لماذا هذا الفتور؟
هناك حديث خجول عن طبيعة العلاقة الآنية بين المملكتين الأردنية والسعودية في الآونة الأخيرة. الرسميون يصفوا العلاقة بالثابتة وغير الرسميين يصفوها بالفاترة. لكن الشمس لا تغطى بغربال. لقد تعرضت العلاقة بين الدولتين لهزات كبيرة عبر السنين وسرعان ما عادت لسابق عهدها نتيجة الحكمة والرؤيا السديدة وتداخل المصالح والأمر الواقع الذي لا يسمح بالإنفكاك لأحدهما عن الآخر بالإضافة للتفهم القائم لما تفرضه الظروف الداخلية التي تخلق نمطا من العلاقة يختفي مع اختفاء المسبب.
المراقب للنهج السعودي يخلص إلى أن السعودية تعتبر تبعية الأردن السياسية لها أمر مسلم به وتحصيل حاصل وأي خروج عن هذه التبعية يعتبر من المحرمات. كما وتعتبر أن الحاجة للتشاور مع دولة جارة أمر لا لزوم له، رغم أهمية التشاور والتنسيق مما ينعكس على الشعبين الشقيقين والجارين والعلاقة التاريخية القائمة على التفاهم والتفهم.
بالمقابل الأردن دولة لها مصالحها وعلاقاتها مع الدول الأخرى التي تحكم النهج الخارجي لتحقيقها. ولم يقبل الأردن يوما أن يهمش دوره ومحوريته ويدار له الظهر ,وهو ليس دولة خدمات تحت الطلب وبنفس الوقت يتوقع منه أن يكون كبش فداء دون أن ينعكس ذلك على تحقيق مصالحه. فالأردن ينطلق من أسس قائمة على التناغم والندية يتوقع من الآخرين احترامها وأخذها بالإعتبار وبالتالي يسهل الوصول للمراد وعندها لا غالب ولا مغلوب.
مهما قيل عن العلاقة بين البلدين، فهناك أسباب قادت لما يدور من حديث عنها إذ تبدو أنها ليست على ما يرام، ولكل أسبابه وتبريراته. من الواضح أن هناك تغيرا طرأ على السياسة السعودية بقدوم السلطة الجديدة بعد وفاة المرحوم الملك عبدالله بن عبد العزيز الذي ما زلنا نتذكر قوله عند عزائه بطيب الذكر الملك حسين والدموع الصادقة تنهمر من عينيه “ماذا أقول لكم وقد فقدت أخاً لي؟” قول يدل على عمق ورسوخ العلاقة وصلابتها والتقدير المتبادل والأخوة الحقة. من هذا الفهم يأتي حرصنا نحن في الأردن على دوام العلاقة الطيبة ويأتي اندفاعنا واهتمامنا بالبحث عن الأسباب وتوضيحها أملا بتحقيق الصفاء بين الشقيقتين.
من منطلق الذهنية السعودية بتبعية الأردن، لم تتحمل ولم ترضى عن فتح باب عودة العلاقات مع إيران وتفعيل العلاقة المتجمدة عندما زارها وزير خارجيتنا ونقل رسالة ملكية لقادتها لترطيب الأجواء وعودة العلاقة التي من خلالها تتحقق مصالح معطلة للأردن. فكانت تلك خطوة لم ترضي السعودية رغم عدم تعبيرها عن ذلك صراحة وهي المعروفة بالتأني والتروي عند تعبيرها عن ردة فعلها.
ولهذا السبب، اعتبرت السعودية وانطلاقا من ذهنيتها بخصوص التبعية الأردنية لها، أن ذلك خروج عن مفهوم التبعية الإفتراضية وبنفس الوقت يعتبر الأردن ذلك من باب الإستقلالية في النهج الخارجي وليس سعيا للإضرار بالمصلحة السعودية. رغم ذلك فسر البعض أنها رسالة لم يكتب لها النجاح بسبب ما تبعها من تحالف عربي بقيادة السعودية من خلال “عاصفة الحزم” الذي يشارك بها الأردن ضد الحوثيين.
هي في الواقع تذكير ودليل على أن العلاقة ليست كما يطمح الأردن، تذكير بضرورة الحفاظ على الروابط وتفهم المواقف والظروف التي ينطلق منها الأردن لممارسة حقه بسلوك الطرق التي من خلالها يحقق مصالحه. نضيف لذلك عدم التشاور مع الأردن بآلية “عاصفة الحزم” أو ربما كان هناك تشاور من خلاله طلب من الأردن تقديم ما يفوق طاقته مما حدى به الإكتفاء بإرسال البعض من نسورنا حتى لا يخرج عن الإجماع العربي وحتى لا يعرض جيشه لتبعات حرب قد تطول وتطول.
ولا نغفل هنا المساعدات السخية جدا للشقيقة مصر التي كان لها صدى مدويا على الصعيد الأردني. نحن لسنا ضد هذه المساعدات السخية، لكن الشيء بالشيء يذكر. فالأردن أجدر بمثل هذه المساعدات والجميع يعلم علم اليقين أن الأردن على شفا حفرة بسبب الإقتصاد الأكثر تواضعا بالمنطقة والعجز بالموازنة والدين المتزايد الذي خلفه من لا يخافون الله بالأردن ومرده حقيقة للسياسات الخاطئة التي غيبت عنها الرقابة والمتابعة والمحاسبة. وللأسف أحجمت الحكومات المتعاقبة والحكومة الحالية خصوصا عن محاسبة من تسببوا بذلك العجز والدين بل في الحقيقة ساهمت كثيرا هذه الحكومة بزيادة الدين لما يقارب العشرة مليارات دولار ورئيسها يتودد ويغلظ الأيمان بأنه يعمل على خفض الدين وتعديل الحال لأحسن منه.
والأردن لديه عتب غير معلن لكن يمكن قراءته بين السطور بوجود نكوص وعدم وفاء تجاهه وهو من يمنع تهريب المخدرات والمتسللين والأسلحة للأراضي السعودية والعابثين بأمنها واستقرارها. وبهذا لا ننتقص من قدرات الأمن السعودي بل تذكير بأهمية التعاون المثمر وتبادل المنفعة التي تنعكس على الطرفين. ونذكر بأن الأردن دولة جارة والروابط بين الشعبين متداخلة ومتشابكة قبليا ونسبا وتاريخا. بالمقابل مصر ليست دولة جارة والعلاقات الإجتماعية لا ترتقي لما عليه الحال بين الأردن والسعودية.
فإذا نظرنا للعلاقة من منظور المنفعة والإستفادة سواء الآنية أو المستقبلية وهو ديدن عالم السياسة، فالسعودية مصالحها تلتقي مع الأردن أكثر مما تلتقي مع مصر. نسأل الله أن تكون سحابة صيف سرعان ما تنقشع ويعود الصفو والصفاء بين البلدين إلى ما كان عليه الحال.
حمى الله الأردن والغيارى على الأردن والله من وراء القصد.
ababneh1958@yahoo.com