أأبشروا بالمزيد من الطوابير الإستجدائية
أبشروا بالمزيد من الطوابير الإستجدائية
راتب عبابنه
تلجأ حكومات الدول أحيانا لحلول إقتصادية ترشيدية لمعالجة مشكلات تستنزف المال العام وتزيد من الهدر المالي الذي يمكن توجيهه والإستفادة منه في مجالات تعود بالفائدة على الدولة والمواطن. وعادة يتوقف العمل بهذه الإجراءات الترشيدية عند زوال أسبابها. لكن الحكومات التي تحترم مواطنيها لا تسمعهم وبكل المناسبات أنها تدعم المادة الفلانية بمقدار كذا دولار ولا تدلس عليهم ولا تستخف بعقولهم وتمتهن إنسانيتهم ولا تربط إفلاس الدولة بعدم رفع سعر سلعة معينة. والإحجام عن ترديد مقدار الدعم سببه أن الحكومات أينما وجدت تعمل على حماية الشعب وتوفر له سبل العيش الكريم وتقدم له الخدمات وتخلق فرص العمل دون أن تفاخر وتملأ الصحف بأرقام دعم السلع الإستهلاكية.
وتعلم هذه الحكومات المحترمة أنها جاءت لتساهم بخدمة الشعب وليس ليخدمها الشعب. وتفاخرها وإن حصل, يكون بالإنجازات, وتحقيق المكاسب والرفاه والنمو الإقتصادي, وفتح شواغر للتقليل من البطالة, ووضع خطط استراتيجية تضبط مخرجات التعليم, وصيانة الطرق وتعبيدها بطرق ومواد تجعلها تدوم للتقليل من العطاءات التي تستنزف أموال الدولة نتيجة التلاعب والإسترضاء والإخراس. كما أن هذه الحكومات المحترمة تفاخر بعدم وجود عجز بموازناتها, ولا تتغنى بوعي وذكاء مواطنها ثم تجلده حتى الموت, وتعتذر لمواطنيها إن لم تصب بأمر ما, ولا تدعي النزاهة والشفافية وهي منهما براء, ولديها الإستعداد للتنحي عندما تشعر أن شعبيتها اهتزت أو مواطنوها طالبوها بالرحيل ولا تبقى متشبثة بكراسيها وهي تستلطف وتستعطف هذا وذاك وتصنع ما تصنع طمعا بالتجديد.
ذلك يعود لثقافة راسخة ومتجذرة ومتوارثة من حكومة لأخرى أن الحكومات هي من يتحمل المسؤولية بكيفية الخروج من مأزق أو أزمة أو ضائقة إذ لا تقوم باللجوء لحل الأزمة على حساب المواطن. والبحث عن حلول لا تضر بالمواطن هو القاعدة والأساس الذي تعمل بوحيه الحكومات. وذلك يعود أيضا إلى قدسية المواطن التي تحترمها الحكومات أو ربما تخشى غضبته التي تكلف الدولة أكثر مما تجنيه لو لجات للضغط. وإن جاء الحل على حساب المواطن, فهناك الأسباب التي يرضى بها المواطن ويقف جراءها صفا مع الحكومة لإيمانه أنها تعمل لصالحه ولخدمته وتصون قسمها وأيمانها.
لكن الحال في الأردن يأخذ مسارا نمطيا معاكسا، إذ هناك ثقافة مغايرة لدى الحكومات مفادها اللجوء للمواطن دون حساب للنتائج والإستحقاقات التي تتلخص بالتضييق عليه وقضم دخله شيئا فشيئا لينفجر بوجهها ويقول كفاكم وإذا لم تكتفوا فها نحن لكم رادعون وإن نجحتم بتنفيذ قرار هنا وقرار هناك فلن تنجحوا دائما. ثقافة نكتوي بنارها لغياب العدالة الإجتماعية التي تكاثرت وجوه وارثيها التوأمية المتماثلة والمستثناه من الرقابة والمحاسبة حتى ظنت هذه الوجوه أنها تملك البلاد ومن حقها فعل ما تشاء وقت ما تشاء وبأي ثمن تشاء.
