التسويق الاحتيالي
يستخدم التسويق في الترويج، للسلع والخدمات التي تقدمها، شركة، أو مؤسسة، أو محل تجاري، ويقوم أصحاب العمل، والموظفون الذين يعملون عندهم، بالعمل على جذب الناس للقيام بالشراء منهم والتعامل معهم، ومحاولة استقطاب جميع الشرائح المختلفة من المشترين، فيربط التسويق بين احتياجات الأشخاص والقدرة على توفيرها لهم، عن طريق الإعلانات، والعروض المنتشرة في وسائل الإعلام بأنواعها، المكتوبة، والمسموعة، والمرئية، ولكن يوجد نوع مستحدث من التسويق، يسمى التسويق الاحتيالي ( المخادع ): ويهدف إلى القيام بجذب الناس، والإيقاع بهم، للتعامل مع الشركات، أو المؤسسات التي تروج للخدمات التي تقدمها، من خلال اتباع الاحتيال والخداع في محاولة كسب تعامل الأفراد معهم.
يهتم أسلوب التسويق الاحتيالي، في تدريب الموظفين التابعين للشركات على القيام بتقديم العروض والخدمات للأفراد، باستخدام أساليب لطيفة، ومشجعة، ومحفزة لهم، وبعد أن يتم خداع الشخص الذي يتم التواصل معه، يجد نفسه قد وقع في عملية احتيالية، مدروسة، بطريقة محبوكة وجاهزة، فيقع الكثير من الناس في حفرة هذه الأساليب التسويقية، التي تتبعها الكثير من الشركات، والمؤسسات، والمحلات التجارية، والتي يكون هدفها الوحيد هو زيادة مبيعاتها، مهما كانت الطريقة التسويقية التي يتم اتباعها لتحقيق الربح المالي.
ومن الأمثلة التي يجب تسليط الضوء عليها، والمتعلقة بالتسويق الاحتيالي، بعض المراكز التي تعطي دورات مختلفة في عدة مجالات تخصصية، ومهنية، وتدريبية والتي تهتم أيضاً بإعطاء دورات تقوية للطلاب، وقد حصل معي موقف مرتبط بها منذ أسبوع تقريباً، فاتصلت بي موظفة من أحد تلك المراكز التي تقوم بإعطاء دورات، وعندما قمت بالرد على المكالمة، قالت لي: معي مجد خضر، فقلت لها: تفضلي، فبدا صوتها مليئاً بالسعادة، فقالت: ( ألف ألف مبروك، حصلت على منحة دراسية من مركزنا، ثلاث دورات مجانية، ومفاجأة عند التسجيل، لأنه تم اختيارك من بين ثلاثة وثلاثين ألف شخص، باعتبارك شخصية VIP، متى بتحب تيجي عنا؟ ).
تفاجأت جداً عند سماعي لحديثها، وبدأت بسؤالها مستفسراً عن سبب ترشيحي لهذه المنحة، ولكنها حاولت التهرب من الإجابة، وأخبرتني بوجوب قدومي للاطلاع على طبيعة الدورات ومعرفة تفاصيل أكثر، وإلا سوف أفقد الدورات المجانية، فطلبت منها وقتاً للتفكير، ولكنها رفضت وأصرت على الاستعجال في قدومي إليهم، فوجدتُ أن فكرة الثلاث دورات مقنعة جداً، وخصوصاً بأنهن مجاناً، فاتفقت معها على موعد، وذهبتُ إلى المركز، وما أن رأتني حتى استقبلتني ببشاشة وابتسامة، وأخذتني في جولة بأرجاء المركز، وبدأت بشرح امتيازاته وايجابياته، وبعد انتهاء هذه الجولة، والعودة إلى مكتبها ظهرت الطامة الكبرى.
