قطر تدفع بنا نحو الخطر
قطر تدفع بنا نحو الخطر
راتب عبابنة
لا يخفى على أحد الحضورالقوي المشبوه والمتعالي لدولة قطر في صياغة الأحداث في المنطقة ومحاولة فرض رؤيتها بشتى الوسائل التي لا تروق للكثير من الدول العربية. وتطمح من خلال مواقفها ونهجها أن تخلق لنفسها دورا يجعلها تحت الأضواء من خلال سلوكها دورالوسيط الذي يبحث عن حلول وسطية بين الأطراف المتنازعة. كما عملت من أرضها مقرا ومن مالها سندا وداعما للحركات الإسلامية من دول عربية مختلفة لاستعمالها كأوراق ضاغطة على أنظمة وشعوب الدول العربية عندما تتهيأ الظروف وتتكامل أدوات الإنقضاض في سياق أساليب الإبتزاز الذي يفضي لتحقيق الأهداف القطرية.
كانت قطر الراعي والمنسق لعدة “مصالحات” بين الفلسطينيين وبين السودانيين هذا بالإضافة لدورها في لبنان وليبيا وتونس واليمن والآن هي اللاعب الأكثر نشاط وحماسا ودفعا ماليا والأكثر رعاية للمعارضة السورية والأكثر تسرعا لتغيير النظام الحاكم بسوريا معتمدة على ماتروج له من خوف على الشعب السوري وحمايته من القتل. ودولة قطر تدور بفلك أمريكا كبقية الغالبية العظمى من الدول العربية معتمدة على الرضا الأمريكي عن الحركات الإسلامية وعلى رأسها الإخوان المسلمون لتولي الحكم في البلدان العربية وهو الرضا الذي يمكن أن يتبدل لغضب ورفض بعدما تتم تهيئة الأسباب التي تمكن أمريكا من العمل على الخلاص منهم بعد أن تكون قد جهزت ودربت من ترى بهم أذرعتها كحكام جدد طوع أيديها. والتاريخ به من الأمثلة ما يكفي للإستدلال على النهج الأمريكي التسلطي على الشعوب من خلال الحكام المرضي عنهم. فشاه إيران كان شرطي المنطقة, وحسني مبارك الخادم المطيع, وعلي عبدالله صالح وقف بوجه الأنظمة التقدمية والمد التقدمي رغم توحيده لليمنين الذي يسجل له, وصدام حسين كان حالة خاصة تفرد بها عن بقية زعماء المنطقة, إذ مواقفه وتوجهاته وعروبيته ووطنيته المتجذرة بعروقه لم ترق للأمريكان بل كانت السبب الذي جعل أمريكا تعمل على الخلاص منه بمساعدة إيران أولا وبعض الدول العربية ثانيا.
دولة قطر تضطلع بدور يفوق حجمها التاريخي والسكاني والعسكري والجغرافي. وهي تفتقر للإرث السياسي الذي يجعلها مؤهلة لتكون في مقدمة اللاعبين العرب كمصر أو السعودية. حقيقة دورها خلقته الإمكانات المالية الهائلة جدا كأكبر مصدر للغاز ناهيك عن البترول والإستثمارات. وهذا مكنها من الصرف بلا حدود للوصول لنتائج تربط إسم قطر بالأحداث الجارية كصانع لها والتي من خلالها تصنع لها “مجداً” يمكنها من الدخول بصناعة أي حدث أو تغيير في المنطقة.
وبهذا تكون قد سحبت البساط من تحت جارتها السعودية وخطفت الأضواء لصالحها وجعلت من نفسها العامل المؤثر بتوجيه الأحداث وخلق المتغيرات. والسعودية بالنسبة لقطر هي الدولة الأكثر تعطيلا لخططها والأكثر تأثيرا سياسيا والأكبر ثقلا من الناحية الدينية والبترولية مما يجعل منها خصما تنظر له قطر بعين عدم الرضا. ودافع آخر يجعل من قطر لاعبا متحركا ونشطا هو وجود أكبر قاعدة عسكرية خارج أمريكا على أرض قطر وهذا يعطيها الأمان بأنها محمية من أي خطر خارجي. وهذا التعاون العسكري باحتضانها للقاعدة الضخمة أعطاها هامشا واسعا للحركة على المستوى العربي ضامنة رضا أمريكا ومباركتها. لكن بعلمها أو بجهلها فهي تقوم بدور الوكيل عن أمريكا.
