0020
moasem
002
003
004
005
006
007
008
previous arrow
next arrow

اغتيال قانون اللامركزية!!

منذ عام  2004 لاتكاد تخلو  رسالة ملكية أو خطبة عرش من حث الحكومات ومجالس الامة المتعاقبة، من ضرورة انجاز قانون اللامركزية في المحافظات،  كسبيل للاصلاح الاداري للدولة، ولما تحمل الفكرة الجليلة «اللامركزية» من معاني المساواة والعدالة والمشاركة وتنمية المحافظات .

ويُسجّل الى الحكومة الحالية، وبعد طول انتظار ، انها دفعت بهذا القانون الى مجلس الامة، والذي لا نقول بأنه يُمثّل كل الطموح الملكي والرغبة الشعبية ، ولكنه بالتأكيد خطوة كبيرة ونوعية يُعوّل عليها لتحقيق الاصلاح الاداري المنتظر وتنمية المحافظات وتعزيز المشاركة وتحقيق العدالة والمساواة بين المواطنين وبين مناطق المملكة سواء سواء.

-1-  انّ هنالك محالفة صارخة لم تكن مُتوقعة ، تلك المتمثلة بقرار الجلسة المشتركة لمجلسي الاعيان والنواب الموقرين بحيث أفرغا قانون اللامركزية من جوهره ، حين ازالوا الصفة الاعتبارية عن مجلس المحافظة «البرلمان المحلي» ليصبح ليس الا مسمى آخر للمجلس الاستشاري القائم حاليا الذي هو ليس أكثر من هيئة تقدم بعض التوصيات الى المحافظ ، لا تُقدّم ولا تُؤخّر في الاداء الاداري والتنموي.

وانّ الأخطر من نزع قلب هذا القانون و تركه جثة هامدة في حيثية ما صدر عن مجلس الأمة الموقر ،بما يمكن اعتباره شبهة دستورية واضحة  توفيقاً مع قرار المحكمة الدستورية رقم 1 لسنة 2015 والذي أعتبر وبلا لبس  أن الوحدات الادارية المشكّلة وفق القوانين والمنتخبة لا بد ان تتمتّع بالشخصية المعنوية وبالاستقلال المالي والاداري عن الحكومة المركزية، الأمر الذي ينطبق بوضوح على مجلس المحافظة كما ورد في قانون اللامركزية لعام 2015. وانّ هذه لسابقة خطيرة تمثل قفزا فوق المحكمة الدستورية، والتي من المعروف اعتبار قراراتها كجزء لا يتجزأ من الدستور . أي بمعنى أن مجلسي الاعيان والنواب الموقرين قد خالفا الدستور الاردني وتجاوزا على هيئة في الدولة معنية وحدها بتفسير الدستور  والبت في الطعن في القوانين وهي المحكمة الدستورية .

-2- لقد كنا في الجمعية الاردنية للعلوم والثقافة رفعنا الى جلالة الملك كتابا نناشده به عدم توشيح هذا القانون بعد أن أُفرغ من محتواه الاصلاحي الذي اراده جلالة الملك وانتظرناه طويلا، وبعد أن خالف مجلس الامة  الموقر في إقراره لذلك القانون الذي خرج مخالفاً لما انتهى إليه تفسير المحكمة الدستورية حسبما سنوضحه لاحقاً. ولما لم تتبين لنا الاسباب التي دفعت بالمجلسين الموقرين لاتخاذ هذا القرار والانقلاب على مشروع اصلاحي كبير يتمثل بقانون اللامركزية واعادة الأمور الى ما كانت عليه ولكن بتسمية أخرى، فان مناقشتنا هنا سوف تنصب على بعض الافكار والآراء الواردة بالرسالة التي اسماها دولة رئيس مجلس الأعيان  الدكتو عبد الرؤف الراوبدة بالمغلف الأبيض المرسل من قبله لمجموعة من الشخصيات السياسية الأردنية وكاتب هذه السطور أحدهم ، محاولة للدفاع منه عن قرار مجلس الأمة الموقر حين نزع الصفة الاعتبارية عن مجلس المحافظات.

