0020
moasem
002
003
004
005
006
007
008
previous arrow
next arrow

تحول نهج الثورة الفلسطينية

تحول نهج الثورة الفلسطينية
القضية الفلسطينية الوطن والإنسان، إن الوطن والإنسان جسدا و روح فلا الجسد يبقى بلا روح و لا الروح تسكن بلا جسد، و الحضارة في شروط النهضة وطن و زمن و إنسان، فالحضارة هي نتاج التفاعل ما بين العناصر الثلاث تراب و وقت و إنسان، ونحن الفلسطينيون نعتبر الفلسطيني الواقف على أرضه بالنسبة لنا تعبيرا عن إرادة البقاء، و العنوان الأول الدال على وجود و استمرارية الصراع ،وعلى أن الفلسطيني حتى في بقائه على أرضه يعتبر ذلك في نظر الحركة الصهيونية حالة حرب يجب التعامل معها، و طالما نحن هنا فاعلان الدولة العبرية جاء ناقصا، فالفلسطينيين في الداخل المحتل لا يملكون من الأرض إلا التي تحت إقدامهم و مع ذلك تعتبرهم الدولة العبرية الكارثة المقبلة، والتي ستفكك المشروع الصهيوني مستقبلا و فالإنسان الفلسطيني في فلسطين التاريخية هو خميرة الدولة الفلسطينية حتى لو وضع في معازل و حوصر.
عندما أنشأ الكيان الصهيوني في فلسطين وشردوا نحو 60% من شعبها في حرب 1948، كان الانشغال الفلسطيني والعربي والإسلامي منصبا على تحرير فلسطين وإنهاء الكيان الإسرائيلي، وعندما نشأت منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964 كانت معنية بهذا الهدف، وعندما حدثت حرب 1967 أخذ يسود في الساحة العربية شعار ” إزالة آثار العدوان ” واسترجاع الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان وسيناء، مع نسيان أو تناسي هدف تحرير كل فلسطين، في الوقت الذي تتم فيه عمليات تراجع وتنازل تبررها وتغطيها حالات تزايد الشعبية ونشوة الانتصار والثقة بالنفس، وتكرسها حالات انعدام المعارضة وضعف النقد الذاتي، واللهاث نحو تحقيق مكاسب سريعة، وتقزيم الأهداف .
حرب 1973 قُدّمت للجماهير باعتبارها انتصارا عربيا، غير أنها كانت آخر الحروب العربية، وتولدت قناعة لدى الأنظمة العربية بعدم إمكانية هزيمة العدو ، خصوصاً مع حالة اختلال موازين القوى في ضوء الدعم الأميركي والغربي المطلق للعدو، وهكذا ففي الوقت الذي كان يتم فيه التغنّي والاحتفال ” بانتصار” أكتوبر كان النظام العربي الرسمي يسير باتجاه التسوية والاعتراف بالعدو الصهيوني ، كما فعل السادات في مصر وليس بمراكمة الإنجاز باتجاه عملية التحرير، تُرى هل كان على العربي أن يحتفل بروعة ” الانتصار” أم يبكى على تراجع مشروع التحرير؟ وهل كان الذي حدث ارتقاءً للوعي أم انتكاسة له؟.
أما الأنظمة العربية التي قررت مقاطعة النظام المصري بعد توقيعه اتفاقية كامب ديفيد عام 1978 واتهمته بالتخاذل والخيانة والعمالة، فهي نفسها التي لحقت به وتبنت مشروع التسوية فيما بعد.
الثورة الفلسطينية تعرضت لضغوط وحروب وتحديات هائلة من العدو والصديق، وامتزجت في خبراتها حالات من ارتقاء الوعي ، كانت حركة فتح وبعض فصائل الثورة تظن في بداية انطلاقتها أن عملياتها عبر الحدود ستجبر الأنظمة العربية على خوض المعركة مع العدو، ولكن نظريتها هذه سرعان ما تضعضعت, وعندما حاولت تأسيس قواعد العمل الفدائي في دول الطوق، وجدت نفسها تدخل في مستنقع حرب الاستنزاف والترويض والتركيع والإلغاء من الأنظمة العربية التي اعتبرت ذلك مساساً بسيادتها، واستنزف العمل الفدائي في الخارج بسبب الأنظمة أو البيئة المعادية أكثر مما استنزف من العدو أنفسهم، في البداية تحدث الأنظمة العربية بالخسائر الهائلة والأثمان الباهظة التي ستدفعها في حالة السماح للعمل الفدائي على أراضيها، ثم تحدث القوى الفلسطينية بعدم القدرة على العمل الفدائي من الخارج لما سيسببه ذلك من صراع وإراقة دماء واستنزاف قوتها مع الأنظمة العربية.
