من أين لك هذا مقابل الكسب غير المشروع
من أين لك هذا مقابل الكسب غير المشروع
راتب عبابنه
بادئ ذي بدء، وتحاشيا لإساءة الفهم أو تعمدها، نؤكد أننا إن انتقدنا شخصية عامة أو امتدحناها، فدافعنا الأول والأخير هو الإختلاف عند مصلحة الأردن والشعب الأردني. لذا لا شخصنة ولا اغتيال شخصية ولا مآرب خاصة تدفعنا عندما نكتب سوى محاولة دفع الأذى عن الوطن الذي به ولدنا وترعرعنا وسنبقى ندافع عنه كلما استشعرنا وجود خطر أو أذى يمكن أن يعكر صفوه أو يطال حق المواطن. نعم نحن أصحاب أجندة مضمونها أردن نظيف خالي من الشوائب الدخيلة, ومحصن ضد الطفيليات, يُحترم به عقل المواطن, والولاء والإنتماء له وليس للأشخاص, أردن به نقول للمسيء أنت مسيء وللمحسن أنت محسن, أردن خالي من الفهلوة والتدليس, أردن به أبناءه يقررون بمواطنتهم ما يهمهم, أردن ليس به مكان للسماسرة المخصخصين وحماتهم.
وأجندتنا بنودها ترمي بالغيرة على كل مكونات الوطن أرضا وغيارى وممتلكات ومستقبل. كما أن هذه الأجندة هي المحفز والدافع والتي بها نشير للخطأ لتصويبه وللصحيح لتعزيزه لا تأخذنا بكل ذلك لومة لائم. وهذا دين للوطن على كل مواطن صالح أينما كان موقعه أن يذود عنه بالوسيلة التي يمكنه إحسان استخدامها. وذلك من المسلمات التي تعطي للوطن حقه على أبنائه بصونه والحفاظ عليه من أي خطر أينما كان مصدره ومن كان مسببه.
” من أين لك هذا ؟؟ “
لنحاول فهم هذا السؤال من الناحية اللغوية وما يترتب على هذا الفهم من الناحية القانونية. يعطي السؤال لسائله (الشرعي) الحرية بتوجيهه لأي شخص يشتبه باستثرائه من تقلده منصبا ما ويمتلك من المال والعقار ما يستدعيه السؤال. وهو سؤال مباشر لا يعطي الفرصة لمتلقيه للمناورة والمراوغة والتهرب من الإجابة. بل عليه (المتلقي ) أن يقدم التبرير والبرهان على عدم إثرائه من وظيفته. والإجابة نتوقعها واضحة ولا مواربة بها كوضوح السؤال نفسه. السؤال يبحث عن مصدر ومكان وكيفية حصول المتلقي على ما يمتلكه من مال وعقار يوجبان توجيه السؤال.
” ألكسب غير المشروع “
لو طبقنا على هذا العنوان نفس المنهج الذي طبقناه على السؤال السابق، لوجدنا أن هذا العنوان يتسم بالمطاطية والمرونة المفرطة مما يعطي إمكانية المراوغة والمناورة والتهرب للمتلقي. ونظن, وإن كان بعض الظن إثم, أن دولة الرئيس عندما اقترح هذا النص ” الكسب غير المشروع ” بدلا من ” من أين لك هذا ” أعطانا الذريعة والحجة والحق لطرح السؤال التالي على دولته : ما تفسير دولتك للنصين وماذا كنت ترمي من اقتراحك هذا؟؟ هذا مع العلم أن الفهم اللغوي لسؤال” من أين لك هذا؟؟ ” يعطي هامشا واسعا من الحرية للسائل والذي يحاول من سؤاله التعبير عن شكه بمصدر المال والعقار. بينما النص الآخر الذي اقترحه دولته يناصر المتلقي ويعطيه هامشا من الحرية مثلما يعطيه الفرصة لكسب الوقت ومحاولة الهروب. كما يتطلب من السائل أن يقوم بتقديم التبرير والبرهان على الإثراء غير الشرعي ثم المواجهة.
عندما ندقق النظر بالصياغتين نجد واضحا ما تعطيه كل صياغة من حماية قانونية يمكن اللجوء لها بحال التطبيق فالأول بصف السائل, أما الثاني فبصف المتلقي للسؤال. كان حري بدولته تقديم تفسير مقنع على طرحه هذا البديل. وهذا يعود بنا لاستذكار د. عون الخصاونة الذي اضطر لتقديم استقالته بعد أربعة أيام من الإعلان عن نيته تطبيق قانون ” من أين لك هذا “. نتمنى على الضالعين بالقانون وخبراء تفسير النصوص القانونية أن يفتونا بهذا الشأن للتوضيح والإستنارة وحتى لا نبقى بالظلام.
إذا ” من أين لك هذا ” يجعل المسؤولية على متلقي السؤال ويضعه تحت طائلة القانون. أما ” الكسب غير المشروع ” عنوان مطاط يجعل المسؤولية ملقاة على السائل مع إعطاء الحرية للمتلقي أن يتوقع ويطلب من السائل إثبات زعمه وبالتالي السائل هو من يكون تحت الضغط. وعندها تتفتح دهاليز القانون ومتاهات البحث وتكثر المخارج وتتهيأ الفرص وتحاك التوليفات المؤدية لعدم ثبوت الأدلة ويقفل الملف وينجو الفاعل بفعلته. وباسم عوض الله المحصَّن ضد رصاص القانون والذي قاد ونفذ ما يسمى بهتانا عملية الخصخصة المفقرة وقبض المقابل وكأن ما خصخصه من أملاكه الخاصة, لهو خير مثال على ما نقول.