-3- قرار المحكمة الدستورية رقم 1 لسنة 2015 لقد حسمت المحكمة الدستورية الموقرة بقراراها رقم 1 لسنة 2015 الامر، واعتبرت أنّ مجلس المحافظة انما هو هيئة تنطبق عليها المادة 121 من الدستور عبر ردها الوارد  في ثالثا في ذات القرار والذي أشار» تعتبر المادة 121 من الدستور والتي تخص المجالس المحلية  الأساس الدستوري لانشاء وحدات ادارية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والاداري عن الحكومة المركزية، والتي يكون الانتخاب عنصرا من عناصر تشكيل مجلس ادارتها،و قد اشترط المشرع ان يتم انشاؤها بقانون.

ان المجالس المحلية نظام اداري لا مركزي في الدولة قوامه توزيع المهام و الوظائف العامة في الدولة بين حكومة مركزية في العاصمة و هيئات اقليمية تتمتع بالشخصية المعنوية، و يكون لها الاستقلال المالي و الاداري عن الحكومة المركزية و مثالها البلديات « ، وورد في المادة 4 من ذات القرار» انّ هذا الاستقلال ليس مطلقا بل يبقي للحكومة المركزية حق الرقابة والاشراف على هذه الهيئات والادارات اللامركزية… الخ النص» .

وقد أوضح ذات القرار ، في بنده «الخامس « وبصور جلية انّ»عبارة «المجالس المحلية» كما وردت في مادة 121 من الدستور قد جاءت عامة و مطلقة لتشمل المجالس البلدية والقروية وأية مجالس محلية أخرى، ويمتد نطاقها لتشمل أي وحدات أو مجالس محلية أخرى اذا اتجهت نية المشرع الى منح هذه الوحدات او المجالس الشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والاداري، و يكون الانتخاب عنصرا من تشكيل مجالس ادارتها ما دامت هذه الوحدات و المجالس المحلية تخضع لرقابة الادارة المركزية ..الخ هذه المادة.

مما سبق  نخلص الى انّ ما ذهبت اليه المحكمة الدستورية ليعد أمراً واضحاً ، و ينطبق على مجالس المحافظات، لتوفر كافة الشروط التي وضعتها المحكمة الدستورية كأساس لانشاء الوحدات الادارية، و تمتعها بالتالي بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والاداري، حيث انطبقت شروط هذا القرار على مجلس المحافظة باعتباره قد صدر بقانون اولا، وتوفر شرط الانتخاب ثانيا، ، وتوفر نية المشرع الى انشائه ثالثاً ،وخضوعه الى رقابة الادارة المركزية أخيرا.

وكل هذه العناصر توفرت لمجلس المحافظة  بقانون اللامركزية 2015، الأمر الذي دفع بالمحكمة الدستورية « دستوريا وقانونيا و موضوعيا»لتحديد سمات الوحدات الادارية التي تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والاداري والتي تنطبق بالفعل على مجلس المحافظة.

ولذلك فإن المبدأ القانوني المستخلص من قرار المحكمة الدستورية المذكور فيما تقدم وبين قانون اللامركزية هي علاقة بائنة وواضحة، وينطبق عليها التفسير الدستوري للمحكمة بلا أية شبهة على مجلس المحافظة باعتباره وحدة ادارية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والاداري.

-4- مجلس المحافظة ليس مجلسا استشاريا

يقول دولة رئيس مجلس الأعيان انّ مجلس المحافظة ما هو الا « صيغة تجميلية للمجلس الاستشاري المعمول به سابقا في المحافظات والذي كان يشكل بالتعيين» ،»ما ورد في الفقرة 5 من الصفحة 7 بورقة رئيس مجلس الاعيان المشار اليها».

