معنى القرار !
القرار الذي صدر عن مجلس الأمن الدولي يوم الجمعة الماضي حول الوضع في سوريا حمل في مضامينه معاني جديدة ، تشكل في حد ذاتها تطورا ملحوظا في موقف أعضاء التحالف الدولي ضد الإرهاب ، وفي النظرة إلى مستقبل سوريا على أساس التفاوض السلمي بين الأطراف السورية الأساسية بدعم إقليمي ودولي ، يضمن عودة الأمن والاستقرار في ظل نظام توافقي جديد ، والقضاء على الإرهاب في آن معا .
ثمة نقطة أساسية في قرار مجلس الأمن فسرتها وسائل الإعلام على أنها إشادة بالجهود التي تبذلها الحكومة الأردنية للمساعدة في الوصول إلى فهم مشترك داخل ” الفريق الدولي لدعم سوريا ” للأفراد والجماعات التي يمكن أن توصف بالإرهاب ، وفي ظني أن تلك الفقرة لا تعني الإشادة بحد ذاتها ، وإنما الموافقة على منح الأردن دور ” الحكم أو المحكم ” في عملية فرز بالغة التعقيد !
لقد وضع المجلس خارطة طريق للحل في سوريا ، وظهر التوافق الأمريكي الروسي بصورة واضحة ، وهو توافق يمكن أن يعبر كذلك عن مواقف الأطراف المرتبطة بالقطبين ، ولكن من المهم هنا أن نتذكر أن أول مرة جرى فيها الحديث عن المساعدة التي يمكن أن يقدمها الأردن نظرا لمعرفته الدقيقة للوضع السوري ، كانت أثناء المباحثات الأخيرة التي جرت في موسكو بين جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين ، والرئيس الروسي فلاديمير بوتن ، وأن الأردن قدم إثر ذلك قائمة وافية وواضحة المعالم إلى الجانب الروسي .
والسؤال المنطقي ، لماذا يملك الأردن هذه القدرة لمعرفة كل التفاصيل بشأن جميع القوى المسلحة على الأرض السورية ؟ والجواب المنطقي أيضا يكمن في أن أكبر تهديد أمني واجه الأردن في السنوات القليلة الماضية كان على الجانب السوري ، وأن توافد حوالي مليون ونصف المليون قادم – ولا أقول لاجئ – من سوريا إلى الأراضي الأردنية فرض على الأجهزة الأمنية أن تدخل في التفاصيل الفردية ، فضلا عن التفاصيل المتعلقة بالمنظمات الإرهابية .
وقد يكون الأردن بحكم خبرته ومعرفته قد رسم خطا بين ما هو شرعي وغير شرعي في سوريا ، متجاوزا بذلك ما هو إرهابي وغير إرهابي ، ذلك أن بعض القوى المرتبطة بأجندات ليست سورية ، وتمارس أعمالا عسكرية ، يمكن أن توصف بالإرهاب لأنها تمارس عملا لحساب جهات خارجية ، تخوض معركتها ضد سوريا بحجة اسقاط النظام أو الدفاع عنه !
في هذه المسألة بالذات تكمن الخلافات بين الفريق الدولي ، وهو ما عبر عنه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بشكل علني ، وفي الحقيقة أن الأردن – على غير ما ظن كثيرون – لم يقدم معلومات أمنية بالمعنى المتعارف عليه ، ولكنه قدم معيارا دقيقا ، للتفريق بين القوى السورية المتصارعة من أجل ” سوريا جديدة ” مع الحفاظ على وحدتها الوطنية والترابية ، والتي ستقود العملية السلمية حسب قرار مجلس الأمن ، وبين بقية القوى سواء كانت إرهابية أو غير شرعية، وفي ذلك معيار مختلف فهمته أمريكا وروسيا فهما صحيحا قبل الوصول إلى التوافق بينهما ، ومن ثم الوصول إلى صيغة القرار .
الأردن يقوم بدور الحكم ، وهذا هو معنى قرار مجلس الأمن الذي حدد أطراف العملية السلمية ودور ما يعرف بالفريق الدولي ، وفي ثناياه ما يؤكد أن فشل العملية ليس مرتبطا بفشل القوى السورية المعنية فقط ، ولكن أيضا بوجود مآرب أخرى لأي عضو من أعضاء الفريق الدولي.
لو كنت شخصا مقربا من الرئيس السوري بشار الأسد ، لقلت له إن عليك أن تكون أول من يرحب بدور الأردن ويتعاون معه ، لأنه نادى من البداية بحل الأزمة السورية من خلال الجلوس على طاولة المفاوضات بين قوى المعارضة والنظام القائم ، الذي ظل الأردن معترفا به طوال الوقت ، وهو الذي حذر كذلك من تدخل القوى الإقليمية والدولية في الأزمة ، بما يشكل أرضية شيطانية لتنامي المنظمات الإرهابية ، وبالتالي تهديد الأمن والسلام الإقليمي والدولي ، وذلك ما قد حصل بالفعل !