ضانا
قلم – محمد نور الخصبه
ضانا ,,
كم مضى عليك من سنوات السحر ومن عبق الجمال الغامض؟! أيتها الغائرة بين تجاويف الجبال، والغارزة في ثنايا الشقوق لغةً من حرف وحداء، نسي الرسامون جنون أفكارهم هنا، كالمطر تسامت خربشاته في تفاصيل الأعماق الخصبة، فنهض شجرٌ ونوار، وبعضٌ من قصائد غزل غجري.. يا سيدة الخيال والجنون، هنا وشوشت الريح أساطير من مرّوا حاملين وطنا على صهوات الخيل العربية.
افتحي دفاتر أشعارك واقرئي تعويذتك على خفايا السحَرة فيلقون بسحرهم في الجروف والأودية، ويهوون في الفتنة ألفاً وألفاً أخرى، وتبقين عصية على البوح، ستكونين لغة مدهشة في انحناءات المكان، تحملين ما كتب التاريخ ونحتت الريح والأعاصير في الزمن الغابر، مسكوكة أنت من مطر وغيوم ورعاة، ذاكرة مفتوحة على التأويل لعصور طوتها الارض، فاعتصمت بالجروف الصعبة، أنا يا ضانا بعض من قطيع غزلان لاذت بالتعرجات، حذراً من صبايا أدوميات على طريق النحاس، يحفرن أشواقهن على الزمرد والفيروز والياقوت فيلبسن على ملامحي حليك الجميلة.
هناك في بلاد الجبال الجنوبية، حيث السماء تغفو على هامات المرتفعات، وتزين جبينها المائي بزرقة البحر، هناك على أطراف الطفيلة، وحواف وادي عربة تنتصب قامات ضانا، خزانة الأرض التي لم تتغير ولم تبح بسرها للعابرين والغزاة، لكنها أعطت مفاتيحها السرية لأبنائها الذين يحملون عمق ملامحها وصمت أشجارها البليغ… ها أنا أقف ببابك مثل عائد من سفر طويل، أقود قافلة عصرية من آلات صماء، وفمي مخيط بالرموز، تنتحر على شفاهي حكايات لم أروِها لك يا سري العتيق، فعلّمي خطواتي مخاطبة ما بقي من مسالك للقطعان الصاعدة قممَ الشواهق، القطعان التي نفقت عند تلعثمنا حين تكاثر علينا مغول أيامنا الحضرة، ودلّي صوتي على حداء الرعاة الأوائل، لكي أسوق خلفي سلاسل الجبال مثل قافلة من صخر وشجر، فليس من حاضر لدي ولا قادم سوى ما تكتنزه يداك. :’)
ضانا.. الشمس تمضغ النهار انتظاراً، وأنت تتقنين الاختفاء منذ إيلاف قريش، تنام بين أحضانك أزاميل نبطية، أعدت للحفر والشعر، لكن روما خبأت الصخر خلف أرتال الجنود وعتمة الخونة، فألمح وجه ذو الشرا يقبع في الانتظار مذ تركوا المعابد، نهباً للعابرين من بلاد تكرهنا ولا نعرفها، إني أناغيك كطفل بكاء مولع بالاختفاء، أغسلك بماء الينابيع وبالقراءات الحديثة، وأتسلق من بين أصابعك المرتفعات، لنترك حبر الكتابة دامعاً في عفرا الحب العذري وعفرا الماء والشفاء، وقرية مهجورة إلا من سواي، راكعة على حافة المنحدر خالية من السمار، ترفع راية من نار الموقد و تعاليل الشتاء البارد في انتظار للتائهين. “)
أقف يا ضانا مثل فارس طعنته الخيل، لم تترك لي غابات الإسمنت غيرك، فاستريحي في مخيلتي إني أرتجل القصيدة لأطرد الغياب عني، لأطرد الغياب عني. فيا أيها الرابضون على جنباتها , بلغوها عني ألف تحيةٍ وسلام.