0020
moasem
002
003
004
005
006
007
008
previous arrow
next arrow

كرم الله وجهه …!

منذ الصغر ونحن نسمع الكثير من الكلمات والجمل التي أصبح الكثيرون يرددونها بشكل لا إرادي لكثرة ما يتم تداولها أمامهم حتى قبل بذل الجهد في البحث في معناها اللغوي الحقيقي، فقد نعبر لأحدهم عن مدى اشتياقنا الكبير له فيبادلنا بكل مودة وحسن نية بالقول “تشتاق لك العافية”، وكثيراً ما كنا نتساءل هل هذه دعوة لنا أم علينا، فما نعرفه هو أن الشيء لا يشتاق لك إلا إذا ابتعدت عنه لفترة طويلة، وبالتالي يكون المعنى هو أن تغيب عنا العافية حتى نصبح نحن وهي في اشتياق كبير لبعضنا البعض، وما أعظم الفرق بينها وبين أن نقول “قرب الله لك الجنان” مثلاً.
تجد أحدهم يطير فرحا بأمر ما فينطلق بالقول “يسعد الله” أو “يسعد ربك”، ولا ندري كيف يكون هناك من يسعد الإله وهو من يدخل السعادة والحزن على جميع مخلوقاته، ويقاس على هذا تلك الدعوات التي تنطلق في حالة الفرح أو الحزن، فتجد أحدهم يقول لطفل أعجبه “يسعد هالابتسامة” أو لقريب توفي له “الله يرحم ترابك” فتتحول الدعوات بدلاً من أن تكون للبشر لتكون للجماد والتراب والحجر، غير من يكتبون مشيئة الله عزوجل بكلمة “إنشالله” أو “إنشاء الله” وهي تحمل معنى خلق الله وإيجاده، والخالق هو خالق الكون بما فيه ولا يوجد من خلقه أو أوجده عزوجل، ونجد كثيرون ممن يستخدمون بكثرة وبكل عفوية كلمة “شاطر” لامتداح طفل صغير أو شخص كبير برغم أن معنى هذه الكلمة في اللغة العربية هو “قاطع الطريق” الذي يشطر الطريق ويقطعه على المارة، وقد قال العالم التابعي الثقة يونس بن عبيد: لأن يصاحب ابني شاطراً (قاطع طريق) أحب إلي من أن يصاحب مبتدعا، ونضيف لذلك من يأتي ليطلب منك طلبا “بسيطا” ولا يعرف أن كلمة “بسيط” في اللغة العربية تعني “الوفير والكثير”، وقد سمعنا ذلك في كلام الله عزوجل في الآية 247 من سورة البقرة: {{زاده بسطة في العلم والجسم}}، والآية 62 من سورة العنكبوت: {{الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له}}، فلعلك تراجع حساباتك جيداً إن جاء أحدهم ليطلب منك طلبا بسيطا !
ناقشنا بعض الأصدقاء في استخدامنا صيغة الجمع في مقالاتنا ومقابلاتنا وأن ذلك من باب التفخيم والتعظيم، وكانت وستبقى حجتنا في ذلك كلام أستاذ المنطق وفلسفة اللغة والاخلاق الدكتور المغربي طه عبدالرحمن مما يلخص مقصدنا: إذا نحن استعملنا ضمير الجمع بدل ضمير المفرد في كتاباتنا، فلأن هذا الاستعمال تقليد عربي أصيل في صيغة التكلم من صيغ الكلام، ثم لأنه الاستعمال المتعارف عليه في المقال العلمي والتأليف الأكاديمي، فضلا عن أنه يفيد معنى المشاركة والقرب، إذ يجعل المتكلم ناطقا باسمه واسم غيره، فيقرب إليه المخاطب حتى كأن هذا المخاطب عالم بما يخبره به المتكلم ومشارك له فيه، فيكون ضمير الجمع من هذه الجهة أبلغ في الدلالة على التأدب والتواضع من صيغة المفرد، ولا دلالة له إطلاقا على تعظيم الذات ولا على الإعجاب بالنفس.
ونعود للألفاظ الدارجة على ألسنة العامة بدون تدقيق، فكثير بيننا يلحق جملة “كرم الله وجهه” بذكر سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه، ولعل كثيرا ممن بحثوا عن سبب ذلك وجدوا أن أكثر الأسباب انتشارا لذلك هو أنه لم يسجد لصنم في حياته قبل الإسلام، وهو ما أثار استغرابا كبيرا في خاطرنا، فكثيرون لم يسجدوا لصنم في حياتهم، من الصحابة والتابعين ومن بعد ذلك وصولاً إلينا نحن، لنجد بعد التدقيق والبحث أن لا أصل وسند ثابت لهذا الالحاق وانما هو من ابتداع البشر ومغالاتهم، والحقيقة أن صفة كرم الوجه بالمطلق هي من صفات الله عزوجل فقط، فقد قال تعالى في الآية 27 من سورة الرحمن: {{ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام}}، وفي الختام لعلنا سلطنا الضوء على ما يمكن أن يكون سبباً لإعادة التفكير في الكثير من الأقوال والأفعال في حياتنا وتحري الدقة والصواب فيها، فكما قال سيد الخلق عليه أفضل الصلاة والسلام فيما رواه الترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة: الحكمة ضالة المؤمن فحيث وجدها فهو أحق بها.