0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
Hofa
Diamondd
previous arrow
next arrow

ديكتاتورية الجماهير !

يبدو أن الجوع للحرية يدفع البعض إلى التطرف في كافة الأتجاهات ، وأن ما عاشه الوطن من ازمات مختلفة ، تدفع ثمنه اليوم سيولة شديدة، حيث يتعاضد نوع من الفردية المتطرفة مع سيكولوجية جمعية فى تغذية ديكتاتورية جماهيرية لا تجد من يتصدى لها، بل هناك من ينفخ فى أبواقها ويرقص على إيقاعها بدءا شخصيات سياسية لاتظهر للناس إلا برسائل واطلالات ربع سنوية تتحدث عن التغيير .
لقد قام الحراك الوطني بعمل سياسى رائع استحال معه الشارع وعدة أماكن كالداخلية وساحة النخيل والحسين رمزا لمرحلة ومعلما على تاريخ، لكن لأن الحراكيين محض بشر، ولأن الشارع مجرد مكان، كانا كلاهما بحاجة إلى نقد وتوجيه يحصنهما من خطر الانحراف. لقد تعددت ائتلافات الحراك تعددا يستعصى على الحصرفي كل محافظة وقرية ومخيم وبادية ، جميعهم على صواب لأنهم مناضلون تم تعميدهم فى ظروف الفقر والتهميش والبطالة والفساد ، والنتيجة أنه وبدلا من ديكتاتورية نظام يطالبون باصلاحه ، واستبداد بضعة الفاسدين فيه ، صرنا أمام سيكولوجية استبداد وديكتاتورية جماهير بعدد الحراكيين في الشارع .
تنهض هذه السيكولوجية على مركب متناقض: فثمة شعور صاخب بالفردية يكاد يكون مطلقا ولكنه غير قادر على تحمل مسئولياته ولو فى حدها الأدنى أخلاقيا . وثمة كتل بشرية متلاحمة جسديا، ولكنها تذهب فى التنافر إلى أقصى حدودها ، لا يسمع أى من المختلفين سوى صوته فيما يصم الآذان عن المحيطين، لا يتحاور الناس بل يتصايحون. يتكاتفون داخل الشارع لكنهم لا يتفاهمون، إذ يذهب كل “ثائر” إلى نهاية الشوط فى طلب ما يريد، وفى رفض ما يريده الآخرون، بل ويسعى البعض للمضاربة على نشاط او فعالية حراك أخر ، يأخذ الجميع من شعورهم الفردى أسوأ ما فيه، حيث الرغبة الأنانية فى السيطرة وفرض الرؤية الأحادية، مما يؤدى إلى ضمور العقل الواعي، ونمو نزعات الثأر والإقصاء، كما يأخذون من حضورهم الجمعى أبرز رذائله وهو سيكولوجية القطيع التى تشى بقوة وهمية، وتولد شجاعة زائفة،تصل حد أن يتوهم الفرد منهم أنه قاب قوسين أو اكثر من الوصول الى السلطة التي لا تبعد عنه سوى فعالية او نشاط يسميه ” بالحالة الثورية ” الواجب تفجيرها اليوم قبل الغد قبل نضوج الظروف التي تسمح بها ، فيما ينكر على الأخرين واقعيتهم او افكارهم تجاه طريقة العمل الاصلاحي بأدوات متجدده ، ولكنها ليست عنيفه لأسباب تتعلق بعدم نضوج الوعي وعدم اكتمال حلقات الظروف الموضوعية التي تستدعي الانتقال الى المرحلة التي يطالبون بها ، أي انهم يبحثون في مغامرات قد تعيد العمل الى الخلف عام أو عامين ، وقد تكون هي قشة البعير التي تقسم ظهر الحراك عبر مغامرة لم يحسب لها المندفعون حسابا صحيحا ، فيما يعجزون عن التكتل والتضامن والتوافق على الأهداف والغايات مع كتل او حراكات أخرى .
هذه السيكولوجية الإستبدادية، هى التى دفعت إلى التجاوز حد محاولة إبطال فعل او نشاط بعض الحراكيين او نشاطاتهم العامه وصولا إلى الدعوة إلى تطهيره على نحو ينال من هيبة وسمعة الحراك ونشطائه ولو بالكذب والتحامل والتشويه ، على الرغم من كونه إحدى ادوات الإصلاح التي تعمل لنفس المنهج والهدف ، وقد تكون أحد أعمدتها التى لا تزال ،في موقف سيكولوجي يعبر عن حالة مرضية تستدعي التدخل ” الوطني ” لوقفها .

يحتاج الحراكيون جميعا اليوم إلى التخلى عن سيكولوجية الثأر والانتقام التى لا تكرس سوى الحقد والكراهية، ولا تنظر بأبعد من رؤيتها فقط بل ولا تحترم تلك الرؤى التي تتعارض معها ، ،ولديها الاستعداد لفرض الموت على من تختلف معه أحيانا او تشويه سمعته واغتيال شخصيته بقدر ما تتيح لهم سيكولوجية الحقد من امكانات ، وهى حاله نفسية تورطنا فى مستنقعات محفوفة بالآلام والمخاطر، بينما بناء الأوطان مهمة شاقة تتطلب نظرة متسامحة، ومتفتحة، ترنو إلى الغد بأمل وثقة، يخالجها الشعور بأن ليس على روح الأمم قيود إن توحدت وتوافقت.
وفى ظل غياب الاحساس باهمية كل فرد في الحراك لدى اولئك النفر من الديكتاتوريين الجدد ،، فإن البطل الحق هو من يقمع غرائزه، ويتخلص من فائض عنفه النفسي، ليؤدى دوره عملا وإنتاجا، إن كان فعلا يبحث في إصلاح وطن يعاني ما يعانيه من ازمات .