الأردن جزيرة هادئة وسط الإرهاب !
علينا أن نعترف جميعاً بحقيقة أن ما كان يصلح لزمن ومرحلة ، ليس بالضرورة أن يصلح لكل المراحل ، وما تأكد خطأه تاريخياً ينبغي الإقرار بأنه خطأ ، أقول ذلك لأن الأردن غدا جزيرة وسط الإرهاب المحيط بنا من كل حدب وصوب ، وهذا يحتاج إلى رجل ذو خلفية عسكرية ، ولديه دراية كاملة في القانون ، وخبرات في السلطة التشريعية ، حتى يشكل الحكومة القادمة وبأسرع وقت ، لكن السؤال الكبير هنا : أين نجد مثل هذا الرجل الإستراتيجي ؟ لكي يشكل لنا حكومة وطنية قادرة على ترسيخ آلية مفاهيمية يتحدد اتساقها مع غاية محاربة التطرف والإرهاب الذي يتغذى على الفقر والبطالة والتفاوت الطبقي داخل التركيبة المجتمعية .
نحن نعيش صورة قاتمة في إقليم يقبع في ظلام إرهابي ، و في ضوء هذه المخاوف مع تسارع التحضيرات للارتداد الإرهاب بعد الهزائم التي منيت بها التنظيمات المسلحة في كل من سورية والعرق ، وبالتوازي مع مؤشرات الانفلات الأمني المجتمعي لا سمح الله والتي توحي بأن المسألة قد دخلت فعلياً في مراحل تتجاوز سياق التشكيل التقليدي للحكومات المتعاقبة ، تلك الحكومات التي جاء تشكيلها بناءاً على سياسة كانت وما زالت تشكل جزءاً من التخلف التنموي والديمقراطي في آن معاً ، لكونها تنجز واقع سياسي يؤدي إلى واقع فكري لا يتلاءم مطلقاً مع الطبيعة والأماني الأردنية المنشودة على الصعيدين الأمني والاقتصادي في ظل تواجد هذه التنظيمات الإرهابية على الحدود ، التنظيمات ذات البنية الثقافية الدينية المتطرفة والتي يغلب عليها طابع التقليد ، والنزوع الدائم إلى التمسك بالتراث القديم وليس الشريعة ، لإحلال الماضي الذهبي في الحاضر المأزوم ، وهذا ما يجذب الشباب المدمر الباحث عن فرصة عمل ، سيما وأن هذه التنظيمات تحل له مشكلتين من وجهة نظره الأولى : تتمثل في إيجاد فرصة عمل ، والثانية : في تحقيق ما يحلم فيه من إحلال لذلك الماضي مكان الحاضر الذي لا يكاد يجد له مكان فيه !
أعود وأتساءل في ظل هذه العواصف الإرهابية المتلاطمة الأمواج بمحاذاة الجزيرة الأردنية ، ترى ما هي تمايزات حكوماتنا المتعاقبة بمجملها ؟ في تقديري أن الإجابة تتلخص في أنها جميعاً لا تمت إلى الواقع الأردني بصلة ، وإذا كان هذا الأمر ممكناً في الفترات السابقة فإنه مستحيلاً الآن ، لماذا ؟! لأن أي تشكيل حكومي من خارج السلطة التشريعية أو خارج نطاق المواصفات التي ذكرناها سالفاً للرئيس القادم ، سيكون ذلك التشكيل للأسف الشديد كمن يسلم للأردن أداة انتحاره بيده ، أنا أعرف أن التمثيل في المجلس النيابي لم يأتي وبسبب قانون الصوت الواحد محققاً لأمنيات الشعب الأردني ، ولا يعبر عن طموحاتهم ورغباتهم ، وهو في تقديري الشخصي حدث فرض عليهم ، وكل ما يفرض فرضاً ليس حرية ، إلا أننا في ظروف استثنائية وغاية في الخطورة ، وليس أمامنا ديمقراطياً إذا كنا نزعم محاربة الإرهاب والتطرف إلا هذا المجلس النيابي لكي نختار منه رئيساً للحكومة ذو طابع متميز إسلامياً وقانونياً وعسكرياً وتشريعياً وإنسانياً، هذه حاجة وطن يا سادة ، نريد فقهاء في الأمن الإنساني لأننا بصدد تنظيمات وأدوات تحارب لإشعال حرب عالمية ثالثة في المنطقة والعالم أجمع ، وإلا كيف تحسب لنا الدول الكبرى حساب إذا كنا أميين في الإنسانية والأمن الإنساني ، كيف ؟!!