وبدأ حوار جديد، مختلف عن الحوار السابق، فقالت: ( أنت هيك اخدت جولة في مركزنا، وبدنا نبلش نحكي جد، دورة التوفل عليها خصم الك انت بس، خمسة وستين بالمية، هي بتكلف ألف دينار، بعد الخصم الخاص فيك، بتصير ثلاثمية وخمسين، والدورات الثلاث مجاناً ). عندها بدأت أشعر بأني سأقع في فخ النصب والاحتيال، فأوقفتها قائلاً: ( ما حكيتلي في المكالمة أنه الشرط لأخذ الدورات المجانية هو تسجيل دورة توفل ودفع ثمنها، وكل كلامك عن الموضوع في المكالمة انها منحة مجانية )، فأجابت : ( ما هو هيك بنعمل بنتصل بالشخص عشان نخلي يجي عنا، وبعد ما يجي بنشرح له أكثر )، فقلت لها: ( إذاً هذا أسلوب تسويق؟!!! )، ارتبكت من ردي، فقمت بإنهاء هذه المقابلة، وغادرت المكان بهدوء دون إثارة أي مشكلات.
اكتشفتُ بعد إخباري لما حصل معي لبعض من أصدقائي، بأنهم قد تعرضوا للأسلوب التسويقي الاحتيالي ذاته، من ذلك المركز، ومن مراكز أخرى أيضاً، وتم إخبارهم بالمعلومات نفسها، وخصوصاً بأنهم أشخاص مهمون، وتم اختيارهم باعتبارهم VIP، فهذا الأسلوب الذي يعتمد على التلاعب في الكلام، يجعل تركيز الشخص بعيداً عن الفخ الموجود في الكلمات، وفي الموقف الذي حدث معي كان الاحتيال في الاختيار من بين ثلاثة وثلاثين ألف شخص، ومع أني كررت سؤالي أكثر من مرة لتلك الموظفة، عن سبب ترشيحي لهذه المنحة، ومحاولة معرفة من قام باختياري للحصول عليها، ولكنها حاولت في كل مرة، التهرب من الإجابة، معللة ذلك بأنه من المؤكد من رشحني يهتم في تطور قدراتي الأكاديمية بشكل أكبر.
لقد كتبتُ مقالات تناولت مواضيع عن النصب، والاحتيال اللذان يتعرض لهما الناس، سواء من بعض التجار، أو أصحاب المحلات، أو من مراكز الدروس الخصوصية والتي يتعرض لها الطلاب خصوصاً، من تلاعب في الأسعار، إلى تزيين الإعلانات التي يقومون بنشرها، ولكن لم يخطر ببالي أن أواجه أسلوباً متقناً في النصب، والاحتيال يعتمد على تدريب أولئك الموظفين، من أجل الايقاع في الناس، بفخ لن يخرجوا منه بسهولة، وجعلهم يلتزمون في دفع مبالغ مالية، لم تكن في حسبانهم.
يجب على كل صاحب عمل، المحافظة على سمعته، وسمعة عمله، والابتعاد عن الأساليب الملتوية في التعامل مع الناس، فاستخدام مثل هذه الأساليب سيحمل نهايات لن تحمد عقباها، وبالنسبة لذلك المركز، وكل المراكز التي تنتهج الأسلوب المحتال في التسويق، وتقول بأنها تعليمية، ولا تدرك للأسف المعنى الحقيقي لكلمة تعليم، عليها التوقف عن تحويل التعليم إلى نوع من أنواع التجارة، والابتعاد عن المتاجرة به، بشكل علني، من أجل الحصول على المال لا أكثر.
نصيحتي إلى الجميع، بتوخي الحذر عند التعامل مع أشخاص مثل أولئك الذين يلجؤون إلى التسويق الاحتيالي، لتسيير أعمالهم، من خلال إيهامهم للناس بتوافر عروض مغرية لهم، ولكنها تكون في النهاية، وسيلة من أجل تحقيق الربح المالي فقط، فعندما يتصل بكم موظف من قبل أي شركة، أو مؤسسة، لم تقوموا بالتعامل معهم من قبل، احرصوا على اتباع الحيطة والحذر، ومحاولة معرفة معلومات كافية، عن ما يسوقونه لكم، حتى لا تقعوا في فخ التسويق الاحتيالي.
مجد مالك خضر
mjd.khdr@yahoo.com