التوحش الحضاري !
تتطور الأحداث وتتفاعل في منطقة الشرق الأوسط ، وفي العالم ، ورغم هذا الطوفان من الأخبار والمعلومات فإنه من الصعب علينا فهم ما يجري ، واستخلاص النتائج ، مهما تحدثنا مع بعضنا البعض ، وتبادلنا الأفكار والتحليلات ، لينتهي النقاش إلى لا شيء ، غير ما تحكمنا به الأهواء والمشاعر ، وربما التمنيات !
السؤال المهم هو لماذا تتزايد وتيرة التصادم بين الحضارات ، ويتحول الإسلام إلى النقطة المركزية في ذلك التصادم ، حتى أصبحت مقولة ” ليس كل مسلم إرهابيا ، ولكن جميع الإرهابيين مسلمون ” وكأنها خلاصة أو تسوية لمجموعة من التناقضات ، أو نقطة ارتكاز دون الخوض في بقية التفاصيل ؟
الجواب ليس سهلا ، ولا حاضرا في الأذهان ، ولكنه يقودنا إلى نوع من التفكير ليس حول اختلاف الحضارات ، بل تناقض الحضارة الواحدة مع نفسها ومسارها التاريخي والفكري على حد سواء ، فالحضارة هي مجموعة المفاهيم عن الحياة ، وهي ليست رديفا للمدنية التي تعني كل ما ينتجه العقل من الأشكال المادية الملموسة والمحسوسة مثل العمران والعلوم والصناعات والاختراعات والتكنولوجيا وغيرها .
نحن في العادة ننظر إلى الحضارة العربية الإسلامية على أنها حضارة جامعة ، حيث النظرة إلى الحياة مختلفة عن الحضارات الأخرى حد التناقض لأن أساسها هو العقيدة ، في حين تقوم الحضارات الغربية على مبدأ فصل الدين عن الدولة ، وهنا تتباين المفاهيم تباينا كبيرا في النظرة إلى الحياة ، وهو ما يفسر سوء التفاهم المستمر بيننا وبين الحضارة الغربية .
أخطر ما نواجهه نحن الذين ننتمي إلى الحضارة العربية الإسلامية هو أن الخلاف بين المذاهب قد تحول إلى تناقض يفوق التناقض مع الحضارة الغربية ، والكارثة التي حلت بلبنان والعراق وسوريا واليمن ، أعادتنا إلى زمن بعيد جدا بشكله ومضمونه ، أي إلى معركة صفين عام 37 هجرية ، فماذا بقي من معاني تلك الحضارة حين يصبح القتل حلالا حتى لجموع المصلين في المساجد ؟
وثمة تناقض آخر يجيب عليه سؤال آخر ، هل تنتمي الشعوب المسلمة العربية والايرانية والتركية مثلا إلى مفهوم مشترك تجاه الحياة ؟ فإذا ما أضفنا الانتهاكات الواضحة التي يتم التعبير عنها في أزمات الدول التي أشرت إليها ، هل يمكننا بعد ذلك أن نفاخر الحضارات الأخرى بفضائل حضارتنا العربية الإسلامية ؟
نحن في مأزق كبير ، فلا نحن جزء من حضارة إنسانية ولو في الحد المعقول لجوامع مشتركة ، ولا نحن جزء من المدنية بمعناها المادي المحسوس ، وقد انتهكنا العقيدة التي تشكل أساس حضارتنا ، حتى أن البعض منا يتجرأ على تسمية ضحايا الصراع من الطرفين بالشهداء ، متجاوزين النصوص القرآنية ، ومتحايلين عليها من خلال “التكفير” ، الذي صار منطلقا ومبررا للإرهاب والعمليات الانتحارية وغير ذلك من ممارسات مقززة !
لقد توحشت حضارتنا كثيرا ، وانقلبت على نفسها ، مع أنها ضحية توحش حضارات أخرى فتكت بشعوبنا عن طريق احتلالات ظالمة ، وحروب راح ضحيتها ملايين من البشر ، وقالوا لنا تلك هي الحرب ، ولم يقولوا ما هي مشروعيتها ، واليوم نحن جميعا نقف عند نقطة صادمة ، لأن التراكمات التاريخية أعقد من أن نجد لها حلا ، ولأن النظام العالمي للدول ، ومفهوم السيادة واستقلال الدول في منطقتنا قد تراجع أمام صراع المصالح ، وعقد ومركبات الماضي ، حتى حرمنا من القدرة على الاستشراف المشروع للمستقبل ، ننتظر كيف ستتطور الأحداث ، ونسأل الله أن يلطف بنا .
وللحديث بقية !