فما تفسير زيادة الديون والعجز بالوقت الذي تلجأ الدول للخصخصة لتحسين اقتصادها؟؟ مشروع الرفاه الإقتصادي والإجتماعي وسكن كريم وما باعه من مصادر وموارد دخل بقصد توفير الأموال لسد العجز والديون وتحسين الوضع الإقتصادي, كل ذلك فاقم الأوضاع وزاد العجز والدين. ألم يكن هناك جهة تراقب هذا المخصخص البائع الثقة؟؟ أليس من سلطة عليا أو مرجعية لتوقفه وتقول له كفاك عبثا أيها العابث؟؟ كما يذكرنا هذا الوضع والسطوة البهلوانية ببرامكة هارون الرشيد الذين لم يحظى أحد بما حظوا به من الثقة حتى هزوا ثوابت الدولة العباسية وعبثوا بخصوصيات الخليفة نفسه قبل أن يستفيق ويفتك بهم شر فتك ويشتتهم شر تشتيت. فليكن لنا عبرة من الرشيد ومن وضع بهم ثقته المطلقة التي حمتهم من الحساب وغطت على ما يصنعون.
المستثنوْن من القانون
كما أسلفنا لا شخصنة ولا مآرب خاصة لدينا تجاه من تم استثناؤهم وأجندتنا عنوانها الأردن الذي نحب. فدعونا نتذكر ونقر أن من يتقلدون هذه المناصب المستثناة هم أشخاص عاديون محترمون ولكنهم ليسوا أنبياء حتى لا تنطبق قاعدة المساءلة والقانون عليهم. فهم متغيرون ولا يعملون بوحي منزل وبشر يخطئون ويصيبون أما من لا يخطئ حتى يتم استثناءه فهو النبي المرسل وما عداه معرض للخطأ الصواب لعدم تمتعه بالعصمة. حتى الرسول محمد “صلعم” عندما سئل يوما عن الروح واجتهد بالإجابة انقطع عنه الوحي لإيصال رسالة له وللبشر كافة أنه بشر وبشريته وآدميته إن لم يكن بهما نزول من الوحي فهما ينسحبان على بشرية وآدمية كافة البشر. وهذا إثبات لبشرية محمد (صلعم) رغم عصمته وحتى لا يخطر ببال الضعاف من تأليه له وعبادته.
هل من أنبياء بعد محمد “صلعم” ؟؟ لحد علمنا وما أنبأنا به خالقنا بقرآننا أنه لا أنبياء بعد محمد. ” مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا” (40) سورة الأحزاب. وذلك يقودنا لتقرير حقيقة أن كافة البشر مهما علا موقعهم وبلغ علمهم واتسعت معرفتهم ودرايتهم, فاحتمالية صدور الخطأ عنهم قائمة. فكيف بقانون يُسن ويشرع ويستثني من استثناهم من المحاسبة والمساءلة؟؟ أليس هذا إضفاء لخاصية العصمة الحصرية للأنبياء على أشخاص عاديين؟؟ ممارسة العدل لا تعطي الحق لكائن من كان أن يستثنى من السؤال. أين نحن من الحديث الشريف القائل : “لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها”؟؟
المنصب، والجاه، والحسب والنسب، والمال كلها لاتبيح أن يفلت أي شخص من السؤال وإن حصل شيء من قبيل ذلك فيجدر بنا تسليط الضوء على القضاء نفسه ( وهذا نستبعده عن قضائنا النزيه ) أو الإستدلال أن هناك قوة تسيّر بوصلة القضاء بالإتجاه الخاطئ، أو هناك قوى نفوذ ذات تأثير ليست بالظاهرة بل تعمل ديجيتاليا وإلكترونيا واتصالاتيا ليبقى الحال على ما هو عليه أو يكون مرشحا للأسوأ أو هناك حلقة ممن يؤمنون بنفس الفكر والنهج يعملون تلقائيا بنفس الروح لالتقائهم على نفس القناعة والمقصد.
إن كانت هناك قدسية لبعض المناصب فقدسيتها تنبثق من دورها وصدقها وجودة ونوعية أدائها وحفاظها على الوطن وليست قدسيتها من الأشخاص الذين يتقلدون المسؤولية فيها. الأجهزة الأمنية من مخابرات وأمن عام ودرك بالإضافة إلى الدفاع المدني والقوات المسلحة جميعها أجهزة نحترمها وهي مصدر اعتزاز وفخار وتعمل سياجا يحمي الوطن ويحفظه ولا نشك بنزاهتها وحرصها على الوطن. وهو الدور المناط بأي جهاز أمني بالعالم ونربأ بها من أن يطالها عبث العابثين لكن هذا لا يشرعن ويقونن الإستثناء. لكن إن ثبت أن بعض من ينتسبون له, وهم بالطبع بشر, ليسوا على قدر المسؤولية المناطة بهم ولم يصونوا الأمانة التي بين أيديهم، فهم محل مساءلة ومحاسبة. لأن الوطن أكبر وأسمى وأدوم من الأشخاص ومناصبهم.
نتكلم هنا عن مبدأ وقانون يتساوى أمامه الجميع دون استثناء ودون إيجاد مخارج ومسوغات تحمي المسيء. ونتحدث أيضا عن خطأ يؤذي وطن وأرض وشعب وليس عن ملكية خاصة يصنع بها صاحبها ما يشاء. وما دمنا شركاء بكل ما يحويه الوطن فمن حقنا الشرعي أن ندافع ونحمي ما نحن شركاء به.
حمى الله الأردن والغيارى على الأردن. والله من وراء القصد.
ababneh1958@yahoo.com