عندما تغيب السلطة الرابعة عن الخطاب النيابي
عندما تغيب السلطة الرابعة عن الخطاب النيابي
راتب عبابنه
لقد غطت ردود النواب على بيان الحكومة بمجملها غالبية القضايا التي تقلق الشارع الأردني والمتعلقة بالإقتصاد والأسعار والمشاريع والخدمات واللاجئين والأزمة السورية ومحاسبة الفاسدين. لكن المتابع والمراقب لن تغيب عنه ملاحظة غياب موضوع الصحافة والإعلام بما في ذلك المطبوعات والنشر عن كلمات النواب.
نعتب على نوابنا ونسبة كبيرة منهم من حملة شهادات رفيعة وتعليم عالي يدركون أكثر من غيرهم أهمية الصحافة والإعلام والحرية التي على الصحافة التمتع بها لتتمكن من إيصال رسالتها للقارئ والسامع والمشاهد. الصحافة لا تقل أهمية عن القضايا التي طرحت بلتاتي بمقدمتها، فهي كالفضاء الذي إذا نظر إليه الناظر استطاع أن يرى الاشياء على حقيقتها بالغالب من الأحيان. والصحافة هي الرسالة الإخبارية التي تصل للمواطن والقارء وتنير دربه وتوسع أفقه المعرفي الذي من خلاله يستطيع التفاعل مع الأحداث والحكم عليها. هناك بلدان كانت صحافتها تخضع لرقابة صارمة من الدولة ولا تجرؤ على الخروج عن الإطار الذي حشرت به، وإن حصل خروج فيكون مصير صاحبه القمع والطرد والسجن. فمثلا الصحافة المصرية أيام حكم عبد الناصر أدخلت بأذهان المصريين الإعتقاد أن العالم لا يوجد به غير عبدالناصر زعيما. فصار القارئ يعلم ما سيكتب في اليوم التالي لغياب الحرية والتنويع وضيق الهامش الذي لا يسمح للكاتب الصحفي إلا أن يكون شديد التحفظ والحذر وسريع الميل نحو التمجيد.
وعند تواجد هذه الحالة بأي مجتمع وبأية دولة، يصبح الصحفي أو الكاتب أو المثقف كمن يحمل سلاحا ولا يقوى على استخدامه ليقينه أن الرصاص القاتل سينطلق باتجاهه مجرد ضغطه على زناد سلاحه. القارئ عندئذ يتم ترويضه شيئا فشيئا حتى يرى نفسه أمام صورة نمطية ممجوجة لا مكان بها إلا لمدح الزعيم وتمجيده وتمجيد قراراته الإلهيه وصوابية رؤاه وإرجاع كل حجر يُبنى بالوطن لتوجيهات الزعيم الذي لا يغفل لا شاردة ولا واردة. وبهذا النهج غير المبارك يتم تحميل الزعيم ما لا يحتمل. وطالما نحن أناس عاديون ولسنا أنبياء ولسنا بالتالي معصومون عن الوقوع بالخطأ، إذا لا بد أن يجانب هذا الزعيم أو ذاك الصواب يوما، فعندها على من يقع اللوم ومن يتحمل مسؤولية الخطأ؟؟
فكل شيء ينسب لتوجيهات الزعيم حسبما دأبت عليه الصحافة بالكثير من الدول وخصوصا العربية وتحديدا بالأردن. فلماذا عند حدوث الخطأ وحصول أذى للمواطن نتوقف عن الإشارة للمسؤول والمسبب طالما لسان حالنا يقول أن الحاكم هو من يقف خلف كل خير يحل بالوطن؟؟ إن كان الحاكم أو المسؤول يتم إظهاره بالمنزه والذي لا يقترب منه الخطأ, فنحن أمام نبي معصوم وحقيقة الأمر أن لا نبي بعد محمد (صلعم) خاتم الأنبياء. ليس من قصدنا التقليل من شأن حاكم أو مسؤول, بل قصدنا الدعوة لتسمية الأشياء بمسمياتها حتى تتضح الصورة وحتى نخرج من الصورة النمطية المطبلة والمصفقة للوصول لحالة تحلل لنا القول للمسيء أنه أساء وللمصيب أنه أصاب دون وجل أو خجل أو تردد وذلك بشرط توفر النية بالإلتقاء عند مصلحة الوطن.
