وصفي التل مدرسة ونهج
كل يوم يمضي بأحداثه وعند كل قرار حكومي، وكل اجراء تتخذه الحكومة لمعالجة حالة طارئة أو قضية عامة، تقفز إلى الذهن الذكرى العطرة للمرحوم وصفي التل لتزيدنا حنينا واشتياقا لتلك الشخصية الوطنية التي تفانى صاحبها بحب الأردن وترابه مثلما تفانى بحب مواطنيه حتى ضرب مثلا نادرا بهذا الخصوص أقفر حظنا أن يجود علينا بمثله.
استشهد وصفي التل وهو يحمل مشروعا قوميا عربيا لمجلس وزراء الدفاع العربي المشترك في القاهرة 1971 مؤداه تحرير فلسطين من المحتل الصهيوني وذلك عن طريق توزيع المهام القتالية واللوجستية على الجيوش العربية. كان مشروعه يمهد لحرب تحريرية انطلاقا من المسؤولية الأردنية بأن الهم الفلسطيني يفترض أن يكون هما عربيا مشتركا، فبنى مشروعه وحبكه وهو العسكري المتمرس ورجل الدولة صاحب الولاية العامة الفعلية الذي نهل من مدرسة المغفور له الحسين طيب الله ثراه وشاركه المسؤولية بان أخذ على عاتقه حماية الأردن والحفاظ عليه ممن عقدوا عزمهم على الإطاحة بنظامه ظنا منهم أن الطريق إلى فلسطين تمر بقصر بسمان.
لقد كان رحمه الله ضحية لإيمانه الراسخ واندفاعه المنقطع النظير باتجاه العمل الجاد والصادق الذي يقصد منه استعادة ما احتل من الأرض العربية. لكن يد الغدر السوداء التي تاجرت بالقضية العربية وكعادتها كانت تقف معرقلة كل محاولات الشرفاء الصادقين وأوهمت نفسها بأن القتل والإغتيال والخطف هي وسائل تحرير الأوطان.
لم يساوم وصفي على حق بقدر ما كانت غيرته وحسه الوطني يعززان إيمانه بأن وطنه بحاجة للحماية من الفوضى والإنفلات وفرض الأمن ونشر النظام ليكون بيد الدولة الأردنية وليس بيد الواهمين والخارجين على القانون الذين أخذتهم العزة بالإثم. كان وصفي يؤمن أن الحق لا بد أن ينتزع بالوحدة والإيمان والعمل الجاد ومن كل حسب موقعه وحسب قدراته. قبل استشهاده عمل على تثبيت الأمن والطمأنينة في الأردن بعد أن كانت المنظمات الفلسطينية تشكل دولة داخل دولة وتتصرف وكأنها هي الدولة وتحد من تحركات الأردنين لدرجة جعلت الغضب والتذمر سيدي المشهد لدى الأردنيين خصوصا في المناطق الوسطى والشمالية من البلاد مما دفع بالجيش العربي مكرها لإعداد العدة لإخراج المنظمات الفدائية المنفلتة التي تمادت كثيرا بإساءاتها للأردنيين وللدولة من الأردن وتصويب الوضع والقضاء على الفوضى، وقد كان.
لقد كان رحمه الله مدرسة تليق بالأردنيين والأردنيون يليقون بها ترسم لهم كيف يكون حب الوطن وكيف نحميه ونحافظ عليه من كل يد تعمل على أيذائه. وقد كان نهجه وشعاره الأردن فوق الجميع والمواطن الأردني تخدمه الحكومة وتقدم له كل ما تستطيع.
كان وصفي التل وما زال علامة مميزة وفارقة بين رؤساء الحكومات بل ويعطي لونا لهم عند وضع صورته بين صورهم وعند ذكر اسمه بين أسمائهم. ذلك لأنه كان من التواضع كالعلماء وفي الأخلاق كالأنبياء وفي التسامح كالأب الحاني وفي حب الأردن كثائر لا يقبل أنصاف الحلول.
كان وصفي مرحلة بتاريخ الأردن وحالة يصعب أن تتكرر في بحر متلاطم الأمواج من الفاسدين والفاسقين والمتزندقين أذاقوا الشعب الأردني ويلات الفقر والحاجة والفاقة بينما كان وصفي يحرث ويعزق حديقة منزله ويزرعها بيده الطاهرة. لقد كان عاشقا للأرض والفلاحة ويستمتع عندما يعتني بحديقة منزله بنفسه. وقد كان رحمه الله نموذجا بأخلاقه وتصرفاته وسلوكه للإنسان الأردني لم تأخذ السلطة منه الصفات الأردنية الأصيلة فهو ابن إربد مثلما هو ابن الكرك وابن الطفيلة مثلما هو ابن جرش. لم تغير المناصب طباعه الراقية بل زادته شموخا بأردنيته وافتخارا بمواطنيه.
لقد ضرب رحمه الله المثل بحبه لوطنه وشعبه ولم يثقل على المواطن بل كان المواطن شغله الشاغل للتخفيف عنه ولخدمته. لقد أحرق بيده ملفات المطلوبين أمنيا إيمانا منه بأن الوطن لأبنائه والأبناء لوطنهم، فهل بعد ذلك تسامح؟؟ كان همه المواطن وكيف يرتقي به وليس إفقاره وتهميشه بزحمة اللاجئين.
بالمقابل نرى اليوم الرأي يحارب والكلمة تمحى والوطنية يزج أصحابها بالسجن والإصلاحيون يهمشون والفاسدون يرتقون ومن باعوا مقدرات الوطن يعتلون ويتطاولون، فبأي زمان نحن نعيش؟؟
من يقول الحقيقة يريد تقويض الحكم والنظام، ومن ينتقد الحكومة فهو مناكف ومن يعارض سياسة ما فهو خائن ومن ينافق فهو من المقربين ومن يداهن فهو الذي يرتقي، هل نحن في زمن علامات الساعة الصغرى الصادق كاذب والكذاب صادق والخائن مؤتمن والأمين خائن؟؟
نسأل الله أن يهدي صناع القرار البصر والبصيرة لاتخاذ ما هو بصالح الأردن وأن يرزقنا بمن يدير شأننا مع الأخذ بالاعتبار أن للصبر حدود. كما ندعو الله أن يرزق قيادتنا البطانة الوطنية الغيورة التي تقدم الواقع كما هو من غير تزوير ومن غير تلميع بل بكل ما به من منغصات. بطانة تقدم الإختلاف بالرأي على أنه من باب الحرص على الوطن وليس اختلافا يقدم للملك على أنه معارضة يجب إسكاتها.
حمى الله الأردن والغيارى على الأردن والله من وراء القصد.
ababneh1958@yahoo.com