وهنا لابد أن نستعرض قانون اللامركزية بمادته؟-أ لبيان مهمات مجلس المحافظة كما ورد بقانون اللامركزية لسنة 2015 .حيث نجد ان هذا المجلس عمليا هو هيئة تمثل بالفعل برلمانا محليا، يشرف ويقرّر في كافة الأمور التنموية والمالية وما يترتب عليها من فعل اداري ، فهل نعتبره «مجلس استشاري»كما يقول دولة رئيس مجلس الاعيان مع ان مجلس المحافظة قد أنيطت به صلاحيات اقرار  موازنة المحافظة ومشاريعها و خططها الاستراتيجية والتنفيذية، ومراقبة تنفيذ الموازنات السنوية لجميع البلديات، و اقرار دليل احتياجات المحافظة من المشاريع التنموية والخدمية وتحديد اولويات تلك الاحتياجات، بل واقرار المشاريع الخدمية والاستثمارية و كذلك المشاريع التنموية التي تعود بالنفع العام على المحافظة، بل و مناقشة تقارير عمليات تنفيذ المشاريع والخطط والبرامج التي تتولاها الدوائر الحكومية، و اقتراح انشاء مشاريع استثمارية والقيام بمشاريع مشتركه مع المحافظات الأخرى،ووضع التوصيات والمقترحات للجهات المختصة بما يكفل تحسين الاداء الاداري العام للدوائر الحكومية والمؤسسات العاملة ضمن المحافظة،  وتحديد المناطق الواقعة ضمن حدود المحافظة التي تعاني نقصا في الخدمات والتنمية أو من المشاكل الطارئة واقتراح الحلول لها، واقرار خطة طوارئ المحافظة،  ومناقشة أي من أعضاء المجلس التنفيذي في الموضوعات الداخلة ضمن اخنصاصه و حقه في تشكيل لجان من أعضائه لتنفيذ مهامه أو صلاحياته.بل وفي المادة؟

أورد  « يخصص للمجلس في موازنة المحافظة السنوية ما يكفي لادامة عمله و خضوع حسابات المجلس لتدقيق ديوان المحاسبة ، ووجود مكافآت لأعضاء المجلس وامكانية الجمع بين هذه المكافآت والرواتب التقاعدية «.

فكيف يكون مجلس المحافظة بكل هذه الصلاحيات الادارية والمالية والرقابية ليس الا « مجلس استشاري بتسمية أخرى» كما ورد في ورقة رئيس مجلس الأعيان؟!.

وعلى جانب آخر و لبيان الدور الكبير الذي يطلع به مجلس المحافظة اداريا و تنمويا نرى بأن المجلس التنفيذي الذي يرأسه المحافظ و يضم كبار موظفي المحافظة و الدوائر المختلفة وبالنظر الى صلاحياته التي حددها قانون اللامركزية والوارده في المادة؟-أنجد انه أقرب الى مضمون  « الحكومة الحفلية» في الاطارين الاداري والتنموي « لا السيادي»،ومع ذلك وباستعراض مهماته و صلاحياته فاننا نجد ان هذه الصلاحيات المجلس التنفيذي انما تخضع الى ضرورة احالتها الى مجلس المحافظة لاتخاذ القرار المناسب بشأنها، أي أنها لا تصبح قرارات قابلة للتنفيذ ان لم يُصادق عليها مجلس المحافظة.

مما يؤكد ان المشرّع عندما وضع قانون اللامركزية فانه  قد اوضح الحد الفاصل في الصلاحيات ما بين المجلسين التنفيذي «الحكومة المحلية» ومجلس المحافظة» البرلمان المحلي» ، و رهن نفاذ القرارات التنموية الادارية شريطة تنسيب المجلس التنفيذي واقرار مجلس المحافظة لهذا التنسيب. أي أننا أمام قانون لا مركزية تضمن بناء اداريا جديدا ونوعيا وفعالا يضمن تنظيم العلاقة بين الحكومة والأهالي و يعزز معاني المشاركة والمساواة والعدالة وبالتالي تعزيز روح المواطنة التي نسعى اليها.

