الوطن وآهات المغتربين …!
كنا نتابع قبل يومين مباراة لإحدى الفرق المفضلة لدينا أبدع فيها الفريق في تسجيل أربعة أهداف جميلة مقابل هدف واحد للخصم، إلا أننا وبالرغم من ذلك كنا ننتظر هدفاً إضافياً مع كل فرصة سانحة نغضب لضياعها !
وقبل حوالي الشهر إختتمت وزارة الخارجية أعمال مؤتمر الأردنيين في الخارج، والذي جاء برعاية ملكية سامية للتأكيد على أن الأردني في الخارج هو إبن الوطن وسفيراً له لا يمكن أن يعيقه مكان أو زمان عن رفع إسم بلده والعمل على تنميته، وقد كان لافتا حضور الحكومة بمعظم وزرائها يتقدمهم دولة الرئيس أعمال المؤتمر، إضافة لسفراء وزارة الخارجية ناهيك عن عدد كبير من المسؤولين الأردنيين ووسائل الإعلام المختلفة لتغطية المؤتمر.
واليوم وبعد مرور شهر تعمدنا فيه التريث في الكتابة عن المؤتمر الذي انعقد مرة واحدة فقط قبل قبل ثلاثين عاماً من المؤكد أن هناك ملاحظات على تنظيم المؤتمر، مثل ضيق وقت الجلسات وإزدحام برنامجها، وبعض الأسماء الهامة من الأردنيين في الخارج التي لم تحضر ونعلم من بعضهم أن ظروفه منعته من ذلك، وغير ذلك مما تم إيصاله إلى المنظمين في وزارة الخارجية وتقبلوه بكل رقي وإحترام وكانوا حريصين على سماعه، إلا أن علينا أن لا ننسي الجانب الملئ من الكأس، فرسالة المؤتمر جاءت لرفع الروح المعنوية للأردني في الخارج والتأكيد أن بلده يكبر به دائماً حتى في أصعب الظروف، إضافة للتكاليف والجهود التي تحملتها وزارة الخارجية من أجل إقامة مؤتمر بهذا الحجم وبحضور تجاوز 600 مشارك من كافة أنحاء العالم حمل معظمهم من الإنجازات والإبداعات ما ترفع به الرأس عالياً، إضافة إلى أهمية إنعقاد مثل هذا المؤتمر في مثل الظروف التي تمر بها المنطقة، كرسالة هامة للعالم بأن الأردن لن يدخر جهداً في الحفاظ على أمنه وإستقراره والإستمرار في تنميته وإعماره، ليبقى حديقة غناء حتى ولو كان وسط حريقة.
وربما لا تسعفنا السطور في التطرق لكل ما دار في المؤتمر من أحداث مزدحمة على مدار أيام ثلاثة، لكن ما أثلج الصدر هو تقبل المسؤولين لكل الملاحظات التي وضعت بين أيديهم ومناقشتها بصدر رحب، وقد إجتهدنا في إيصال ما إستطعنا إيصاله مما نعتقد بأهميته لكل أردني وأردنية، سواء فيما يتعلق بالنظام التعليمي، أو الخطاب الديني، أو إستثمار طاقات الشباب الكامنة، إضافة لمناقشة الشأن الإعلامي بكافة تفاصيله مع معالي وزير الإعلام الذي لم يتردد في مناقشة وتقبل كل الملاحظات بأريحية وأخلاقية عالية من قبل مجموعة الإعلاميين الأردنيين في الخارج التي كنا أحد أعضائها في المؤتمر، بل وعمل معالي الوزير المومني مع وزارة الخارجية على ترتيب لقاء المجموعة برأس هرم السلطات التنفيذية والتشريعية، إضافة للقوات المسلحة التي أطلعت المجموعة على الأوضاع على الحدود السورية من خلال الوصول إلى سد الوحدة في سهل حوران، مما ترك أكبر الأثر لدى المجموعة من خلال إستشعارهم إدراك الحكومة أهمية دور الإعلام في تنمية الوطن والحفاظ عليه.
