عاجل
0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
previous arrow
next arrow

في مغزى قرارات الجامعة العربية الأخيرة

أن تكون جامعة الدول العربية، عاجزة ومحدودة التأثير في تقرير وجهة السياسات والعمل العربي المشترك، فهذا أمرٌ بات يندرج في عداد المسلمات، التي لا يختلف حولها كثيرون … لكن أن يُتخذ من هذا المعطى، سبباً لعدم التوقف عند مغزى ودلالة ما يصدر عنها من قرارات وتوجهات، فتلكم حكاية أخرى، لا نتفق مع القائلين بها. نهاية الأسبوع الماضي، اتخذت الجامعة على مستوى وزراء الخارجية العرب، قرارين هامين: الأول، أدرجت بموجبه حزب الله في عداد المنظمات الإرهابية… والثاني، توافقت من خلاله على تعيين وزير الخارجية المصرية الأسبق أحمد أبو الغيط، أميناً عاماً جديداً، خلفاً للأمين العام الحالي، الدكتور نبيل العربي…. فأية دلالات يحملها القراران المذكوران، وفي أي سياق يمكن وضعهما؟ وسنبدأ باختيار أبو الغيط أميناً عاماً للجامعة… أبرز ما يميز الرجل أنه شغل منصب آخر وزير خارجية في عهد الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك، وهو صاحب مواقف شهيرة في أثناء عملية “الرصاص المصبوب” الإسرائيلية على غزة 2008/2009، تفوح بأشد مشاعر الكراهية لحركة حماس الفلسطينية، وهو الذي تعهد بتكسير أرجل الفلسطينيين في حال تجاوزا حدود قطاعهم المحاصر إلى المدن والبلدات المصرية المجاورة، بحثاً عن احتياجاتهم المحرومين منها جراء الحصار. هنا يتكشف قرار مجلس الوزراء العرب، عن عمق التحولات التي طرأت على السياسات والأولويات العربية، بعد سنوات خمس من اندلاع ما بات يُعرف بـ “الربيع العربي” … فاختيار الرجل لهذا الموقع، وبصرف النظر عن مؤهلاته وقدراته، لا يمكن أن يفهم خارج منطق “تصفية الحساب” مع ثورات الإصلاح والتغيير التي اجتاحت مصر والعالم العربي في الأعوام الأخيرة…والذين عجزوا بالأمس عن تثبيت حسني مبارك في موقعه، أو أعادته للسلطة مرة ثانية، ينجحون اليوم في إعادة أحد أبرز رموز نظامه، إلى رأس هرم العمل الجماعي العربي. وإذ يتزامن اختيار أبو الغيط لمنصب الأمين العام للجامعة، مع قرار الوزراء العرب بإعلان حزب الله منظمة إرهابية، يصبح لزاماً على المراقب أن يتساءل، عن مغزى القرار بالنسبة لحركة حماس الفلسطينية، فالرجل معروف بمواقفه المعادية لها، والقرار بتعيينه في منصبه، يكاد يعادل قرار الجامعة بشأن حزب الله، والمؤكد أن الحركة لن تجد في مقرالمنظمة العجوز، مكاناً دافئاً تأوي إليه، حتى كذاك التي كانت تجده زمن نبيل العربي، المعروف بمدى ارتهانه للسقف الخليجي على امتداد سنوات عمله الخمس الفائتة. القرار العربي باعتبار حزب الله تنظيماً إرهابياً، يُعدُّ تحولاً نوعياً في السياسات والأولويات العربية في المرحلة الراهنة، إذ لم يسبق للجامعة العربية، وعلى أي مستوى من مستوياتها، أن تخلت عن حذرها أو”تورطت” في توصيف جماعة تقاتل إسرائيل، بمثل هذا الوصف، حتى في تلك الأزمنة التي شهدت قيام مجموعات فلسطينية ولبنانية وعربية، بارتكاب أعمال، يصعب الدفاع عنها أو تبريرها، فالأولوية كانت على الدوام، لتوفير المظلة والغطاء لكل من يقاتل إسرائيل، أما الخلافات بين الفصائل وهذه العاصمة أو تلك، فغالباً ما كانت تحفظ في إطار البيت العربي الداخلي. وحتى عندما “تورطت” فصائل فلسطينية في الشؤون الداخلية لدول عربية، وأدى وجودها فيها، إلى زعزعة استقرارها وأمنها، بما في الانخراط في حروبها الأهلية (لبنان مثالاً)، لم يكن الأمر يستدعي اللجوء إلى مثل هذه الإجراءات، ولم يجرؤ أي من هذه الدول على طلب اعتبار منظمة التحرير أو أي من فصائلها الرئيسة، فصيلاً إرهابياً… المشهد اليوم، ينقلب رأساً على عقب، وأولويات أجندة العمل العربي المشترك، تنقلب بدورها رأساً على عقب. لقد مرت المنطقة العربية بظروف مشابهة، اشتبكت مصر والسعودية في حرب على اليمن، وانتقلت فصائل للقتال إلى جانب “المتمردين” في إقليم ظفار، انطلاقاً من اليمن الجنوبي، وانخرطت المقاومة الفلسطينية في صراعات سياسية ومسلحة مع عدد من الأنظمة العربية، من دون أن تصل الأمور إلى هذه الوضعية المتفجرة، ومن دون أن تبلغ الانقسامات والاستقطاب، درجة التناغم مع الطروحات الإسرائيلية، وحد التعامل مع الدولة العربية، كصديق محتمل في مواجهة عدو مؤكد. هنا والآن، تتموضع إيران في خانة العدو الأول، حتى لا نقول العدو الأوحد، ولا صوت يعلو على صوت المعركة معها وعليها، حتى الصراع العربي – الإسرائيلي، بات تفصيلاً ثانوياً من منظور هذه المقاربة، ولن يشفع لدولة أو فصيل أو جماعة، أنها تحارب إسرائيل، حتى تحظى بصكوك البراءة والغفران، لكيلا نقول الدعم والتأييد والإسناد … إنها مرحلة “من ليس معنا فهو ضدنا”، ومعنا هنا، تعني حرفياً: معنا ضد إيران في المقام الأول والأخير. ستدخل جلسة وزراء الخارجية العرب الأخيرة، تاريخ جامعة العرب، بوصفها نقطة انعطاف كبرى، إن لجهة تسوية الحساب مع “الربيع العربي” أو لجهة إعادة تقويم الأخطار والتهديدات والتحالفات في المنطقة، ولن يقلل من شأن هذا التطور النوعي، أن عدداً من الدول العربية، لاذ بالصمت أو اكتفى بطأطأة الرأس أو “نأى بنفسه” أو “لاحظ” و”تحفظ”. –