مبادرة الرئيس بوتين .. هـل يأتـي الغـوث مـن موسكـو ؟
1 – ربما أكتب بتفاؤل لأن روح العروبة غريقة .. و الغريق يتعلق بقشة
-2– الرئيس بوتين كان الاسبوع الماضي أدلى بحديث/ مبادرة حول الحرب في سوريا حيث اقترح قيام تحالف سعودي/تركي/ سوري/أردني للوقوف بوجه الارهاب والتشدد من داعش والنصرة ومن هو في خندقهما، باعتبار ان الأولوية المطروحة اليوم على المجتمع الدولي بعامة، وعلى دول اقليمنا بخاصة هي مكافحة الارهاب ووقف تمدده بل ودحره،والانتهاء من شروره التي تستهدف الجميع ، والتي وان نجحت فانها لن تبقي ولن تذر..
والحقيقة انها مبادرة جريئة وتشكل اختراقا سياسيا كبيرا، ليس لانها تدعو الى وحدة الاضداد فحسب، بل ولأنها السبيل الوحيد والعملي للانتصار على الارهاب، عبر توحيد الجهود والعمل بآليات واحدة لمواجهته. وعلى أي حال فان قراءة سريعة لمبادرة بوتين توحي بأنها مجرد كلام يندرج تحت بند التمنيات …الا ان رصد التحركات السياسية التي سبقت تلك المبادرة يمكن أن يفضي بنا الى استنتاج من نوع آخر…
فقبل المبادرة بقليل كان الشخص الثاني في السعوديةزار موسكو واجرى مباحثات معمقة صدر عنها ما يشير الى ان الطرفين يتقاسما الكثير من المفاهيم لرؤيتهم لواقع الاقليم العربي وكيفية التعامل معه. وليس صحيحا ما ذهبت اليه بعض وسائل الاعلام بالقول ان السعودية تحاول شراء «السكوت الروسي» مقابل المال او صفقات تجارية…! فروسيا بوتين ليست روسيا غورباتشوف، « أورد وزير الخارجية الامريكي جيمس بيكر في مذكراته بأن الرئيس غورباتشوف قد المح الى دعم مالي «عربي» مقابل السكوت على ضرب العراق».
فروسيا اليوم دولة عظمى بكل المقاييس وتسعى الى تأكيد حضورها الدولي على كل الصعد، ولا أظن ان مواقفها معروضة للبيع . كما ان محادثات وزير الخارجية الروسي لافروف في أنقره مؤخرا،و العلاقات الروسية الاردنية المميزة والتي تشهد تواصلا مستمرا بين القيادتين تجعلنا نستشف بأن كل من أنقرة و عمان ربما لم تتفاجآ بحديث الرئيس الروسي.
واذا ما علمنا بأن المبادرة قد طرحت ابان وجود وزير الخارجية السوري» المعلم» في موسكو وموافقته الفورية عليها فان ذلك يعني أن الاطراف الواردة في المقترح الروسي لبناء هذا التحالف ربما كانت جميعهاعلى علم بما سوف يصدر عن الرئيس بوتين.
ما يعزز ذلك انه لم يصدر اى رد فعل سلبي من الدول الاربعة على هذه المبادرة، بل صمت يمكن تصنيفه بأنه انتظاره دبلوماسية … لمزيد من الدراسة والمتابعة بل وربما ترقب لردود فعل دولية محتملةتجاه ما صدر عن الرئيس بوتين.
و لابد أن تلك المبادرة قد أخذت قسطها بمباحثات وزير الخارجية السعودي في عمان أمس الأول. أن هذه المبادرة لم تأت بمعزل عن القوى الدولية الاخرى المؤثرة في صراعات منطقتنا،كما هو في ذاك التحول في الموقف البريطاني واعتبار داعش خطرا على الامن البريطاني، وطلب رئيس الوزراء من البرلمان أن يسمح للطائرات البريطانية ان تقصف داعش داخل سوريا.
و ليس ببعيد عن ذلك تصريح الرئيس الامريكيبضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية في سوريا « بدون الرئيس الأسد» ، وهذا بحد ذاته تطور في الموقف الأمريكي واقترابا من موسكو والذي يعني ان الولايات المتحدة الامريكية لم تعد مصرة على تكرار ما جرى في العراق بعد غزوه عام 2003 … في سوريا ، وهذا ما يفسر الرفض الامريكي لقيام منطقة عازلة في الشمال السوري استجابة للطلب التركي.
اذا وفي ضوء أولوية محاربة الارهاب التي يتفق عليها الجميع فان الوقائع موضوعيا تدفع نحو اعادة النظر في التحالفات القائمة واساليب التعامل مع الارهاب ومكافحته.وان كافة الاطراف التي شملها الاقتراح الروسي كأعضاء في الحلف الجديد المقترح لها مصلحة مباشرة بقيام هذا الحلف لانه يستهدف عدوا مشتركا من جهة، ويحاكي المصالح الوطنية في كل من هذه الدول من جهة أخرى.
