وهم المراهقة
كتب.ناديه نوري
كنت أتسوق في أحد الأسواق المركزية ذات الأدوار المتعددة لدرجة وجود مصعد كهربائي، وهناك استوقفني مشهد جعلني في ذهول. رأيت شابة في الرابعة عشرة من عمرها تقريباً ترفع صوتها في وجه أمها وتقول: “لن أتحرك حتى تشتري لي هذا”، وكانت تحمل في يدها إكسسواراً لهاتفها. احمرّ وجه والدتها خجلاً، إذ التفتت الأنظار جميعها نحو مصدر الصوت العالي الذي دلّ على سوء أخلاق وقلة احترام.
ما أزعجني أكثر هو تعليقات المارة الذين اكتفوا بالقول: “مراهقة، الله يهديها” أو “غداً تكبر وتعقل”. بعد خطوات، رأيت مشهداً آخر: شاباً ربما في العمر نفسه أو أكبر قليلاً، واضعاً سماعات في أذنيه ومنهمكاً في هاتفه، بينما كان والده يشتري ويحمل الأكياس الثقيلة والعرق يتصبب منه. الابن يعيش في عالمه الخاص غير مبالٍ بما يعانيه والده.
تذكرت حينها فيديو شاهدته على الإنترنت لطفلة في العاشرة من عمرها تقريباً. كانت مع والدتها، وعندما رفضت الأم شراء ما طلبته الطفلة، انهالت على البضائع التي في الرفوف، وكسرت بعضها وسط دهشة الحاضرين. كما تذكرت موقفاً آخر حدث عندما كنت في منزل جارتي بصحبة صديقات نتسامر. دخلت ابنة جارتي البالغة من العمر ستة عشر عاماً عائدة من المدرسة. وما إن رأتنا، عبست وجهها وقالت لوالدتها بكل قلة احترام: “كالمعتاد، لم يجهز الغداء! أنتِ تعرفين أن اليوم خميس وأعود مبكراً!”. تلعثمت والدتها خجلاً أمامنا وقالت: “أسفة، مراهقة. غداً تكبر وتنضج”.
المراهقة مرحلة عمرية بين الطفولة والبلوغ تمتد بين سن 10 إلى 19 عاماً. إنها مرحلة فريدة من نوعها في حياة الإنسان، تتسم بنمو بدني ومعرفي واجتماعي سريع. لكن، هل تبرر هذه المرحلة سوء التربية وسوء الأخلاق؟ الطفل الذي ينشأ على تربية جيدة يدرك الخطأ من الصواب. وحتى بعض الحيوانات المدربة تظهر سلوكاً منضبطاً، فكيف بالإنسان الذي انتقل من الطفولة إلى الشباب؟ كيف نتقبل منه سوء التصرف وعدم الاحترام، خاصة تجاه الوالدين؟
نتذكر الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه، الذي ندم لأن صوته كان أعلى من صوت أمه عندما نادته، فاعتبر ذلك ذنباً واستغفر عنه بأن أعتق عبدين لوجه الله.
في الماضي، كان العرب يرسلون أبناءهم إلى البادية لتنشئتهم على أخلاق سليمة وهواء نقي، بعيداً عن مفاسد المدنية. نجد مثالاً عظيماً في نبينا محمد ﷺ الذي اختار زوجته عائشة رضي الله عنها، وهي صغيرة السن، لأنها حملت صفات المسؤولية والفطنة. لم يكن اختيارها اعتباطياً، بل لحكمة ربانية. كانت -رضي الله عنها- مرجعاً علمياً في الحديث والفقه، وأسهمت في حفظ السنة النبوية.
وكذلك علي بن أبي طالب رضي الله عنه، الذي أسلم صغيراً ودافع عن الإسلام منذ نعومة أظفاره. كان شجاعاً ومخلصاً، وشارك في جميع غزوات النبي ﷺ. كما نذكر الصحابي أسامة بن زيد، أصغر قائد عسكري، وزيد بن ثابت، الذي جمع القرآن وهو شاب، وسعد بن معاذ الذي اهتز لموته عرش الرحمن.
شباب الصحابة كانوا في أعمار المراهقين اليوم، لكنهم لم يعيشوا وهم “المراهقة”. لم ينتظر أهاليهم نضوجهم ليحاسبوهم، بل ربّوهم منذ الصغر على القيم والأخلاق. اليوم، نواجه مصطلحات دخيلة ومفاهيم تُعذَر فيها الأخطاء تحت شعار “مرحلة وستمر”. لكن الحقيقة أن من تلقى تربية حسنة كان سنداً لوالديه ولبنة صالحة في بناء مجتمعه.
ختاماً، التربية السليمة هي حجر الأساس لشخصية الإنسان، ولا مكان في مجتمعاتنا لوهم “المراهقة” الذي يبرر السلوكيات السلبية. التربية تبدأ منذ الصغر، لتنشئ جيلاً مسؤولاً وقوياً يسهم في بناء وطنه.