اتقوا الله يا كتاب الفتنة والكراهية
اتقوا الله يا كتّاب الفتنة والكراهية!!
الدكتور محمد السنجلاوي
تعد قضية التوطين، من القضايا التي أخذت وما زالت تأخذ مساحات واسعة من الصحف الأردنية – الورقية منها والإلكترونية – إضافة إلى الكثير من الندوات، والمحاضرات، واللقاءات الإذاعية، والمتلفزة.
إن أغلب تلك المساحات، كانت تضج بأنفاس رفضوية، لعملية التوطين، وكانت معادية بشكل صارخ لأية طروحات توطينية، مهما كان شكلها أو مصدرها، مدرجة كل من كان يحمل مشروعا من هذا اللون – سراً كان أم علناً – تحت مصنفات متعددة حادة اللهجة، واصفة صاحب ذلك المشروع بالعمالة، والخيانة، والتواطؤ، ونكران الجميل.
لا شك بأن كل من يجنح نحو التوطين، لا أقول فقط بأنه يغرد خارج قلب الوطن، وخارج أسوار الضمير العربي، والإسلامي، والإنساني، وإنما أقول بأنه عازف محترف على قيثارة الصهيونية، ومجرم خطير صاحب جريمة مزدوجة بحق كل من (فلسطين والأردن) وبالتالي كل من يخون فلسطين بهذا الإتجاه، فهو حتماً سيخون الأردن بكل الإتجاهات.
بناء على ما سبق، فقد تناولت كثير من الصحف، تصريحات منسوبة إلى النائب الحجوج، تتضمن مطالبته بتفجير دائرة “المتابعة والتفتيش” بالديناميت، وفي الوقت نفسه تناولت صحف أخرى، تصريحات تبريرية للنائب نفسه مفادها: بأن ما نسب إليه كان غير صحيح جملة وتفصيلاً، ولم يتعد الأمر سوى سلخ تصريحاته من سياقها، مطالباً كل من اتهمه باطلاً مراجعة تلك التصريحات، ضمن السياق الطبيعي والمنطقي الذي اندرجت فيه.
لست الآن بصدد تبرئة النائب الحجوج، أو عدم تبرئته ولكنني بصدد القول: إنه لزاماً على الدولة ألا تدع الأمر يمر بسهولة، وأن لا تصف تلك التصريحات بأنها سحابة صيف عابرة، تلك المحاسبة حتماً لن تكون إلا بعد التمحيص والمجابهة بالأدلة الدامغة، والبراهين القطعية، وفق قنوات قانونية يكون فيها القانون والقانون فقط هو الحكم والقاضي، حتى لو اقتضى الأمر إلى رفع الحصانة عن النائب، التي تمتع بها في ظل المجلس الجديد.
على كلتا الحالتين، سواء ثبت أم لم يثبت عليه ما نسب إليه، فإنه لزاماً على الجميع – بخاصة الصحافة والإعلام – توخي الحذر الشديد، والدقة المتناهية، قبل تفجير قضايا حساسة ومفصلية، في وقت حساس، وحرج، وملتبس، يمر به الوطن، وتمر به المنطقة برمتها، فالأجواء محتقنة والأراجيف لا تهدأ ولا تنام، ويد الفتنة أصبحت أكثر طولاً من أي وقت مضى، مذكراً الجميع بضرورة لعنها ولعن كل من يحاول أن يسهل لتلك اليد القذرة، العبث في النسيج الوطني، والعزف على أوتار التحريض، والمشاغبة، وخلخلة أوتاد (الولاء والانتماء)، وبالتالي تحويل الوطن إلى خيمة بلا أعمدة في مهب الرياح والأعاصير العاتية.
إن الغريب والمؤلم في قضية النائب الحجوج، هو سلوك بعض الكتّاب المَشين في تناول القضية من زاوية ضيقة جداً، برهنت لكل من تابع تلك الكتابات بأنها سلكت مسلك “الشوفينية”، واعتلت منبر الخطاب المزدوج المأزوم، موقعة أصحابها في فخ التناقضات الفاضحة.
البعض فعل ذلك متسللاً من سراديب الفتنة المظلمة والنتنة، فتارة تجده يُعلي من شأن العقل، وينحاز إلى خندق القانون وخندق الوطن، وتارة أخرى تجده في المقال نفسه ينحاز إلى لغة العواطف، حاطاً من شأن العقل، ومنحازاً إلى خندق الحرب الأهلية، وخندق التحريض البغيض.
على سبيل المثال لا الحصر، أقتبس هذه الكلمات، التي اختتم بها أحد الكتّاب مقاله، الذي كرسه للرد على النائب الحجوج: “للحجوج وسواه نقول: هذا البلد له أهله ورجاله. وعندما يجد الجد، لن تجدوا في مواجهتكم سياسيين مستعدين لبيع الأردن مقابل منصب، بل مقاتلين مستعدين لافتداء تراب البلد وهويته بالأرواح”.
لا أخفيكم بأنني عندما قرأت تلك الكلمات، انتابني حزن شديد وفزع أشد، مما جعلني أتساءل: لماذا يحاول البعض الترويج لمفهوم جديد، أستطيع تسميته بـ (الإستشهاد المُسيّس) على أرض الوطن؟!
بمعنى تأجيج الساحات والمنابر، بخطابات التجييش والتحريض، التي تقطر إقليمية وعنصرية، تشحن الإبن ضد أبيه، والأخ ضد أخيه، والزوج ضد زوجه، والكُلى ضد الكبد، واللحم ضد العظم، وتشحن.. وتشحن.. وتشحن…
حتى نصل في نهاية المطاف، إلى حرب تطحن أهلها وشبابها ووطنها، تاركين المجال واسعاً لوسائل الإعلام الغربية وحتى العربية، الدخول في لعبة عدّْ الضحايا الذين سيتحولون إلى (شهداء..!!) كما حدث ويحدث في بعض الدول العربية، التي أبدعت في صناعة (الإستشهاد المسيس) فالأب القاتل يتحول إلى مجاهد، وإذا تعرض للقتل فيما بعد فإنه يتحول إلى شهيد مأواه الجنة ونعم المصير، والإبن المقتول يتحول إلى كافر مأواه جهنم وبئس المصير!!.
فإذا كان ذلك النائب (إذا ثبتت التهمة عليه) قد ارتكب خطئية بتصريحاته التي تدعو إلى التوطين، أو التجنيس، أو استخدام مصطلحات ومطالبات مُقيئة، ومُقززة، ونتنة، كالمحاصصة من أجل مغازلة شرذمة من ناخبيه، فإن بعض الكتّاب قد ارتكب جريمة بحق الوطن، وذلك عندما استخدم مصطلحات القتل والإقتتال؛ للرد على تصريحات حَجّت على لسان “النائب الديناميت” إلى مهاوي الفتنة التي لا يردعها ولا يعمل على وأدها إلا القانون، والتحلي بروح الحكمة، والإنصات إلى صوت العقل، بدلاً من استخدام “النووي” في مجابهة “الديناميت” لهؤلاء أقول: إذا سحبتم خناجركم.. اتقوا الله في خاصرة الوطن.
إن يختلف ماءُ الوصالِ فماؤنا عذبٌ تحدّرَ من غمامٍ واحدِ
m.sanjalawi@yahoo.com
الدكتور محمد السنجلاوي