جامع معان الكبير
لبِستُ ثوب الرَّجا والناس قد رقدوا وَقمِتُّ أشكوا إلى مولاي ما أجـدُ
أشكو إليك أمـوراً أنـت تعلمهـا ما لي على حملها صبرٌ ولا جلـدُ
كان ابو محمود مؤذن الجامع الكبير يصدح بهذه الابيات الشعرية قبل اذان الفجر كل يوم وكانه يناجي ربة وحيدا لا يسمعه احد , وابو محمود رجل في وجهة نور ايمان ومسحة طيبة ولطف كبير , قالو عنة انه اتى من فلسطين قبل ان تحتل, ولان صوته رائعا ورفعه للأذان مميزا اصبح مؤذن الجامع الكبير , لم نكن نعرف له اولاد من زوجته الطيبة التي كانت تسكن معه في بيت بجوار المسجد.
لا يمكن ان انسى ذكريات رائعة في المسجد , بعد ان نصلّي خلف الشيخ وحيد الذي لا اذكر انه غاب عن اقامة واحدة , نتجمع نحن الصبية في حلقة دراسية نتدارس فيها القران , ثم اجلس انظر الى النوافذ الكثيرة التي كنت اعجز عن ان اكمل عدّها , , واتفكر في جمال القوس كيف بناه البنائين الذين قال لي رداد ان من ابدعه من التلول اي من تل اربد , وكنت اخاف ان اصعد المنبر الابيض ذي الدرجات الكثيرة , ثم انظر الى السقف العالي وافكر كيف لهم ان يصلوا الية , وكان في باحة المسجد حوض ماء كبير بشكل دائري يتوضأ من ماءة المصلين , بجوار الحوض شجرة بلوط كبيرة وبجانبها اشجار مثمرة صغيرة وكأنها كانت تحن عليهن مثلما يحن الاب على أولاده . ثم انظر الى المئذنة فأتعجب كيف تم بناءها واحجارها وكأنهن معلقات بالسماء .و ايام الشتاء ونحن ننتظر اقامة الصلاة واسمع خارج المسجد صوت الريح فاختبا في رداء ابي , علّه يبعد عني البرد القارس
يقولون ستتم هذه الايام عملية ترميم للمسجد , ربما سيقومون بتغيير شكلة , مداخلة , أقواسه , منبرة , أعمدته ,سجاده , مئذنته , لكنهم لن يستطيعوا تغيير صورته التي احب في مخيلتي , ولا صوت ابي محمود في اذان الفجر ولا ليالي رمضان بركعات التراويح العشرين , ولا ذكرى صلاة العيد التي لم تكن تقام الّا به , حتما لن تتغير صورة ذلك كله .