جساس وكليب يعودون من جديد
عندما توقف الراوي العربي , في قهوة المكّاوي , القريبة من المسجد الهاشمي في معان , في ليلة من ليالي رمضان في زمن الدولة العثمانية ,عن سرد روايته واخبر الحضور ان جساس بن مرة , الحامي الجار المانع الذمار , ما كان يوما اسيرا عند كليب , وائل بن ربيعة , زوج اختة جليلة, وهو خال الهجرس بن كليب , الذي قتل خاله جسّاس ثأرا” لأبية كليب. وجساس لم يقتل كليبا , الاّ بعد ان طغى وتكبّر وقتل ناقة البسوس وفصيلها , ومنع بني بكر من الماء , وأخذته العزة بالإثم , واعتقد ان لا احد يقدر علية , وكان سببا هو وجساس في حرب بين ابناء قبيلة واحدة , ابناء وائل , بكر وتغلب , قضت عليهم جميعا , ولم يوقفها الاّ ملك كندة , ابي امرؤ القيس , حجر آكل المرار .
وكأنيّ بأحد الحاضرين في المقهى يخبرنا , أن من كانوا في قهوة المكّاوي , يستمعون الى الراوي , كان همهم الوحيد ان يعرفوا , كيف يمكن لأبناء قبيلة واحدة , الاقتتال لسنين عديدة بسبب بائس , لا يتعدى قتل ناقة و فصيلها , او تكبّر وتجبّر بسبب كلمة قيلت من قبل جليلة بنت مرّة , ان أخاها جسّاس , اعظم ذمة من كليب , وانه هو من أعز وائل وليس أحد غيره , ثمّ , كيف لاحد ان يمنع الناس من شرب الماء حتى لو كانوا أعداؤه , مع انهم من اقرب أقربائه , واخوال ولده الهجرس ( الجرو ) كما سمّاه كليب نفسة , وكيف اصبح المهلهل , عدي بن ربيعة , الاخ الماجن لكليب , زعيم قبيلة يرمي برجالها ونساءها الى الهلاك , فقط لأنه يريد ان يأخذ بثأر اخية , واستمع لكلام من أوهمه انه البطل الاوحد والقائد الملهم, سنين وسنين من الحرب الملعونة التي خسر فيها الجميع كل شيء .
ولو ان أحد الحاضرين في المقهى يرانا الآن وشعوب بجوارنا يقتتلون على لاشيْ , بيوت مهدّمة وشوارع مهجورة , واطفال مشرّدين , وكرامة تذبح , وكأنّ حرب البسوس قامت من جديد , وكأنه يقول لنا , أليس فيهم رجل رشيد , والمقتتلين فيما بينهم يرون أن من يطلبون منهم المساعدة مثلهم مثل كليب لمّا استغاث بعمرو بن الحارث ابن عم جسّاس ان يسقيه شربة ماء قبل ان يموت من طعنة جساس, فأبى واجهز علية بضربة من سيفة , وكأنّ حال كليب يقول :
المستجير بعمرو عند كربته كالمستجير من الرمضاء بالنار
او يرانا وقد اقتتلنا فيما بيننا لأمر تافه , لعبة كرة قدم , اولاد يطلقون العابا نارية , احدهم نظر نظرة شزرا للآخر , واسباب اخرى اتفه من هذه , تشعل حرب بسوس جديدة , ولو لوقت اقصر , الخاسر فيها نحن الجميع .