الخبرات المتراكمة لدى منظمة التحرير والمسارات الإجبارية التي كانت تجد نفسها مضطرة إليها، جعلتها تتكيف مع الواقع بحجة الحفاظ على المكتسبات والاستفادة من الفرص المتاحة، غير أن هذه الواقعية جعلت منها جسماً قابلاً ” للطَّرْق والسَّحب ” والانضغاط والتقزيم، وشجعت الأعداء والخصوم على القيام بالمزيد من الضغوط.
وهكذا، فبعدما كان الكفاح المسلح هو الطريق الوحيد لتحرير فلسطين حسب الميثاق الوطني الفلسطيني، أصبح بحسب برنامج النقاط العشر عام 1974 إحدى الوسائل والطرق، وأصبح من الممكن إقامة الكيان الفلسطيني على أي جزء يتم تحريره أو الانسحاب الصهيوني منه، وهو ما يتيح مشاركة المنظمة في عملية التسوية كإحدى وسائل ” النضال “
وبعد ذلك، تعرضت المنظمة لعمليات تركيع وتطويع من خلال الحرب الأهلية اللبنانية، وعبر الاجتياحات الصهيونية للبنان خصوصاً عام 1982 التي أدت إلى خروج العمل الفدائي الفلسطيني من الأراضي اللبنانية وانتهاء عمليات المقاومة الفلسطينية من الخارج باتجاه فلسطين المحتلة، وقد شجع ذلك الاتجاهَ البراغماتي السائد في المنظمة اندفاعُها نحو ” الوقوع ” في المزيد من الواقعية ، ولا تتحدى الواقع في محاولة تغييره، وإنما تستسلم له للاستفادة مما قد تعطيه الفرص المتاحة، وتتعامل ضمن سقف وحدود المسارات الإجبارية التي حدّدها الخصوم والأعداء، ولذلك لم تتعامل قيادة منظمة التحرير مع الانتفاضة المباركة التي اندلعت عام 1987 باعتبارها استثمارا في عملية التحرير، وإنما تعاملت معها كفرصة لإشراكها في عملية التسوية،.
وبينما كان الناس مشغولين بأجواء الانتفاضة، قدمت المنظمة أحد أكبر التنازلات في تاريخها أثناء انعقاد المجلس الوطني التاسع عشر في نوفمبر/ تشرين الثاني 1988 ، عندما قبلت لأول مرة قرار تقسيم فلسطين، وقبلت الاعتراف بقرار مجلس الأمن رقم 242 ، وغلّفت ذلك بإعلان يفتقر إلى الجدية وهو إعلان استقلال فلسطين، ووجد التيار البراغماتي الذي يقود المنظمة في نهاية المطاف نفسه يعلن إيمانه بالتسوية السلمية وينبذ العنف والكفاح المسلح، ويتنازل عن ثوابت وخطوط حمراء موجودة في الميثاق الذي قامت عليه منظمة التحرير، ثم وصل به الأمر إلى إلغاء البنود التي قامت المنظمة على أساسها في عام 1996، على مستوى قيادة منظمة التحرير حدث في ثلاثة جوانب :-
* التعامل مع العدو كحقيقة لا يمكن تغييرها، وبالتالي التنازل عن معظم أرض فلسطين التاريخية.
* تبني فكرة إنقاذ ما يمكن إنقاذه وتحصيل ما يمكن تحصيله، على اعتبار أن الزمن لا يلعب لصالح الفلسطينيين والعرب.
* وأن ما يعرض الآن على مائدة التسوية أفضل مما قد يعرض مستقبلا.
الشعور بعدم جدوى المقاومة المسلحة والثورات والانتفاضات في تحصيل الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وفي تغيير موازين القوى، وفي إجبار العدو على تقديم تنازلات، و فريقه مثالاً لأولئك الذين لا يؤمنون بالمقاومة المسلحة وينظرون إلى الانتفاضة المسلحة باعتبارها عملية عبثية أدت إلى نتائج وخيمة، وهو يؤمن بالتسوية كخيار إستراتيجي، وبأن لا بديل عن مسار التسوية إلا مسار التسوية نفسه من جهة أخرى، في مقابل حالة الوعي حدث ارتقاء للوعي الفلسطيني مكّنه من الصمود والاستمرار في مواجهة القوة الطاغية الصهيونية، وتمثّل في جوانب من أبرزها:
* التمسك بالأرض والثبات عليها مهما كانت الظروف، ورفض الهجرة والتهجير، والإصرار على البقاء حتى بعد المجازر وهدم المنازل.. وغيرها.
* إدراك ضرورة تحمّل الفلسطينيين لمسؤولياتهم النضالية، وعدم انتظار الأنظمة العربية والإسلامية لتحرير أرضهم.
* إدراك أهمية الداخل الفلسطيني في عملية المقاومة، بعد إغلاق الحدود في وجوههم.
* تطور وسائل الإبداع في العمل المقاوم.

وإنها لثورة حتى النصر.
بقلم الكاتب جمال أيوب.