وليس بالضرورة أن يكون كل طاقم الحكومة من النواب ، نريد حكومة تلبي حاجة الوطن ، حكومة تستطيع وفي ظل هذه الظروف الخطرة جداً أن توصل الوطنية الأردنية ذات الأسس الإسلامية والعربية والقائمة على مبادئ الثورة العربية الكبرى إلى عقول النشء ، أما أن تأتي حكومة وعلى رأسها شخص سبق وأن كلفنا مليارات الدولارات وكان السبب الأول في المديونية والفقر والبطالة من خلال مشاريع لا تتناسب إلا مع مشاريعه أو مشاريع أقاربه أو أصدقائه في البزنس ، فهذا يجعلنا نبدو وفي هذه الظروف كعنوان للرعونة والطيش في العمل السياسي !
لا بد أن نشعر جميعاً بالقلق ونحن نشاهد وبأم أعيننا تنامي تحشيد المجموعات الإرهابية المسلحة والتي يمكنها أن تفكر بإيذاء الأردن ، ما يعني أن الإصرار على المسلكية السياسية القديمة في تشكيل الحكومات سيكون إضاعة للبلاد وتشتيت للعباد ، أرجوكم نحن كشعب أردني نريد نظامنا الهاشمي ، نريد أمننا الأردني ، لهذا نعيد ونكرر أن استمرار السياسات القديمة سواء في توريث المناصب أو غيرها من المنافع سيسهم في إضاعة البلاد ، والتفريط في السيادة الأردنية .
هنالك مغالطات مميتة اقترفتها الحكومات السابقة والحكومة الحالية التي أعلنت إفلاسها السياسي والاقتصادي والقانوني والاجتماعي ، وكثيراً ما كانت المداخلات الإقليمية والعالمية تفرض نفسها في صلب المشاريع السياسية والاقتصادية والتربوية والأمنية الأردنية ، نعم ، والسبب افتقار الرئيس والطاقم الحكومي للخبرات في ظل أوضاع غاية في الخطورة ، بالله عليكم يا سادة : أهذا مبلغ نضجنا السياسي أن تكون الحكومة نفسها مجمع علل وأمراض !
وأقول إلى كل من يحاول جاهداً الوصول إلى دفة الرئاسة للحكومة الأردنية ، ولنفرض أنك أبن رئيس وزراء ، أوجدك رئيس وزراء ، أومن عائلة غالبيتهم من أصحاب المعالي ، أو أنك تمتلك ما يمكن أن يسدد جزء من المديونية الأردنية التي كنت أنت وغيرك سبباً فيها ، لنفرض كل ذلك وأكثر ، إلا أن هذه ليست مرحلتك ، هذه مرحلة رجال ذو خصوصية خاصة جداً من أبناء البدو الفلاحين ، لأن الأردنيين لا يقبلون بعد اليوم إصلاحات شكلية تكون عبارة عن محاولات قليلة الجدوى ، ولا يمكن أن نغفل أو نتغافل عن مشكلات بهذا الحجم تودي في الأردن لا سمح الله شعباً وأرضاً ونظاماً .
أنا لا أعرف يا رئيس الوزراء: أين الإستراتيجية الحكومية لنبذ العنف والتعصب والتطرف والإرهاب ؟ وإذا لم تكن الآن بين أيدينا والأردن قد غدا جزيرة وسط الإرهاب فمتى ستكون ؟! نحن في ظل غياب الثقافة الإنسانية، ثقافة الأمن الإنساني التي تعتبر الآن من أهم وأخطر الأسلحة التي لا تتوقف عند محاربة الإرهاب فقط ، بل وتعمل على تطويع كافة المحافل والمجامع القانونية والإنسانية العالمية لتكون إلى جانب الأردن الذي كان وما زال وسيبقى ( المجمع الإنساني الأعظم تحت ظل الراية الهاشمية ) ، أرجوكم نحن نغرق في عتمة اللاثقافة واللا وطنية واللا إعلام واللا إقتصاد واللا إستراتيجية بأي شيء ، ما هذا ؟! من فكر من رؤوسا الحكومات المتعاقبة ، بالتعصب الطبقي بين الأغنياء والفقراء ، وفي التعصب الديني ، وفي التعصب الفكري ، والتعصب الوظيفي إلخ، مع أنها جميعاً تغذي التطرف والإرهاب !
