أشياء كبيرة تبدو صغيرة
أشياء كبيرة تبدو صغيرة / محمد بدر
من حسنات الصّحبة الطّيبة ، أنّها تُذكّر بالحق وتعين على الخير ، وتُزيل اللّبس عن بعض المواقف والأفكار . فالجليس الصّالح كمن يُجالس بائع المسك لا بدّ أن يستفيد منه في كلّ الحالات . فقبل أيّام جمعتني ونخبة من الأخوة الأعزّاء جِلسة ( جميلة ) في مكانٍ ( أجمل ) . تداولنا في أمورٍ كثيرة ومنها كانت فكرة هذا المقال .
لنعترف في البداية أنّه لا يوجد ميزان دقيق نحكم به على التّفاوت في الأحجام بين الأشياء المعنويّة . فما تراه أنت كبير جدا وهام جدا قد يراهُ غيرك صغير وقليل الأهميّة . كما أنّ الأمور المادّية تختلف في مدى أهمّيتها عند الناس . فخمس دنانير تُساوي للفقير شيئاً كثيرا ، بينما لا تساوي شيئاً عند مليونير .
ومن تُراثنا الدّيني أمثلةٌ كثيرة ، تُعلّمنا أنّ بعض الأعمال التي ( قد ) نستصغرها ( نحن ) البشر هي في ميزان الله كبيرةٌ جدا . ” وتحسبونهُ هيّناً وهو عندَ اللهِ عظيم ” . فقد دخل رجلٌ الجنّة وكانت أفضل أعماله عند الله أنّه يُزيل الأذى عن الطّريق . وأنّ امرأة دخلت النّار وكان أسوأ أعمالها عند الله أنّها حبست قطّة ولم تطعمها ولم تتركها تطعم حتى ماتت .
فنحن أحيانا لا ندرك أهميّة الابتسامة ومقدرتها على إدخال البهجة على الآخرين وفتح مغاليق القلوب . ” لا تحقرنّ من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجهٍ طلق ” . و ” تبسّمك في وجه أخيك صدقة ” . فالابتسامة تحملُ معنى الودّ والقبول والارتياح . وشتّان بين أن تطلب أمراً تسبقه بابتسامة ، فانّ الطرف الآخر غالبا سيتقبّل الأمر وسينفّذه راغبا. فكم في الابتسامة من أسرار ومعان . ويتبعها أو يرافقها الكلمة الطّيبة ، فهي تدخل القلوب وتمهّد الأجواء وتجعل الصعب سهلا . فلماذا لا يكون بداية حديثنا مع الآخرين ابتسامة صادقة تُرطّب الأجواء وتحمل رسالة ودّ وقبول للآخرين .
كما أنّ التواصل بين الناس من أهم وسائل التقارب ونقل المعلومات والمشاعر . وقد سهّلت وسائل الاتصال الحديثة لنا السبل واختصرت المسافات والأوقات . فبإمكانك الاتصال مع عدد كبير بوقت قصير وبتكاليف قليلة . فتواصلك مع شخص باتّصال أو رسالة وسؤالك عن أحواله قادرةٌ على إذابة الجليد وتمتين الأواصر . فأنت لا تتذكر عادةّ إلا من تحب وترجو استمرار ودّه . والناس بفطرتهم قادرون على التمييز بين التّعامل الذي تُمليه المصلحة والذي ينبع من قلبٍ صافٍ لا يبتغي إلا وجه الله والرغبةً في التّواصل .
للأسف فانّ ثقافة الاعتذار عندنا ليست شائعة . ويجد أحدنا ( رجالا ونساء ) صعوبة في الاعتذار عند الوقوع في خطأ أو في حالة الإساءة للآخرين . ونجد في الاعتذار نوعاً من التّنازل وفقدان الهيبة ، بينما نجد هذا السلوك يتم تربية الصّغار عليه في العالم الأوّل . فأحدهم لا يجد غضاضة ، بل من واجبه أن يُسارع إلى الاعتذار في حالة الإساءة . وحتى كبار مسؤوليهم لا يتورّعون عن الاعتذار للشعب ولو عند شبهة الإساءة أو الخطأ غير المقصود . بل يعتبرون ذلك حقاً للمجتمع عليهم ، تُعلي أقدارهم لا تُنقصها . ويُقابله في الطّرف الآخر قبول الاعتذار والاِعذار والمسامحة بطيب نفس .
وقد نغفل عن تأثير بدْأ النّاس بالتّحيّة ، والأثر النّفسي الذي تُحدثه عند الأخر . فهي رسالة طمأنينة وسلام ورغبة في إظهار لين الجانب وكسر الحاجز بين الناس . لذلك كان خيرهما الذي يبدأ بالسّلام في حالة المتخاصميْن . وأيضاً المبادرة بالسؤال عن الناس وزيارتهم ومشاركتهم مناسباتهم .
هذه نماذج من أشياء ( كبيرة ) بتأثيرها وأثارها ، ولكنها قد تبدو ( صغيرة ) فيتم التّساهل فيها وعدم ايلاءها الأهميّة اللازمة ، فتفوتنا علاقات ومصالح كثيرة وكبيرة . فنخسر ما ومن لا يُعوّضنا بخسارتهم كلّ كنوز الأرض ، فنندم ولكن بعد فوات الأوان .