-3- فالسعودية وباعتبار أن مفتاح حل قضايا المنطقة بما فيها الموضوع اليمني يبدأ بانفراج الوضع السوري، وبالتالي يمكن للسعودية من الوصول لاحقا او بالتوازي الى حل سياسي للمأزق اليمني، والتي أثبتت العمليات العسكرية بأنه موضوع لا يمكن حسمه في الميدان، فالحوثيون وأنصار الرئيس هادي وبالرغم ما يزيد عن مائة يوم من القصف الجوي لا زالوا في مواقعهم بين كر و فر، و ان الحرب تزداد استعارا وان اطالة أمدها يمكن ان تؤدي الى حرب برية بين السعودية واليمن قد تصل الى العمق السعودي كما شاهدنا مقدماته بقصف المدن السعودية .
وان المصلحة السعودية في اقتراح الرئيس بوتين سوف تؤدي الى وقف امكانية المواجهة المذهبية والتي بدأت تطل برأسها القذر بتفجيرات المنطقة الشرقية .
ان سبب الربط بين ما يجري في سوريا وما يجري في اليمن هو أن هذا الحلف قد يؤدي الى تحييد ايران و حزب الله هذا اذا لم يذهب بنا التفاؤل بعيدا لتصبح ايران جزءا من التحالف المقترح . هذا بالاضافة الى الاكلاف المادية العالية التي تتحملها الموازنة السعودية سواء بحرب اليمن او بحرب سوريا.
-4- ولتركيا كذلك مصلحة في ذلك، فالخشية التركية من التمدد الكردي في الشمال السوري و ارتباطه بالكينونة الكردية القائمة فعليا في العراق والتي لها مواصفات الدولة دون «اعلان» والنجاح الكبير الذي حققوه الاكراد في الانتخابات التركية الأخيرة يعني ان للهواجس التركية ما يبررها و انها امام تهديد حقيقيمحتمل ببزوغ دولة كردية قد تقضم كل الجنوب التركي مستقبلا .
علما بان قوى الارهاب من داعش وغيرها لا تنظر بايجابية الى نظام الجمهورية التركية وتصنفها في خانة العلمانية و الكفر.
-5- ونحن هنا في الاردن ليس باندفاع اقل من غيرنا من ضرورة القضاء على الارهاب والحفاظ على وحدة شعب و ارض سوريا، فالارهاب اليوم يحتل عمليا جل حدودنا الشمالية والشرقية مع سوريا و العراق، وان داعش اليوم هي في تدمر، اي انها على بعد مرمى العصا من السويداء والتي وان سقطت بيد الارهاب نتوقع مئات الالوف من اللاجئين الجدد ينضمون الى مليون و نصف لاجئ سوري لدينا، يثقلون بنيتنا الاقتصادية و نسيجنا الاجتماعي ويضغطون على مواردنا التي هي شحيحة بالاصل خصوصا امام « بخل الاشقاء» وعدم تقديم الدعم الجدي للأردن لمواجهة آثار اللجوء التي لا تحتمل.
وما يرفع القابلية الى ان يكون الاردنضمن هذا التحالف ذاك الموقف العدائي والاستهداف المعلن للاردن من قوى الارهاب من داعش و غيرها . وان الكشف مؤخرا عن عمل تخريبي كبير «تابع الى ايران» كان يستهدف الاردن يجعل من مبادرة الرئيس بوتين سبيلا لنا في الاردن لحماية أمننا الوطني وعدم تمدد الخلافات الدموية المذهبية في كل من العراق وسوريا الى بلادنا
-6- اما سوريا فان مصلحتها في هذا الحلف لا تحتاج الى كثير من التحليل ، فالشعب السوري الشقيق يعيش منذ ما يزيد عن اربعة سنوات في ظلال حرب مجنونة عبثية بلا نتائج تتداخل بها العقائد والمذاهب والاصطفافات السياسية وبالتالي فان مصلحة سورية ان تكون ضمن هذا التحالف الذي سوف ينهي عزلتها العربية والدوليةمع ضرورة ان يتساوق ذلك بتشكيل حكومة ائتلاف وطني في سوريا على قاعدة تفاهمات مبنية على شكل و مضمون النظام السياسي القادم أساسه احترام حرية الناس و تغليب مفهوم المواطنة واشاعة مفهوم الديمقراطية و حرية الاختيار والانتهاء من كافة المعطيات التي دفعت سوريا الى أتون تلك الحرب، وان النشاط الروسي المستمر بجمع اطراف المعادلة السورية انما يسير بخط موازي مع تلك المبادرة و يزيد من امكانية نجاحها .
-7- و أخيرا يلاحظ ان الاقتراح الروسي لم يشتمل على مصر وايران واعتقد انه استثناء مؤجل مرده الى العلافات السعودية الايرانية التي هي في الحضيض و ذلك التباين الكبير في السياستين التركية والمصرية حيث أن اقتراح وجودهما منذ البداية يمكن أن يعيق خروج المبادرة الى النور.
الا ان وجود سوريا في هذا الحلف انما يعني وجود ايران كذلك على خطه، و وجود السعودية و الاردن انما يعنيأن مصر ليست بعيدة عن خط هذا التحالف ايضا. وبعد… فان علينا كعرب وبالذات في الاقطار التي ابتلت بحروب «الردة» على العروبة وبحروب «الخوارج» على الاسلام يدفعنا باتجاه دعم المبادرة الروسية لانها ربما تكون خطوة على طريق وقف الحروب و حماية شعوبنا ووحدة أقطارنا واعادة اعمارها … عسى ان نستأنف حياتنا العربية بأجواء يسودها السلم والتفاؤل .