-5- الفرق بين مجلس المحافظة وبين اللامركزية الاقليمية و المرفقية  في التشريعات الاردنية فرق واضح بين الاستدلال بقوانين منطقة العقبة الاقتصادية و سلطة اقليم البتراء وسلطة المياه التي وردت في ورقة دولة رئيس مجلس الاعيان  وبين الحالة التي بين ايدينا بقانون اللامركزية ، فالفرق شاسع ويختلف نوعيا ، فوحدة القياس «الكيلومتر» ليست لها علاقة بوحدة الوزن «الكيلوغرام» !. 

فقوانين العقبة والبتراء وسلطة المياه أكسبت هذه المؤسسات الصفة المعنوية وما ترتب عليها من استقلال اداري و مالي، وبالتالي فان قيادة هذه المؤسسات كمجلس مفوضي العقبة أو البتراء أو مجلس ادارة سلطة المياه انما تُمارس نيابة عن هذه المؤسسات ما مُنح اليها من شخصية معنوية ومن استقلال مالي واداري، ولا يوجد أية مشكلة لتداخل او ازدواج الصلاحيات، كون هذه المؤسسات تمتلك بقانونها ادارة واحدة لا غير.

اما في حالة اللامركزية والقانون الذي بين أيدينا فانّ في المحافظة هيئتين، المجلس التنفيذي الذي يرأسه المحافظ والذي تعتبر شخصيته المعنوية مستمدة من السلطة المركزية باعتبار ان المحافظ وا عضاء المجلس التنفيذي هم موظفون معينون ويخضعون الى انظمة الدولة الاردنية التي تشرف الحكومة المركزية على ادارتها، اما مجلس المحافظة فهو مجلس منتخب و اعضاؤه ليسوا بالموظفين ويقومون بمهمات وفق القانون مالية وادارية ورقابية في اطار المحافظة، وبالتالي فان الشخصية المعنوية والاستقلال المالي والادراي لمجلس المحافظه  انما هي ضرورة موضوعية لتمكينه من القيام بعمله كما حدده القانون دون أن يتبع الى المحافظ كما هي حالة المجالس الاستشارية المعمول بها حاليا .

وللقياس وليس للتشبيه فان الصورة تماثل تماما وجود مجلس الوزراء و مجلس الأمة، فكلاهما له صلاحيات مختلفه ولكنها متكاملة وبنفس الوقت فان لكل منهما شخصيته المعنوية واستقلاله المالي والاداري، حيث لم تكن مشكلة ولم يتم التجاوز على الدستور حينما طالب مجلسي النواب والأعيان من ضرورة منح مجلسي النواب والأعيان  منحهما الاستقلال المالي والاداري والذي تحقق بالفعل للبرلمان في اطر تكاملية الدولة و مؤسساتها.

وهنا نسأل ما المانع ان نسقط هذا الامر قياسا على واقع المحافظة بقانون اللامركزية، بحيث يستمد المجلس التنفيذي للمحافظة صفته الاعتبارية من الحكومة المركزية، و بنفس الوقت يكون لمجلس المحافظة شخصيته المعنوية واستقلاله المالي والاداري !

-6- وبعد، فاننا وحين نناشد جلالة الملك بعدم توشيح هذا القانون كما صدر من مجلس الأمة الموقر ،فلقناعتنا بأن هذا القانون لن يكون اداة للاصلاح الاداري و تنمية المحافظات، وان القانون بحلته الراهنة انما هو عودة بنا الى المربع الأول، و ضربة كبيرة وجهت الى تطلعاتنا في الاصلاح الاداري التي يعبر عنها جلالة الملك و ننتظرها جميعا. والله والمصلحة الوطنية من وراء القصد .