تالا والارهابي
تالا الصغيرة ابنة الشهيد الوكيل أنس ، الذي ارتقى مع ثلّة من اخوته الجنود للقاء وجه الرحمن الرحيم ، الحكم بين الناس يوم العرض عليه ، تالا لا تعرف أن من كان يوّسد على رأسها ويحملها ويلاعبها ، ومن كانت تنتظر دخوله من الباب ببزته العسكرية , حاملا بيده لعبة لعروس جميلة ، لن يعود لمداعبتها ، ولن تلفظ يوما كلمة أبي لأن أباها قد مات ، رمته يد ارهاب غادرة بسهم مسموم ما كان أن يوّجه اليه ولا الى رفاقه ،رماه به من لا يعترف بقيم انسانية ولا يهمّه من يقتل بسيّارته المفخخة التي لا تميّز بين الناس حين تنفجر فتقتل الجميع وكأنّها حاقدة عليهم جميعا .
تالا لا تفهم لم امتدت يد من يعتقد أنّه على صواب وكلّ الناس على خطأ ، الى المتفجّرات ليضعها في السيّارة التي ستقتل والدها ، ويشبك الأسلاك الكهربائيّة القذرة التي ما اخترعت الاّ لتنير درب الإنسانية لا أن تجعله حالك السواد . كيف لتالا ولنا جميعا أن نقتنع أنّك على حق وانت من قتل أباها الذي كان يأتي في الاجازة الى الدار ليجتمع مع عائلته وجيرانه في بيتهم المتواضع ، يحكي لهم عن المرضى الذين أسعفهم مع رفاقه ، وعن المهاجرين المطرودين من بلدهم المتلّهفين لمكان آمن يلجئون اليه ، وعن الاطفال الصغار الذين اذا رأوا جنود الجيش الاردني تتهلل أساريرهم , ويبتسمون بفرح بالرغم من عناء السفر ومعاناة الانتقال ، لأنّهم يعرفون أنّهم الآن ، وفقط الآن بأمان بعد أن يستقبلهم رجال عاهدوا الله على مساعدة الناس في مصائبهم .
يا من لا تبتسم الاّ لمن وافقك الرأي على قتل الناس , أنت يا أيّها العابس الدائم ، قد قتلت المبتسم الدائم ، يا من تعتقد أن الناس كلّهم على خطأ وأن الجنّة ستفتح أبوابها لك وحدك . ألم تعلم أن المسلمين أخوة وأن دم المسلم على المسلم حرام ، وأنّك تقصد شق صف المسلمين بقتلك من يصلّي الصلوات الخمس ويصوم رمضان والنوافل ، مثل أبي تالا ، ويحترم الجار ولا يعتدي على الناس ، ويتصدّق مما جاد الله به عليه ، ويقبّل يدي أمّه وابيه ويرجو الله برضاهما ورحمته أن يدخله الجنّة ، ولا يقرب المال الحرام ، ويساعد من يطلب المساعدة من الناس ومن لم يطلب ، ولم يقف يوما مثلك في صفّ المجرمين الذين يظنّون أنّهم يفعلون خيرا وهم للباطل فاعلون ، ولم يغرر بالفتيان الصغار ولم يلقي بهم الى التهلكة مثلك .
تالا صغيرة لا تعرف الحقد ، بريئة لا تعترف بشرار الناس الذين يحطّمون الانسانية في الصغار وفي الكبار ، ويهدمون البيوت على سكّانها , ويخربون بلا مبالاة ما يبنيه الناس في زمن طويل ، ولا يعلمون أن الجهات التي تعطيهم الأوامر لتدمير دولهم ومدنهم وحاراتهم وقتل جيرانهم وأبناء جلدتهم ، وتشريد الملايين من الناس الى كلّ الدول ليفروّا من بطش من لا يرحم الى حضن من ساهم معك ومع من في شاكلتك في خراب الديار ، هي جهات لا تريد الاّ الموت والدمار .
تالا تعرف كما نعرف نحن أن لا جدوى من الجدال معك ، وتعرف يقينا أنّها ستكون يوما مع أبناء جيلها ممن يبنون أوطانهم بعد انتهاء عصر الموغلين في قتل الانسانية مثلك , وربّما يكون من بينهم ابنك أيّها الارهابي .
د . عودة أبو درويش