0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
Hofa
Diamondd
previous arrow
next arrow

افلاس

إفلاس / محمد بدر
نقرأ ونسمع عن مؤسسات ماليّة كبيرة انهارت ( مالياً ) وأُعلن إفلاسها ، وعن رجال مال وأعمال كانت أسماؤهم تملأ الأسماع والأسواق وإذ بهم يُصبحوا مفلسين بين عشيّة وضحاها . بالتأكيد لم أقصد الحديث عن هذا النوع من الإفلاس على أهميّته ، فله أربابه المحللين الماليين والاقتصاديين .
فالمسؤول الذي يتربّع على كرسي المسؤوليّة ” مهما كان مستواها ” ردحا من الزّمن ، بينما مستوى العمل المُناط به يتراجع باستمرار أو لا يتقدّم . ألا يُعتبر ذلك مؤشرا على أنّه ليس في الإمكان أفضل ممّا كان . وأنّ هذا المسؤول العتيد لم يعد قادرا على الدّفع بمؤسسته للتّقدم والنّجاح . ألا يدّل ذلك على حالةٍ ما من ( الإفلاس ) عند هذا المسؤول في الخطط والبرامج والحلول الإبداعية في إدارته . وأن قّدراته لم تعد قادرة على إعطاء قيمة مُضافة للعمل .
والأحزاب والقوى السياسيّة ( الموالية والمعارضة ) على حدّ سواء ، التي لم تستطع ، تقديم برامج عمليّة ( غير إنشائية ) وحلولا للمشاكل التي يُعاني منها المواطن ويغرق فيها البلد . فالموالاة لا تُتقن إلاّ كلمة ( نعم ) وموافق في الوقت الذي يريد صاحب القرار من ينصحه ويفتح له أبوابا موصدة وآفاقاً كانت ضبابيّة . فصديقك من صدقك لا من صدّقك . والمعارضة أيضا تفتقد الرؤية الواضحة والمنهج المدروس والخطط الجاهزة التي تجعلها قادرة على إخراج الأوضاع من حالة الاضطراب واجتراح حلول آنيّة وقصيرة وطويلة الأجل لحل المشاكل التي يئنّ منها المواطن . فالاكتفاء باللوم والمشاغبة والرّفض ليس حلاً ولا يقود إلى حلّ , فكلاهما ( الموالاة والمعارضة ) مطلوبٌ منها أن تٌعدّ نفسها وتهيئ لمرحلة يمكن أن تكون في موقع صنع القرار ، فلا تُؤخذ على حين غرّة وإذ بها لا تملك الخطط والوسائل والإمكانات لتكون بديلا وفي موقع الفعل لا التنظير . فتكون خيبة الأمل مُضاعفة .
معظمنا يمرّ بحالة من التّصحّر و ( الإفلاس ) الفكري و ( إفلاس ) الهمّة ، تجعل الفرد غير قادر على العطاء المطلوب . هذه الحالة قد يمرّ بها الإنسان في أيّ موقع . فالكاتب مثلاً يُصاب بهذه الحالة ويصبح غير قادر على تقديم الجديد والمفيد . بعضهم يُكابر ويستمر في اجترار نفسه والهروب إلى ( الخلف ) . والقارئ ذكي ويُدرك أنّ الكاتب يُعاني من هذه الحالة . وبعضهم ممن يحترم قرّاءه يغيب فتره علّه يجدّد نشاطه الفكري .
أمّا أن يتم تهديد الشّعب وإخافته بأن الوضع الاقتصادي على وشك الدخول في مرحلة الخطر وأن الخزينة مقبلة على ( إفلاس ) إن لم يتم اتّخاذ إجراءات سريعة و( جراحيّة ) لإنقاذ الوضع . وليس أسهل وأقرب من جيب المواطن المخروق والمنفوض ودخله المهدود والمكدود أصلا للميل عليه ، فهو جمل المحامل والصّدر الواسع ، لا يشكي ولا يبكي ولا يئن . بدل أن يبدأ المسؤول بنفسه ، فمن ساواك بنفسه ما ظلمك . والبحث عن حلولٍ أُخرى أكثر جدوى وأقلّ ضررا .
ورسولنا عليه الصّلاة والسلام يُريد أن يغرس فينا مفهوما بطريقة عمليّة بسيطة ، حين سأل أصحابه ، أتدرون من المفلس ؟ فكانت إجابتهم تقليديّة والتي يعرفها معظمنا . ولكنّه صحح المفهوم بأنّ المفلس من يأتي بأعمالٍ وحسناتٍ كثيرة ، ولكنه يقوم بسلوكيّاتٍ تأكل هذه الحسنات . فتذهب لمن ضربه أو شتمه أو أكل ماله أو اعتدى عليه بأي شكل من أشكال الاعتداء . فعند الله يجتمع الخصوم وهو العادل ولا يظلم ربّك أحدا . ولعلّ أشدّ أنواع ( الإفلاس ) ألماً أن تكون ( مفلسا ) أمام مرآةِ نفسك .
فإذا كان ( مفلس ) الدنيا قادر على استعادة عافيته المالية أو الفكريّة بعد فترة ….. فانّ ( مفلس ) الآخرة قد استنفذ كافّة فرصه فلا مجال للإصلاح أو تدارك ما تمّ إفساده ويمكن أن يٌقالَ له كالعنوان الذي كان لمسرحيّة قديمة ” انتهى الدّرس يا غبيّ ” . فالخسارة الحقيقيّة هي أن تخسر نفسَك ولو ربحت الدّنيا .