وإعلاميا تستند قطر بطبيعة الحال على قناة “الجزيرة” كوسيلة إعلامية ذات إمكانيات مادية هائلة جدا تضاهي قناتي (CNN) و (Fox News) ) وغيرهما من القنوات الفضائية الأمريكية التي غالبا ماتشكل الرأي العام وتؤثر به وتوجهه باتجاه سياسات أمريكا وكذلك الحال بالنسبة للجزيرة التي لا يستطيع أحد أن ينكر دورها التنويري السياسي للشعوب مثلما لا نغفل دورها بالتغذية الدائمة لتحريك وتهييج الشعوب.
وكل ما سبق من “نجاحات” تعد في الكثيير من الأحيان إسقاطات سياسية تشكل خطرا محدقا بالكثيرمن الأنظمة يمكن أن تكشف قطر الغطاء عنه وتطلق له العنان بوجه من عليه الدور في مسلسل الإنفجار العربي الذي وإن خف وهجه لكن جمره مازال متوهجا تحت الرماد. بعد هذا التوليف والتجهيز والدخول بصلب الصراعات الداخلية في الدول العربية خلقت قطر لنفسها إرثا سياسيا مصطنعا مكنها من أن تكون ذات دور “فاعل” يدعو للريبة والحذر والتريث عند التعاطي مع ما تطرحه من حلول على حساب الدول الأخرى.
وكل الدول التي لعبت قطر دورا بأحداثها هي دول ليست مجاورة لها بل بعيدة جدا, لذا هي بمأمن من أي خطر يمكن أن يطالها مستقبلا من هذه الدول. وهذا أحد أسباب الخلاف مع الأردن الذي يرى بسوريا دولة شقيقة تربطه بشعبها علاقات مصاهرة وقربى وتداخل عشائري والأردن أول وأكثر الدول المتأثرة بما يجري بسوريا وما يمكن أن تتمخض عنه الأحداث الجارية مستقبلا. فحساب القرايا يختلف عن حساب السرايا.
ووزير خارجية قطر المندفع “لإنقاذ” الشعب السوري و المستميت لمساعدة اللاجئين يطالب بإرسال جيوش عربية لسوريا لحسم الموقف. فكم عدد ماتستطيع قطر إرساله من عسكر لسوريا بحال تحقق مطلبها وجيشها لا يتجاوز 9000 جندي؟؟ وما الذي سينعكس على قطر بهذا الحال؟؟ بالمقابل نعلم بالأردن مدى الضرر الكبير الذي سيلحق بالأردن لو استجاب للمطالب القطرية لأن أهل مكة أدرى بشعابها. وبهذا تكون قطر تسعى لتحقيق ما ترمي إليه على حساب الأردن بالمقام الأول وهو الأمر الذي سيوسع شقة الخلاف بين المعارضة الأردنية والنظام من جهة وبين الشعب الأردني والنظام السوري الذي تسعى قطر لفرضه على سوريا.
الرضا الأمريكي لن يدوم لأن الظروف بتغير دائم والشواهد التاريخية ماثلة أمام الجميع. موضع القدم الوحيد لروسيا في المنطقة هو سوريا وليست مستعدة للإستغناء عنه وتقاتل من أجل البقاء والدفاع عن مصلحة استراتيجية. كما أن الصين تربطها علاقات عسكرية وربما تسليحية مع سوريا تحرص هي الأخرى على الحفاظ على هذه العلاقات. والصين على شبه عداء مع أمريكا بالشأن التايواني. ولا ننسى إيران الداعمة للنظام السوري مباشرة أو عن طريق العراق, والذي من خلاله تتواصل مع “حزب الله”.
ولو تحققت طموحات قطر تكون المنطقة دخلت بموجة من النزاعات والخلافات والإقتتالات تعيدنا لزمن الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي التي كانت تعج بالإنقلابات والتآمر والتناحر. كما لن ننسى إسرائيل التي لا بد وأن تقطف ثمار هذه الصراعات لتفرض ما تبقى لديها من أطماع و”ثوابت” تؤمن بها وتنتظر الوقت المناسب للعمل على تحقيقها.
وقطر ألبست نفسها عباءة لم تكن على مقاسها مما جعلها موضع ومصدر ريبة وتخوف يستدعيان التحوط والتصدي له وعرقلته لمنعه من النجاح. وتنطلق قطر ظاهريا من حرصها على حرية الشعوب وحقهم بالعيش الآمن, وهذا مطلب شرعي لاننكره ولانتنكر له. لكننا نتوقع من قطر أن لا تحلل لنفسها ماتحرمه على غيرها. وقصة الشاعرالقطري الذي انتقد الأمير ضمن قصيدة كانت سببا بسجنه لشاهد على التناقض الذي على قطر الإنتباه له. فأين الحرية والعدالة التي تدعيهما قطر وتطالب بتحقيقهما بغير أرضها؟؟
حمى الله أمتنا والغيارى على أمتنا. والله من وراء القصد.
ababneh1958@yahoo.com