 2/11/1917م وكعادتها بريطانيا بالمراوغة والنفي والتلاعب بالمشاعر أنطلى هذا الوعد على العرب ووضعت فلسطين لاحقا تحت الانتداب البريطاني بموجب إعلان مؤتمر سان ريمو 13/5/1920م وتم تعيين الصهيوني هر برت صموئيل مندوبا ساميا بريطانيا في فلسطين وكان وقتها وزيرا للداخلية البريطانية وبذلك تم استبدال الحكم العثماني حيث لفظت الإمبراطورية العثمانية أنفاسها مع نهاية الحرب العالمية الثانية تم استبدال الحكم العثماني بالاستعمار البريطاني الفرنسي وزرع اليهود في أرض فلسطين العربية حيث هيأت بريطانيا لهم المناخ المناسب ففتحت لهم أبواب الهجرة إلى فلسطين على مصراعيها وأمدتهم بالسلاح والعتاد وعملت على تدريبهم وإنشاء المستعمرات لهم .وكعادة الشعوب المستعمرة ثار الشعب الفلسطيني وأعلن المقاومة للمشروع الصهيوني البريطاني وأعلن الجهاد لتحرير البلاد وكانت انتفاضته بتاريخ 1/12/1947م ردا على قرار الأمم المتحدة 181 الخاص بتقسيم فلسطين هي العنوان الأقوى أثرا في جهاده والتي أجهضتها الدول العربية بدخول ما يسمى جيش الإنقاذ 9/1/1948م والمؤلف من عدة جيوش عربية منظمة ومتطوعين إلا أن هذه الجيوش قامت بتنفيذ عكس ما دخلت من أجله إذ قامت بتسليم الأرض الفلسطينية على طبق من الذهب الصافي عيار 24 إلى اليهود وربما يعترض الكثير على هذه الجملة إلا إنها الحقيقة المرة فلقد حاربت الجيوش العربية في البداية ببسالة وشجاعة من منطق إسلامي أولا حيث بيت المقدس أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين وله قدسية خاصة عند المسلمين ومن منطلق النخوة والشهامة العربية التي يعتز ويتغنى بها العرب واستطاعت أن تطهر الجزء الأكبر من أرض فلسطين وتلاقت أو كادت أن تلتقي الجيوش العربية مع بعضها بعد إن طهرت المدن والقرى الفلسطينية التي دخلتها وفي طريقها من دنس اليهود حيث استطاع الجيش الأردني من تطهير ما يسمى ألآن بالضفة الغربية وتلاقى مع الجيش المصري الذي طهر ارض جنوب فلسطيني حتى بلدة عراق المنشية الذي عسكر فيها وهي تتبع لواء غزه إداريا وجغرافيا تقع على مشارف مدينة الخليل وكذلك فعل الجيش السوري الذي طهر الجليل الغربي ووصل إلى بيسان وصفد والناصرة وتلاقى مع الجيش اللبناني الذي كان قد طهر الجليل الأعلى أما الجيش العراقي فقد وضع مقر قيادته في جنين ومن هناك وصل إلى طولكرم ثم مشارف وقرى حيفا و يافا إلا أن ما حدث بعد ذلك كان بمثابة كارثة للشعب الفلسطيني عندما صدرت الأوامر من القيادات السياسية لجيوشها العربية يالأنسحاب وكانت هذه قمة الخيانة والتآمر والمثل الأقوى للانبطاح السياسي العربي في الحضن البريطاني في ذلك الوقت ولم تكتفي الجيوش العربية بالانسحاب بل حرضت أهالي المدن والقرى التي كانت سيطرت عليها بالرحيل معها بحجة إعادتهم إلى ديارهم وبيوتهم بعد أيام قليلة ألا أن المخيمات كانت قد أقيمت في العراق وسوريا ولبنان والضفة الغربية التي استطاع الجيش العربي الأردني بالاحتفاظ بها بما فيها القدس الشرقية ببسالته وشجاعته وحكمة قيادته الهاشمية وكذلك غزه حيث توقف الجيش المصري بناءا على الأوامر الصادرة له بل انه أخرج منطقة النقب من حسابه وهي المنطقة الشاسعة جنوب فلسطين ومن ضمن عملياته وتركها دون أن يدخلها وبقيت بلا حماية حتى تأكد الصهاينة بأنها خالية من الجيش المصري واستولوا عليها بعد إعلان قيام الكيان الصهيوني بتسعة شهور .
أليس من الحكمة بعد ذلك أن نعترف بأن الدول العربية هي من أضاعت فلسطين وسلمتها لليهود على طبق من ذهب فلو أن الجيوش العربية حافظت على الأرض الفلسطينية التي طهرتها وأقامت فيها ووفرت الحماية لأهلها كما فعل الجيش الأردني بالحفاظ على الضفة الغربية ووفر الحماية لأهلها لما قامت دولة إسرائيل وما شرد الشعب الفلسطيني وما كانت قضية لفلسطين تبحث عن حل ولسنا ندري إلى متى ….. ألا يحق لنا بعد ذلك ان نعترف بالحقيقة المؤلمة بأن القضية الفلسطينية صناعة عربية بريطانية بامتياز.
Email:alshareefm48@yahoo.com