الوادي الأخضر: يفيض دمًا ودمعًا..
يعاني مواطنو الغور الشمالي من حالة الفقد المستمر، والوجع المؤلم، لما يحصل بين فترة وضحاها من موت وضياع لأرواح فلذات أكبادنا جراء الاستهار الوظيفي والترهل الإداري للمسؤولين كافة، ابتداءً من رئيس الوزراء وليس انتهاءًا بأدنى موظف، عدا عن انعدام الرقابة الحثيثة لنواب المنطقة وولاة أمرها، من كافة الأطياف المحلية والعشائرية.
غريب جدًا أن تصبح الأغوار الشمالية – وما أدراك ما هي – مجرد اسم على الخارطة، تصبح احتياجاته مجرد دراسة حالة وحبر على ورق، ومشاكله لا تتعدى حدود الندوات للإستعراض، وأخباره ليست سوى كلام عابر لملء السطور.
المؤلم جدًا أن يكون الإنسان بلا قيمة عند المسؤول في الأغوار، هو مجرد عامل خالٍ من كل شئ، ويُطَبَّق المثل المعروف هنا: “ما يحرث الأرض إلا عجولها” ، ما أدهاكم يالعرب! وكأنما قالوها فينا، وأَبَوا أن يُكملوها لنا كأن: “وما يجني ثمارها إلا رجالها”، فـ:الجَني هنا محله الرزق، فلا رزق لنا فيما نحرثه، الرزق في الأغوار الشمالية مُتَبَخِر لأصحاب الـ(الكروش)، لا ناقة لنا هنا ولا جمل، سوى المعنى الأصيل للوطنية والأرض، فحينما تسأل أهلها -البروليتاريا- عنها، حَرْثَهُم يجيبك
تتوالى حالات الفقد في الأغوار الشمالية كثيرًا، أن تصبح مياهها مصائد لأهلها؛ تلك المصيبة.
قناة (الموت) الشرقية، حصدت ما يقارب ألف ضحية من أبناء هذه الأرض منذ بنائها عام ١٩٦٤م -من كلام نائب في المنطقة-، أي في كل عام ما يقارب ١٩,٦ ضحية، كل هذه الأعداد لم تحرك ضمير مسؤول، وكأنما استبدلوها بحجارة، تقسو كقسوة الزمن!
لا احصائيات لضحايا الأغوار الشمالية في سجلات الدوائر والوزارات، فكما أردفت سابقًا، كأنما من كوكب آخر. كل ما نملكه سوى بقايا ذاكرة مهترئة، أكل الدهر عليها وشرب من كثرة المصائب المتتالية، لتكن بعوننا على ما بقى من الآتي..
ما زلت أذكر الضحية المرحوم سليمان، سليمان الذي توفاه الله بعد صراع مع المرض وكلٌّ في غفلة عنه معرضون، ماذا حصل بعد موت سليمان؟! انتفضنا قليلًا وحركتنا العاطفة برهة من الزمن، النتيجة؟ لا بقاء إلا للـ(فاس) اتبعوها بـ(د)، كل منهم (يا أرض اشتدي ما حدا قدي)، (أنا مدعوم)، بالرغم من احالة الدعم للتقاعد في بلدي، لكنه في الأغوار الشمالية ما زال ينتفع به زمرة معينة من المتنعمون والانتهازيون.
عائلة مهدي ابو شعيب: ما زال القلب يعتصر ألمًا لما حصل، ناهيك عن انهيار أبجدية اللغة إزاء ما جرى، كانوا للموت أجمع، وقناة (الموت) لهم أقرب، اتفقوا أن يجتمعوا على الموت، ونحن ما زلنا لم ننوي الإجتماع!
تذكروا من ذهب ضحية فساد الموظفين وتنصلهم من المسؤولية، وترهلهم الإداري، فحقًا الذاكرة لا تسعفني لكثرة المصاب..
أعجبتني جملة ذات لحظة عابرة: “المسؤول يأتي إلى الأغوار الشمالية باكيًا ويغادر باكيًا”
سلة الأردن الخضراء، اسعفوها قبل أن يكتسيها الأحمر فتفيض، وتُفْتَقْ السلة فتضيع !