الاعتدال وعدم المبالغة بربط الفضل لاستشاق الأكسجين وهطول المطر للزعيم مطلبان لا بد من تحرّيهما حتى لا نثقل كاهله إذا كنا نود التعبير عن تقديرنا وعرفاننا بالجميل له. العرفان بالجميل ورد الفضل لأصحابه وتعزيز روابط الود، أمور محمودة لكن المبالغة بها لدرجة التأليه فهي السم الزعاف الذي سرعان ما يقتل ويفتك بذائقه.
لا نريد صحافة دائمة التمجيد كصحافة الحكام الشموليين التي لا تستطيع أن تمدح أحدا غير الحاكم. نريد صحافة تمدح من يستحق المدح وتصوب من بحاجة للتصويب. صحافة الـ “نعم” الدائم كما هو الحال بالنسبة لأشخاص الـ”نعم”، هم أول من يلفظهم الناس لنفاقهم ويكونوا أول الخارجين من سجلّ المحترمين. وهنا لا ندعو لصحافة الـ”لا” الدائمة ولا ندعو لوجود أشخاص الـ”لا”. بل ندعو هؤلاء أن يبتعدوا عن التملق والوصولية والتصفيق للخطء والصواب، كما ندعوهم لتقديم النصح الخالص والمشورة الصادقة التي تعزز صوابية قرار الحاكم وتنير بصيرته لاتخاذ القرار الصائب الذي يعود عليه بالمدح والثناء الحقيقين.
على الزعيم أو القائد أو الملك بالحالة الأردنية, تحري مدى صدقية الـ ” نعم” وصوابيتها من المحيطين كما عليه تحري صدقية وصوابية الـ “لا” ويمايز بينهما. فالنعم الدائمة تعني طلب الرضا الدائم المؤدي لدوام التنفع مشيا على مبدأ جاور المسعد تسعد. واللاء المتغيرة لنعم أحيانا تعني طلب التصحيح والتعديل الذي يتناسب والواقع ويحاكي المزاج الشعبي ويلتقي مع المصلحة الوطنية التي ينشدها الحاكم والمواطن والتي هي نقطة الإلتقاء والإرتكاز والإنطلاق التي تبلور النهج وتقف عندها الإجراءات والقرارات والمواقف لتخضع لمجساتها طلبا للمضي من عدمه.
ما سبق يعطينا مؤشرا على مدى أهمية الصحافة وخطورتها بالنسبة للحاكم والمواطن. فعلينا حاكما ومواطنين الإنتباه لأهمية وخطورة هذه السلطة التي يمكنها أن تكون سلطة رابعة بمعنى الكلمة ترفد بقية السلطات إذا كان لديها هامش عال من الأمان والحرية المسؤولية. وهي تنزع لنصرة المواطن إن رأت تغولا عليه كما تنزع لنصرة الحاكم وتؤيده عندما ترى الصواب بقراراته والإعتدال بنهجه والحفاظ على حقوق المواطن وإحقاق العدل والمساواة بالتوزيع. وصحافة حريتها منقوصة تعني لنا إصلاحا ناقصا وفسادا ممأسسا وحقيقة مخيفة لا يراد لها الإنجلاء. كما تعني أن الفاسدين لا نية بمحاسبتهم والأموال المنهوبة لا إرادة باستعادتها والإستهتار بالعقول يراد له أن يبقى نهجا مدعوما. وتقييد الصحافة وخصوصا الإلكترونية منها التي لها قاعدة عريضة جدا من القراء خصوصا المثقفين والشباب رجال وقادة المسقبل, يعني إبقاء الناس بالظلام وبعيدين عن الحقيقة والمستور.
كان من الواضح أن النواب قد أغفلوا موضوع الصحافة ولم يعيروها الإهتمام المطلوب بردودهم مما يعني استمرارية وجود ثغرة يجب تجسيرها بل ردمها تتمثل بتعديل ودراسة ما يُنوى تطبيقه بحق قانون المطبوعات والنشر الذي هو جزء من حق المواطن على الدولة وهو القانون العالق والمقيد للحريات الصحفية وبمثابة رقيب دائم يعد أنفاس الصحافة.
وحمى الله الأردن والغيارى على الأردن. والله من وراء القصد.
ababneh1958@yahoo.com