0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
previous arrow
next arrow

صناعة الدكتاتور

صناعة الدكتاتور / محمد بدر
في بداية عهده يبدأ الحاكم الجديد بإغداق الوعود على شعبه ، المملوءة بالتّفاؤل والأمل والتّسامح . ويقوم بعدّة خطوات لإثبات أحقّيته بالمنصب وكمقدمة لإجراءات أُخرى لاحقة ، كتخفيض الأسعار وزيادة دخل المواطن ورفع سقف الحريّات الصحفية وللناس . يتفاءل الناس بالوضع الجديد ، فيكسب تعاطفا شعبيا . إلاّ أن الحلقة الضّيقة المحيطة بالحاكم وكأنه لم يرضها هذه الإجراءات ، فتبدأ تخطط لتسلب بالشّمال ما ناله المواطن باليمين . لإقناع الحاكم بأن أسلوب اللّين مع المواطن لا تُجدي بل يجب أخذه بالشّدة والحزم والتّضييق عليه . فتنتهي فترة الانفتاح والحريّة ويبدأ القمع والاستبداد .
يولد ( الدكتاتور ) كما غيره من عباد الله على الفطرة ، لا يؤذي ولا يحب الإيذاء ، لا يُحب رؤية الدّموع في عيون الأطفال والأمّهات والكبار ، يكره الظّلم والظّالمين وويلاتهم ومصائبهم ، لا يُطيق رؤية الدّماء ، حتى من يد عاملٍ جرحته سكّين . أمّا قتل النّفس التي حرّم الله ، فذلك من الأشياء التي لا يتصوّر حدوثها فضلاً عن فعلها . فكيف يتغيّر هذا الإنسان الطّبيعيّ المثالي كبقية أقرانه من بني البشر ، ويتحوّل إلى قاتل وسفّاح ، لا يرحم صغيرا ولا كبيرا ، رجلا كان أو امرأة .
لا شك أنّ هناك عوامل وأسباب متعددة ، متداخلة ، معقّدة تؤدي إلى صناعة الدكتاتور . منها عوامل تربوية كبعض المشاكل التي يتعرّض لها أثناء مراحل الطفولة المبكرة ، والتي تحفر في ذاكرته ملامح شخصيّة تبقى ملازمةً له باقي سني حياته ، كالعنف الأسري ، والانفصال بين الزوجين ، ووجود بعض العيوب الخِلقيّة والتّأخّر الدراسي . كما أنّ التربية بالقدوة لها دور كبير ، حيث يتّخذ أحد الزّعماء مثالاً له ، فيصبح هذا الدكتاتور قدوةً له يعمل على تقليده . كما أنّ بطانة السّوء التي تكون حوله لها دور في تغذية وتشجيع الدكتاتور في داخله .
وحتى لا يظنّ أحد أنّ هذه الصّفة حكرا على الحكّام فقط ، يجب التّأكيد بأن بعض المؤسسات والإدارات يقوم على إدارتها دكتاتور صغير , لا يحب أن يسمع إلاّ صدى صوته ، يُساعده في ذلك مجموعة من المنافقين والمنتفعين الذين يُزيّنون له كل فعل ويوافقوه على كلّ إجراء . يكيلون المديح له بمناسبة وغير مناسبة . فيشعر بأنّ العناية الألاهيّة قد أرسلته لهذه الإدارة والتي لولا إدارته وحكمته وقُدُراته لانهارت .
وفي داخل كثير من البيوت هناك دكتاتور صغير ، يتعامل مع أفراد أسرته ، زوجة وأبناءً بمجموعة من الأوامر والنّواهي والتّعليمات دون مشاورة أو اقتناع . هذه البيوت تكون محاضن طبيعيّة لدكتاتور المستقبل .
انّه وممّا يلفتُ الانتباه ويستحق الملاحظة والدّراسة والاهتمام ، هذا الفصام النّكد الذي يُبديه بعض الأفراد . فهم يظهرون أمام الآخرين ووسائل الأعلام بأنّهم مناهضون للدكتاتورية كمنهج ونظام ومدافعون عن الحريّة والديمقراطيّة ، ولكن عند متابعتهم تجدهم يُمارسون أسوأ أنواع الدكتاتورية والتّسلط مع مرؤوسيهم في العمل أو الحزب أو مع أُسرهم . إذ كيف يمكن أن نصدّق أو نقتنع أن يكون الإنسان ديمقراطيّا في مكان ومع التّسلّط والقمع في مكان آخر .
إن في داخل كلّ منّا دكتاتورا صغيرا ، إن وجد الظروف المناسبة والتشجيع نما وتفرعن . يحدّ من ذلك التربية البيتيّة المتوازنة . وتربية دينيّة تغرس قيم الحق والعدل وتحريم الظلم . كما أنّ المراقبة المجتمعيّة وعدم تقبّل الظلم والاستعباد ومحاسبة الحاكم تُساهم في منع أي نزوع نحو الظلم والاستبداد . فقد وصف القرآن قوم فرعون بأنّه كان لديهم ثقافة القبول بالاستبداد والظلم مما أدّى لصناعة فرعون كحاكم دكتاتور .