لا شيء يستحق أن نعيش له بذل
بقلم يوسف العجلوني
كان العرب يعتزون بوجودهم ولا يقبلون الذل والمهانة أبدا وكانوا لا يقبلون الا العزة والكرامة رغم قلة الإمكانات وصعوبة العيش ، ولم تكن عزة النفس عندهم مشروطة باللون او بالمال او العشيرة او المنصب. كان العربي الحر يحيا أياماً معدودة بعزة وكرامة وحتى لو خالطتها المرارة والمعاناة.
عزة النفس صفة حميدة تؤدي الى اكتمال الشخصية والوجود ، وتبدا من التربية في البيت والمدرسة ، لذلك عزيز النفس لا يقبل الخضوع منذ الصغر ، ويكبر ولا يجلس في مجالس الوضاعة ، ولا يعمل الا ما يرضي قلبة وعقلة ، وهو لا يسمح لاي شخص ان يمس كرامته ، بنفس الوقت هو لا يتكبر على من هم دونه ولا يتجاهلهم ، بل ويحترمهم ويدعمهم ويرفع من قيمتهم.
عزة النفس من القيم التربوية والأخلاقية؛ عزيز النفس يلتزم الأخلاق الحسنة ، ويبتعد عن الرذيلة ، ويشعر بالفخر والرضا لكل ما يحدث له ، ولا يوكل مهامه للآخرين ، وهو ليس شخصاً طماعاً ولا مستغلاً ، وهو على علم ودراية بكافة تصرفاته ، ويعلم حدوده ، ولا يتدخل فيما لا يعنيه.
عزيز النفس يطلب حاجته بترفع ورقي وادب ، ولا يُبدي أي تذلل ، فهو يدرس ما يريد القيام به جيداً ، ويحذر من القيام بسلوك يسيء له ، ولا يسمح للآخرين بتجاوز حدودهم معه ، وإن وقع في الخطا فإنه يحمّل نفسه كامل المسؤولية ، عزيز النفس لا يريد أن ينال اشياءه بالوساطة أو التزلف ، ولا يقايض ذاته من أجل الحصول على منصب أو جاه او مال ، وأن شعر بان عزة نفسه في خطر فإنه يترك اي حاجة مهما ظهرت للاهرين مهمة وثمينة ، ويستغني عنها للأبد ولا يعاود طلبها مرة أخرى. عزيز النفس لا يساوم ، ولا يخاف في قول الحق لومة لائم.
لا شيء يستحق أن نعيش بذل ، فالذل صفة مذمومة لا يقبلها الإنسان السوي. ان النفس التي تقبل الذل ، يصبح عندها طبعا مألوفا ومن ثم امرا يوميا وعاديا ، ويبدا التبرير له ، وذلك انعكاس على كيفية ما تربى عليه الفرد ، والشخص الذليل هو الذي استباح نفسه وخضع بطبعه ، وذلك يجعله يستسهل خيانة الأمانة والغدر بالعهد ، فهو إنسان بلا عزة ، ويعيش عيشة غير عفيفة تغلبها الأطماع الدنيئة ، فالذل ضعف يقعد المرء ويمنعه من النهوض بنفسه ليحيا حياة شريفة كما ترضاها النفس البشرية السليمة.
المصيبة إذا استمر الإنسان في العيش بذل ولم يستطع استعادة عزته ، سينقل مهانته وذلته للأجيال اللاحقة ، ويصبح الذل وكأنه طبع موروث ، وتعتاد النفس على هذا النمط المعيشي المذل ، ويتفاقم ذلك عندما يفتقد المثل الأعلى ، وتختفي الأفكار السامية والعقيدة والمبادئ الحميدة ، الشيء الذي سيجعل الجيل الجديد يعيش في ظل الذل والاستكانة بأريحية تامة ومن دون أي إحساس بذل تلك المعيشة.
صاحب المبدأ مقتنع بما اعطاه الله من الرزق ومكانة ، ويقبل فقط العيش بالعزة مهما كانت المعاناة ، ولا يقبل الحياة الذليلة وإن ملأها رغد الدنيا كله ، فهو يحب ان يحيا بشرف ويرفض كل منفعة تأتي بذل.
واخيرا اقول؛
تأكد انه مهما طال الامر ، ستعرف يوما بأن الأشياء الثمينة لا تقدر بثمنها إلا حينما تأخذها بعزة نفس ، وان ما تحصل عليه إن لم يوزن بميزان الكرامة والأنفة والنبل لن تستمتع به من داخلك ولن تنام قرير العين ، ولا بد ان تعرف يوما ان العزة والكرامة واحترام النفس والمنعة هي أثمن شيء ممكن ان تملكه.
تذكر ان الحياة فانية وتمضي بسرعة وقصيرة جدًّا ، ولا يوجد تبرير واحد مُقنع يستوجب ترك عزة النفس ، فهي أغلى ما نملك ، ولا حاجة لك لأن تقايضها بشيء آخر ، ولا تسعى للحصول على شي في الحياة يتعبك ويكلفك اكثر من قيمة الحصول عليه ، لذا عليك العيش مكتفيا مقتنعا ونفسُك قوية ومملؤة بالعزة والكرامة وراضية بما قسم لها الله.
لا تَسقِني ماءَ الحَياةِ بِذِلَّةٍ بَل
فَاِسقِني بِالعِزِّ كَأسَ الحَنظَلِ
ماءُ الحَياةِ بِذِلَّةٍ كَجَهَنَّمِ
وَجَهَنَّمٌ بِالعِزِّ أَطيَبُ مَنزِلِ.