عاجل
0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
Hofa
Diamondd
previous arrow
next arrow

الشاقلدي يكتب: “الأحزاب ” تجميل شكلي لمشروع ميت

“الأحزاب ” تجميل شكلي لمشروع ميت

كتب _ فايز الشاقلدي

رغم الضجيج الذي رافق “مشروع التحديث السياسي” ، وتحت عناوين براقة مثل “تمكين الأحزاب” و”برلمان الكتل”، فإن الواقع يقول شيئًا مختلفًا تمامًا: ما نراه اليوم ليس حياة حزبية، بل مسرحًا صامتًا، مليئًا بديكور قانوني، بلا جمهور، وبلا ممثلين حقيقيين.

منذ إطلاق قانوني الأحزاب والانتخاب الجديدين، والحكومة تصر على أنها فتحت الباب أمام التحول الديمقراطي، وتعمل على تشجيع الشباب والمرأة على الانخراط في العمل الحزبي. لكن أي شاب عاقل سيسأل ببساطة: أنخرط في ماذا بالضبط؟ هل يُعقل أن أنضم لحزب لا يملك قاعدة شعبية، ولا رؤية اقتصادية، ولا حتى مقراً فعليًا؟ أم أن عليَّ الانضمام فقط لملء العدد المطلوب في سجلات الهيئة المستقلة، حتى يُقال إن الحزب “مرّ على القانون”؟

الأحزاب في وطني الحبيب، بتوصيف واقعي، هي كيانات ورقية. بعضها وُلد في غرف مغلقة بقرار فوقي، وبعضها الآخر لا يُسمع له صوت إلا عند تقديم كشف العضوية، أو في موسم الانتخابات. لا جمهور، لا إعلام حزبي، لا نشاط ميداني حقيقي، لا برامج واضحة، ولا حتى قدرة على التعبير عن موقف تجاه الأزمات الكبرى التي تمس المواطن كل يوم.

المؤسف أكثر، أن السلطات الرسمية ما زالت تتعامل مع العمل الحزبي بذات العقلية الأمنية القديمة، وإنْ غيّرت الأسلوب. فبينما تنص القوانين على “الحرية”، يُحاصر الناشطون الحزبيون داخل الجامعات، ويُشكّك في نواياهم، وتُضيق عليهم أبواب التوظيف، وتُحاك ضدهم الشائعات. فكيف يُطلب من شاب أن ينخرط في حزب، وهو يرى أن مجرد “الاشتباه” بانتمائه، قد يكلّفه مستقبله؟

الانتخابات التي جرت ومجلس النواب الحالي، الذي يُفترض أن يكون “مولد البرلمان الحزبي”، مهددة بأن يكون نسخة باهتة عن المجالس الماضية،خصوصا بعد مضي دورة تشريعية من عمر وربما قد يكون الأسوأ. إذا لم يكن هناك وعي سياسي حقيقي، وحماية دستورية وفعلية للحزبيين، ومناخ عام يؤمن بأن الأحزاب ليست تهديدًا للدولة، بل ضمانة لاستقرارها، فإن كل ما يحدث هو مجرد عملية تجميل شكلي لمشروع ميت سريريًا.

الأخطر من ذلك، أن هذه المسرحية قد تتحول إلى عبء على النظام نفسه، لأن فشل التجربة سيُعمّق الفجوة بين الشارع والدولة، وسيُقنع المزيد من الناس أن “اللعبة الديمقراطية” مجرد وهم، وأن كل حديث عن المشاركة الشعبية هو للاستهلاك الإعلامي فقط.

وهنا لا بد من أن نطرح السؤال الأكبر: من يملك الجرأة ليعترف أن ملف الأحزاب لم يُولد بعد، وأن ما لدينا ليس أكثر من “بناء مؤسسات وهمية”؟ من يتجرأ ليقول إن المشكلة ليست في المواطنين بل في غياب الثقة، والتجارب السابقة، وفقدان الأمل في التغيير الحقيقي؟

الحياة الحزبية لا تنشأ بقرارات فوقية، ولا بنصوص قانونية، بل بإرادة سياسية صادقة، ومساحة حقيقية للحوار والنقد، وإعلام حر، وقضاء مستقل، وإيمان عميق بأن المواطن شريك، لا تابع.

إن لم يتم إصلاح المسار الآن، وإن لم تتحول الدولة من راعٍ للأحزاب إلى ضامن لحريتها، فإننا سنبقى نراوح في ذات المكان، ننتج مجالس بلا هوية، وأحزابًا بلا أثر، ومواطنين بلا ثقة.