نلاحظ أن رئيس الحكومة ووزراءه يطلّون علينا شبه يومي ليواجهونا بأرقام المبالغ التي تدعم بها الحكومة هذه السلعة أو تلك. ومن كثرة تكرار هذه الإسطوانة التي حفظها الجميع نشعر وكأن الحكومة لا يعنيها شأن المواطن ولا تعبأ لما سيترتب على المواطن نتيجة إجحافها, بل تمن عليه وتشعره بالفضل عندما تدعم سلعة معينة. ويبدو أن هؤلاء الوزراء وكأنهم يدفعون الدعم من جيوبهم الخاصة. ويصل الأمر بهم أحيانا ليعكسوا فكرة عدم إلزاميتهم لدعم المواطن لكن دعمهم يأتي منحة وعطفا لسموّ أخلاقهم وشدة حبهم للمواطن وغيرتهم على توفير الرفاه له ليقدموا ما يقدموه من دعم. والكثير منهم بعدما تنتهي صلاحيته وتسأله لماذا قبلت بكذا ووافقت على كذا, يجيبك أنه هذا ما كان يطلب منه وما عليه إلا الموافقة والتنفيذ. فتجده قد رهن نفسه ومثله ومبدأه وقناعاته لعذاب أبناء جلدته ليبقى من اصحاب الحظوة ويغرف ما يريد طالما أطاع النهج وامتثل للثقافة السائدين.
هذه الثقافة تندرج تحت النمطية المستخفة بعقول المواطنيين والتي ما زالت تتمكن من كل من هم مشاركون بصناعة القرار. وهذه النمطية على حد علمنا ماتت مع الإقطاع وذهبت مع المستبدين وزالت بزوال الطواغيت واندثرت عند قدوم أولى مراحل التنوير والإتفاق على أن هناك ما يسمى حقوق إنسان وأن هناك ما يسمى إنسانية الإنسان الواجب احترامها. لم يكن يوما، ولم نشعر يوما، ولم نرى يوما أن حكوماتنا أقنعتنا بانها تقلق لشأننا بل ما يقلقها هو التفكير بإختراع وسائل إقلاقنا وتوتيرنا.
لسان حال الحكومة، بالمطلق، في الأردن يقول أن الشعب موظف لديها ليخدمها ويلبي حاجاتها وإن بدر منه احتجاج يُواجَه بالتهديد بسلاح مبالغ الدعم وكأن الحكومه ليست معنية بدعم المواطن بل ما تقدمه فضلا ومنة ويمكن أن يتوقف بأية لحظة وهو وسيلة تهديد ليقبل المواطن العيش بظل سياسة قابلة للقمع لا تحترم إنسانيته ولا تعيره إهتماما لتخفيف وطأة الظروف التي هي من صنعها وخلقتها الإدارة اللاوطنية السيئة التي تولاها من هم ليسوا من جلدتنا. وإن كانوا كذلك حتى النخاع فأردنيتهم تقاس بمدى ولائهم وإخلاصهم وخدمتهم وغيرتهم على الوطن والمواطن. ناهيك عمن هم سقطوا علينا من السماء كنوزا لا تقدر بثمن, كان ينظر لهم منقذين للإقتصاد وبلسما يشفي كل جراحنا الإقتصادية وروافع داعمة ستنهض بالإقتصاد الأردني لتجعل نموه يفوق نمو الإقتصاد التركي.
وإذا بإقتصادنا ينحدر ويتدهور ليصبح بمصاف اقتصاد الصومال وجيبوتي وجزر القمر ( وهي دول فقيرة جدا عانت الكثير من ويلات الحروب الأهلية والإنقلابات وأطماع المتدخليين ). وهذا الوضع الممنهج ناتج عن ثقافة متوارثة بأن من يتسلمون زمام الأمور ويصنعون القرار ويديرون البلاد همهم تحسين أوضاعهم والسكوت على الخطأ وإلا عُزلوا أو أقيلوا وهمشوا ونسيوا وصُنفوا جزءا من “المؤامرة” وأنهم محركو الشارع الذي لديه كل أسباب الغليان وبالتالي يتحتم إقامة الحد عليهم.
