0020
moasem
002
003
004
005
006
007
008
previous arrow
next arrow

خليك نايم …!

قبل عدة أشهر قررنا شراء مجموعة عصافير يمنحون المنزل روحاً جديدة بأصواتهم الجميلة، وكان ذلك في فترة مازال فيها الجو يميل إلى البرودة قليلاً، وإبتهج الجميع بقدوم ضيوف المنزل الجدد، ولاحظنا منذ اليوم الاول أن أحد العصافير يميل إلى السكون وعدم الحركة أكثر من غيره، وفي اليوم التالي كنا نجلس في الصباح الباكر كعادتنا مع شقيقتنا الصغرى التي تنتظر حافلة المدرسة، وقلنا لها أن وضع هذا العصفور غريب فحركته قليلة جداً وهاهو لا يتحرك أبداً الآن، عندها نظرت إليه شقيقتنا ذات الخمسة عشر ربيعاً قائلة بكل براءة: خليك نايم أحسن لك ! ثم نتلقى إتصالاً بعد ساعات قليلة من زوجتنا تخبرنا فيه أن العصفور لا يتحرك نهائياً وهو على الأغلب قد فارق الحياة، الأمر الذي تأكدنا منه لاحقاً، ولعل هذه القصة التي يستغربها البعض تحمل بين جنباتها درساً قاسياً لكل من يتفكر فيها، تماماً كدرس الغراب الذي بعثه الله لقابيل ليعلمه كيف يواري سوءة أخيه.
وقد كان لنا مداخلة على إحدى القنوات الفضائية قبل حوالي الشهر نتحدث فيها عن قصة “سارة إبراهيم”، والتي انخدع بقصتها الآلآف في الوطن العربي للأسف، وبأنها طفلة مريضة بالسرطان وبحاجة للمساعدة، فسارع البعض لتجميع الاموال واخرون للدعاء والابتهال لها وغيرهم ممن ذهب حتى لأداء العمرة عنها ليشفيها الله، بل وكثير من الأسماء المعروفة أصحاب الكلمة الموثوقة وقعوا في فخ “سارة” وباتوا ينقلون صورها وأخبارها من موقع التواصل الاجتماعي “التويتر”، قبل أن يكتشف الجميع انها ليست أكثر من “كذبة” انتشرت بفضل تناقل هؤلاء للخبر بدون أي تدقيق أو توثيق أو تأكد من المصدر ومعرفة حقيقة الأمر.
أضف إلى ذلك ما جرى معنا قبل حوالي الأسبوعين عند نشرنا مقالتنا الثانية لهذا الشهر، بعنوان “مثلي وأفتخر …!” كعادة عناوين مقالاتنا التي لا تخلو من الغموض لشد القارئ لقراءة سطورها، وليقوم أحد المواقع الشهيرة بنشرها على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “الفيسبوك”، وتكون المفاجئة عندما انطلق العشرات من القراء في السب والشتم بحقنا لمجرد فقط قراءة العنوان ورؤية الصورة، حتى أن بعض الشاتمين لم يعلم هل هذا خبر أو مقال، ذلك لانه لم يكلف نفسه حتى جهد الضغط على الرابط وقراءة ما فيه، وما كان ردنا ونحن نرى الشتائم بحقنا وحق أهلنا بسبب عنوان مقال لم يعلم شاتمونا معناه الحقيقي إلا كقول قدوتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما ذهب لدعوة أهل الطائف للحق ليضربوه بالحجارة ويشتموه بأسوء الألفاظ فما كان منه إلا أن رفع يديه بالقول “اللهم إهد قومي فإنهم لا يعلمون”.
ولعل ما جرى الأسبوع الفائت في قصة اختفاء فتاتي جبل الحسين والتي تعمدنا عدم نشر كلمة واحدة عنها قبل تبين حقيقة الأمر، ملاحظين انطلاق العديد من الجهابذة في التحليل والتمحيص حتى قبل العثور عليهما، والأشد والأسوأ كان بعد العثور عليهما عندما سارع العشرات بإلصاق أسوأ التهم والألفاظ والشتائم بحق الفتاتين وأهلهما برغم أن البعض لم يعرف ولا حتى إسم الفتاتين، وقد كان جوابنا على الأمر في كل مرة كان يذكر أمامنا “نسال الله الستر والعافية” لا نزيد كلمة واحدة عليها، فلا حاجة لنا للخوض في أعراض الناس وأكل لحم أخواتنا وبناتنا لا أحياء ولا أموات.
كثير منا قبل أن يضغط بقدمه بكل قوته على دواسة البنزين في سيارته يفكر كثيراً لأنه يعلم بامكانية حدوث مصيبة ان فعل ذلك بدون تفكير وتأني، وليتنا نفعل الأمر ذاته قبل أن نطلق الكلمة من أفواهنا بحق الغير متذكرين أنها كالرصاصة إن خرجت بدون وعي وتفكير وتروي يمكن أن تترك جرحاً غائراً وتسبب أكبر المصائب، وهو ما يمكن تفاديه لو التزمنا بقول خالقنا عزوجل في الآية 36 من سورة الإسراء: {{ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا }}، فكم من مظلوم ظلمته ألسن ونهشت لحمه لم تعلمه ولم تعلم كبر مصيبة ما تقول بحقه متناسية أن كلمة واحدة يمكن أن تهوي بصاحبها سبعين خريفاً في جهنم.
جعل الله شهر رمضان المبارك شهر خير وبركة على كل من يمر من خلال هذه السطور، ورحم جميع من فارقنا قبل هذا الشهر وخلاله وبعده، ورحم زهرة شباب الوطن طالب كلية الهندسة عبدالمنعم الحوراني الذي كتب الله له أن يفارقنا في هذه الأيام المباركة بقذيفة غادرة، وجبر كسر أهله وألهمهم الصبر والسلوان، ونسأل الله أن يشل يد كل من أغرق في دماء المسلمين وغير المسلمين من الأبرياء قاصداً متعمداً، وأن يسترنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليه.
وقبل أن ننتهي لنتذكر دائماً قبل أن نقول لعصفورنا “خليك نايم” والحكم عليه بالفشل و”الهمالة” وافتراض أسوء الظن فيه وتحريك لساننا بأقذع الألفاظ بحقه قوله تعالى في الآية 12 من سورة الحجرات: {{يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم}} لعلنا نتخذ له من الأعذار ما يمكننا من أخذ نفس للتثبت والتأكد من حقيقة الأمر قبل الحكم عليه، وأن نفكر جيداً لماذا قال الله تعالى (كثيراً) ولم يقل (اجتنبوا من الظن) في الآية.