أنتم ماذا تفعلون ؟ أنتم لا تعملون شيئاً إذن دعوا غيركم يعمل ، فقط أفسحوا المجال لأبناء الأردن الشرفاء لكي يكونوا في صدارة المعركة ، لمحاربة كافة أشكال التطرف والتعصب ، أفسحوا المجال لهم لكي يحاربوا دفاعاً عن النظام الأردني الهاشمي حامل رسالة الثورة العربية الكبرى ، ولكي يدافعوا عن هذا الشعب وهذه الأمة ، وبالله عليكم ماذا تعرفون عن الثورة العربية الكبرى أو عن الأمة ؟ومن العشائر الأردنية التي حملت راية الثورة العربية الكبرى ؟! هل تعرفون شيء ؟ لا شيء ، نعم ، لا شيء ، والدليل ما نحن فيه اليوم من أزمات مركبة ، عن ماذا نتحدث عن الفقر ، عن البطالة ، عن المديونية ، عن تأكل الرواتب ، عن دخل العسكري أو موظف القطاع العام ، أم عن دخل المتقاعد المدني والعسكري ومتقاعد الضمان الاجتماعي، أم نتحدث عن الأزمة السكنية التي جعلت موظفين الدولة تحت رحمة ملاك الشقق والعقارات الذين لا يخافون الله في الوطن وأبناء الوطن ، والموظفين لا يجدون بيت يؤوي أطفالهم ، ولدينا حالات موثقة من بينهم إخوة لي ، ماذا يفعل الموظف المحجوز نصف راتبه لنبك بسبب قروض شخصية لتسديد إيجار البيت الذي أصبح فلكياً ودون أية رقابة حكومية ، لمن تتركون المواطنين ؟ لمن تتركون الموظفين العسكريين والمدنيين ؟ نتحدث عن غالبية القطاع العام من مدنيين وعسكريين وأمن عام ، اتقوا الله في الأردن ، حسبنا الله ونعم الوكيل على كل من يخدع الملك ، حسبنا الله ونعم الوكيل على كل من أكل فلساً بالحرام من هذا البلد المرابط القابض على الجمر ، نريد رجل من رحمنا نحن الشعب الأردني الصابر ، رجل نعرفه ويعرفنا جيداً ، رجل يحمل سمات وصفات المغفور له بإذن الله تعالى دولة الرئيس الخالد في قلوبنا وضمائرنا الشهيد وصفي التل طيب الله ثراه وأسكنه فسيح جناته ، حتى يوزع علينا أراضي الدولة المنهوبة من قبل عصابات لا تقل إجراماً عن التنظيمات الإرهابية ، ويساعدنا في بناء بيوت تعمق من شعورنا الوطني المفقود تجاه الأرض في زمن الردة الوطنية ، وقد أصبحنا لاجئين مستأجرين في وطننا ، نعم نريد حقوقنا ، ولا نريد أفلام إسكان تستثمر وتنهب لجيوب من لا يخافون الله ، والنتيجة يحول الإسكان بالكامل لصالح وزارة التربية والتعليم ، ما شاء الله ، والحجة أن الموظفين لا يتقدمون لهذا الإسكان ، كيف ومن قال لكم ذلك ؟ الموضوع باختصار شديد أن الموظفين مرهونة رواتبهم على قروض شخصية لكونهم مستأجرين عند ظلام ، والبنوك لا تعطيهم قروض للاستفادة من مشاريع الإسكان هذه هي القضية ، إذاً القضية قضية حكومة ، ومسؤولية الرئيس الذي من المفترض أن يدرك أن هؤلاء الموظفين المحتاجين عبارة عن قنابل مؤقتة تنفجر بأي وقت ، ومن الممكن أن يتم استغلالهم واستغلال حاجتهم ، هذه لم تعد قضية طفرا نين وهم أحرار فليذهبوا إلى الجحيم ، وإنما أصبحت قضية أمن وطن لأنهم وببساطة متناهية يذهبون مع من يدفع لهم ، لا مع من يدفعهم خاوة ، مسؤوليتكم أن تقوموا الآن بحل مشكلات كل المديونية على الموظفين لأن سياساتكم الحمقاء هي التي جعلتهم مديونين ، بالله عليكم أي رئيس حكومة يعي ذلك ؟ لا أحد ، أراهنكم لا أحد ، ولكن أذهبوا إلى بعض رجالات مجلس النواب مع تحفظاتي على أداء المجلس ستجدون من يعرف هذه التفاصيل وأكثر منها ، لكنه غير مجبور أن يقول شيء ، ما دام أنه على الرف ، أقولها وبكل شفافية وصراحة متناهية لأنني لا ارجوا إلا مرضاة الله وأمن الأردن !
وأخيراً أود الإشارة إلى ضرورة الإسراع في إعلان وزارة الدفاع كضرورة أمنية ملحة ، لكي نتمكن من جذب المفكرين والمثقفين والحكماء لرفد هذه الوزارة ، من أجل دعم درعنا وضميرنا وقرة عين سيدنا الجيش العربي المصطفوي ، بعد أن غدا الأردن جزيرة هادئة وسط الإرهاب !