وبالرغم من كل ذلك هناك من شكك في المؤتمر ووصفه بالفاشل حتى قبل أن يبدأ، لكن الحقيقة التي نعلمها هي أن المنظمين أنفسهم يقرون بأن هذا المؤتمر هو خطوة للبناء عليها وتطويرها بداية من إقرار تنظيمه كل عامين، ومما يؤكد أهمية مثل هذا المؤتمر أن أحد نتائج المؤتمر الوحيد المنعقد قبل ثلاثين عاماً كانت الموافقة على وجود الجامعات الخاصة في الأردن بعد أن كان الملك حسين رحمه الله يتحفظ على وجودها قبل ذلك كما سمعنا من معالي الدكتور مروان كمال في لقاء جمعنا به مؤخراً !
هناك سلبيات في بلادنا كحال كل بلدان العالم لكن بالتأكيد ليس كل ما فيها سئ وهذا ما قصدناه في أول سطرين، فنحن بطبعنا نطمع بمزيد من المحبة والاهتمام من بلادنا دائماً لأننا ببساطة نحبها، تماماً كما نطمع بمزيد من الأهداف من فريقنا الذي نحب حتى ولو نجح في تسجيل عشرة أهداف، ولكن الوطن يستحق منا أن ننظر إلى الايجابيات الجميلة فيه ونعمل على الحفاظ عليها، فكلنا نتفق مهما إختلفت أصولنا وميولنا بأن بلدنا خط أحمر، خط أحمر لأنه بيت أهلي وأهلك ولا يوجد من يهدم بيت أهله بيديه حتى وإن خرج منه ابن عاق أساء له يوماً، فأحياناً نتعرض كمغتربين لمواقف موجعة من بعض أصحاب النفوس المريضة ممن يسيئون للوطن ويضربونه في الصميم باستغلال إبن الوطن المغترب طمعا وجشعا منهم، وقد طلبنا من السلطة التشريعية العمل على تفعيل دور وزارة الخارجية في محاربة هذه الظاهرة حتى لا تخسر بلدنا أبنائها ممن تصل بهم الأمور أحيانا إلى عدم العودة نهائياً بسبب موقف كان يمكن معالجته في حينه بكل حزم.
أن نطمع في كرم بلدنا ومسؤوليها هذا حق مشروع لكل مواطن، لكن علينا واجبا أيضاً أن نكون يداً بيد مع كل مسؤول صادق في بناء بلدنا وتنميته، ولا نبخل عليه بكلمة “شكراً” والشد على يده عندما يحسن في عمله كما ننتقده إذا أساء، فحتى الأب في المنزل ينزعج من أولاده عندما يهملون شكره والإهتمام به وإيصال ملاحظاتهم له بسبب بعض اخطائه، أو من مبدأ أن كل ما يفعل هو واجب عليه وهم غير مطالبين بشئ.
لذلك علينا أن نقول “شكراً” لوزارة الخارجية على ما قامت به من أجل أبناء بلدها ونطمع منها بالمزيد من تسجيل الأهداف لأننا إعتدنا الكرم الهاشمي الذي ليس له حدود، ولا نريد السماح لمقولة أن هذا المؤتمر انعقد ليكون مجرد تلميع وتحسين لسلبيات الحكومة الحالية أن تكون حقيقة، فالأهم هو متابعة توصيات ونتائج المؤتمر والعمل على تحسين التواصل مع الأردنيين في الخارج على كافة المستويات وفي أماكن وجودهم لإستثمار كل الطاقات الوطنية المخلصة في بناء الوطن وحمايته، فالمغترب ليس حقيبة أموال متحركة كما يعتقد البعض، بل إنسان يصارع الشيب رأسه في كل يوم يقضيه خارج الوطن للبحث عن دخل بالكاد يكفيه مع عائلته، بل ويدفع ثمن ذلك من عمره وصحته وتواصله مع أهله وأحبابه في الوطن، ناهيك عن خسارته فرص النجاح داخل وطنه، ولعل والدنا الذي قضى 26 عاماً في بلاد الإغتراب ليكتب الله له مفارقة هذه الدنيا رحمه الله بعد ساعة فقط من وصوله أرض الوطن أحد الأمثلة التي تؤكد ذلك، والتي عليها أن تذكرنا دائماً بآهات المغتربين التي تتردد في صدورهم شوقاً عند زيارة وطنهم، وألما على كل يوم ينقضي وهم بعيدين عنه.