الشاقلدي يكتب: حين يتحوّل الغناء إلى استعراض يربك الطفولة
وكالة الناس
بقلم: فايز الشاقلدي
لم يعد الغناء عند بعض المطربين مجرد صوت ورسالة، بل تحوّل إلى عروض استعراضية صاخبة تطغى عليها الحركات والإيماءات أكثر من الكلمة واللحن.
ومن بين هذه النماذج يطل المطرب المعروف بـ “الشامي”، الذي بات ظاهرة مثيرة للجدل في السنوات الأخيرة، ليس فقط بسبب أغانيه، بل بسبب الطريقة التي يقدم بها نفسه على المسرح وعلى وسائل التواصل الاجتماعي.
المشكلة لم تعد تقف عند حدود جمهوره الشاب، بل امتدت لتطال الأطفال، الذين باتوا يقلدون حركاته وتصرفاته بشكل لافت، من حركات اليد المبالغ بها إلى أسلوب المشي وحتى نبرات الحديث.
الأخطر أن هؤلاء الصغار يكررون ذلك من دون وعي، مدفوعين ببريق الشهرة و”الكاريزما المصطنعة”، فيتحول الأمر من مجرد إعجاب عابر إلى إعادة إنتاج صورة مبتذلة أمام أعين الأهل والمجتمع.
وفي خضم هذا الجدل، يُعلن عن اختيار “الشامي” عضواً في لجنة تحكيم برنامج ، وكأن الرسالة المبطنة تقول دعوا الأطفال يتعلّمون مباشرة من الذي يقلّدونه في الشارع والمدرسة هنا تكمن المفارقة المقلقة بدل أن يكون البرنامج مساحة لاكتشاف المواهب البريئة وصقلها فنياً، قد يتحوّل إلى منصة جديدة لترويج الحركات الاستعراضية الفارغة، وتثبيت صورة الفنان القدوة بشكل مغلوط.
أرى أن المطرب يمارس فناً يعتمد على الإبهار اللحظي أكثر من الرسالة الفنية، وأنه قدّم صورة للفنان الذي يلهث خلف الشهرة الرقمية، ضارباً بعرض الحائط مسؤولية الكلمة والحركة في تشكيل وعي جيل كامل.
فحين يصبح الطفل نسخة مصغرة عن مطرب، يقلد صرخاته وإيماءاته بدلاً من أن يتأثر بقيمة أو معنى، عندها يتحول الفن من وسيلة بناء إلى أداة هدم.
إن خطورة الظاهرة لا تكمن في “الشامي” وحده، بل في الفراغ الثقافي الذي جعل منه قدوة، وفي منصات تفتح أبوابها على مصراعيها لتسويق كل ما هو صاخب وسهل التداول.
لكن السؤال يبقى كيف يمكن لبرنامج مخصص للأطفال أن يضع على كرسي التحكيم شخصية مثيرة للجدل في تأثيرها على سلوك الصغار؟ ومن يذكّر الفنان أن الكلمة مسؤولية، والحركة رسالة، وأن الأجيال القادمة لا تستحق أن تُختزل قدواتها في “استعراضات فارغة” لا تزيد الواقع إلا ضجيجاً؟