0020
moasem
002
003
004
005
006
007
008
previous arrow
next arrow

سأصبح شيخاً

قررت مساء هذا اليوم، أن أصبح شيخ عشيرة، وبعد تمحيص للفكرة الطارئة،وجدت أن الأمر جِدُّ بسيط وممكن،خصوصا بعد أن نَفَدَ الشيوخ الأقدمون ولم يبق منهم أحدٌ ليحرجني بالسؤال عن بطولاتي التي تؤهلني (للمشيخة).

ووجدت من طبيعة الحال، أنه لا  يلزمني لهذا، أن يكون أبي شيخاً سابقاً أومعاصراً، ولا يلزمني أيضا فك الأسير، ورَدُّ الغزوِ، والإغارة على القبائل الأخرى وسلب ما لديهم، ولا الإتيان بحليب السِّباع، من مرابضها في الغبراءْ، ولا صيد الشواهين بالنبل والقوس وهُنَّ في كبد السماء، ولا مقارعة الصناديد بالسيف الصقيل، والرمح الطويل،ولا السعي في حوائج الناس، بغير التماس منفعة منهم.

الأمر بسيط فإما قرارُ تقاعدٍ،وإما مَلَلٌ من الأعمال، بعد أن نجحت تجارتي،ولم يعد المال وحده يشبع نَهْمَتي.

ومهمات الشيخ في هذه الأيام جدُّ بسيطة، فلا تعدو شرب فنجان قهوة جديد، خَلَفاً لذلك الذي بَرَدَ، بعد الأخذ والرد المُمِلِّ، خلال مراسم عقد قرانٍ  معقودٍ  سلفاً.

والحضور المفروض في كل المناسبات الوطنية،والجلوس في الصفوف الأولى، والتصفيق المستمر، لأية خطبة مكررة،وإظهار الوقار والجديَّة، والتحديق باشمئزاز،أو بوجه جامد يخلو من التعبير، عندما يوجه البسطاء حديثهم إلي.

يلزمني أيضا تحضيرُ خطبةٍ ركيكةٍ،تتعلق بالزواج،أكررها دوما ولا أبَدِّلُ فيها إلا أسماء العروسين،ويمكن الحصول عليها من الأنترنت،إضافةً إلى قراءة أيات من القرآن بالفصيحة أو العامية،فلن يعترض أحدْ!.

وتحضير خطبة أخرى في إصلاح ذات البين، وهذه قد لا ينفع فيها “الأنترنت” نظرا لتعدد حالات الإصلاح خلافاً لحالات (الخطبة النمطية) التي لا يتغير فيها إلا الأسماء ، ومثل هذه الخطبة يمكن الحصول عليها بالاختزال، من خلال ممارسة الحضور في عطوات متعددة،أو في دعوة لغداءٍ او عشاءٍ دَسِمٍ أُدَشِّنُهُ للشيوخ الجدد، الذين سبقوني في هذا المضمار، والاستماع الى مغامراتهم التي يصفون بها قوة شكيمتهم  وسرعة بديهتهم  وأكون فيها مستمعاً جيداً حتى أراكم خبرة من تجاربهم، كما سأضمن من خلال المائدة الدسمة، أن يصطحبوني معهم لأمارس المشيخة وفق الأصول.

أما لوازم (الشيخة) فلا أظن بأنها مُكْلِفَةٌ، فما يتعلق بالمظهر العام، سأشترى عباءةً شفافةً، وثوبا أبيضَ أو مقلماً ليس شرطاً،وحذاءً مدبباً لامعاً،وعقالاً عريضا مائلاً، وشماغاً جديداً مرشوشاً بالنشا، ليبقى منتصبا في منتصفه، ومستقيما ممتدا للأمام من طرفي وجهي.

كما يلزم أيضا شراء ساعة جديدة، وخاتم فضة بحجرٍ يمكنني الإدعاء بأنه حَجرٌ كريم، أما بالنسبة للسيارة، فتكفي (مرسيدس بطة) ففيها اتساق مع العباءة، سواء كانت سوداء أو بُنِّيِّة.

وفيما يتعلق بالاعتراف الرسمي (بشيختي)فالأمر سهلٌ أيضاً إذ سأجمع مئة من تواقيع أبناء العشيرة-بعد أن ادعي أن عشيرتي لا تملك شيخا في الوقت الحالي-ويصلح لهذا أن أباغت أقربائي بالورقة التي اجمع التواقيع عليها، في أقرب مناسبةٍ (كعرس) وسيخجلون بالطبع ويوقِّعون- فما المشكلة ماداموا لا يخسرون شيئا بشيختي المنتظرة- بل قد أجُرُّ لهم المنافع إن اشتهرت،وأصبحت لي يدٌ طائلة، في عالم المشيخة،ثم بعد جمع التواقيع أرفع الورقة إلى الديوان سريعاً، وأصبح بعد الموافقة شيخاً رسمياً، تتم دعوتي لكل المناسبات الرسمية ونصف الرسمية وحتى الأهلية.

عندئذٍ سأصبح مشغولاً بمقتضيات المشيخة،وأكون مهما جداً في أعين الناس، ثم لضياع التاريخ الموثوق، سأدعي أنني استرددت(بشيختي) حقا كان لجدي،وربما ادعيت نسبا للعترة الشريفة، وجئت بمخطوطة مزورة، فصرت شريفا أنتمي للشرفاء، ولا ضير بعد أن أبذل وسعي في التردد على المناسبات بدعوة وبغير دعوة، وأن أهيئ نفسي للانتخابات البرلمانية، ويكفي لترديد أسمي أن أقتنص المناسبات العامة، لأهنيء الناس عبر لافتات أنثرها في الطرقات،أتمنى لهم فيها عيداً سعيداً،ورخاءً دائماً وعيشاً هنيئاً.