عودا لجوهر موضوعنا الأساس، نلاحظ عبارات تتداولها ألسن المسؤولين كلما شعروا بأن هناك متنبهين لحقيقة ما يصنعون. من هذه العبارات : “الحكومة تقدم دعما للمادة الفلانية بمقدار كذا ” ، ” الحكومة تعمل على رفع الدعم عن المادة الفلانية “، ” الحكومة ستعمل على صرف بطاقات لتنظيم توفير المادة الفلانية “، ” جلالة الملك يتبرع للجهة الفلانية بدعم مقداره كذا “. هذا بالإضافة لإشغال الناس عند إقتراب مناسبة وطنية أو عيد بالتوقعات الإذلالية والتمنيات التي تعكس مدى حاجة الجندي والموظف والعامل والمزارع والتي مفادها أن جلالة الملك سيمنح أو يعطي أو يأمر أو يتبرع بمكرمة مالية …إلخ من المسميات التي تتلاعب بأبسط قيمنا وحقوقنا الإنسانية والمواطنية والأردنية.
فإلى متى سيبقى المواطن الأردني ينتظر المكارم والهبات والأعطيات؟؟ وإلى متى سنبقى نعيش حياة ترقب لسكاكين الحكومات لتذبحنا بها؟؟ وإلى متى سنبقى بانتظار المجهول الذي يجعلنا نضرب أخماسا بأسداس؟؟ وكل ما نسمعه من تبريرات من وزراء كوزير المالية المتخم أو وزير النقل والطاقة العابر للحكومات، مثلا لا حصرا, يصب في إضفاء الشرعية والصوابية على ما تنتهجه الحكومة وأنه منزل علينا من خالقنا وعلينا القبول به وعدم مناقشته. هل يوما سمعتم وزيرا قدم إستقالته احتجاجا ورفضا لنهج الحكومة للتعبير عن عدم رضاه بالمشاركة بظلم للمواطن؟؟ هل يوما سمعتم وزيرا مثل باسم عوض الله أو من هم على نهجه ماضون, إذ هو أكثر “كنز” أضر بالأردن, يعتذر عما صنعه بالشعب والوطن من إفقار وديون وتدهور للإقتصاد ليقول بنفس “الشجاعة” التي إتخذ بها قراراته المدمرة, أنه يتحمل المسؤؤولية ويقدم إستقالته؟؟
لكنها لم تكن شجاعة الرجال التقليدية الذين يتحلون بأخلاق حاملي الأمانة والذين أقسموا على قرآننا ليخدموا الشعب ويخلصوا للوطن. بل كان هذا وأمثاله يتحركون ويقررون ويأمرون تحت حماية وغطاء مكنهم من إنجاز المهمة وحققوا الهدف الذي تمنوه طويلا حتى تمكنوا ببرمكيتهم أن يعبثوا أسوأ العبث.
يقول المثل ” هالطينة من هالعجينة “، إذ لا يتم اختيار الأخيار من أبناء الوطن الغيارى لأنهم بالتأكيد سيعملون على إصلاح المعوج وتوفير المال ومنع التسيب ومقاومة المحسوبية ومحاربة الفساد، فهم بذلك أناس شاذون عن القاعدة والنهج وغرباء بين أناس ثقافتهم التكسب والسرقة وإهلاك المواطن والذهاب بالوطن إلى المجهول.
نقل عن معالي وزير الصناعة والتجارة خبر مفاده صرف بطاقات لدعم الخبز بدل دعم الطحين. وهذه أحد مكارم الحكومة النسورية التي تعد الساعات للرحيل وربما للتجديد. لقد سبق وتم إخضاعنا لمثل هذه الحلول التي تعيدنا إلى الوراء وتخلق مجالا للتذمر والشكوى ولم تنجح ذلك النجاح المتوخى. والسؤال الذي دائما يفرض نفسه في مثل هذا المناخ: لماذا لم يتم وقف ومنع السرقات لتوفير المليارات وليس الملاين؟؟ وهذا سبب آخر لمعاقبتنا للوقوف بطوابير الإستجداء وهدر الكرامة وقتل الإنتماء. لكننا أردنيون ندوس الرؤوس والأنوف لنحفظ كرامتنا وأنتم تداس كرامتكم تحت نعال أسيادكم لتحفظوا رؤوسكم وتستجدون عطفهم ورضاهم لأنهم صانعوكم. هذا ما يجعلنا مختلفون عنكم, كرامتنا نموت دونها وكرامتكم ثمن لا يساوي ملء جيوبكم.
معين المواطن قد نضب، فابحثوا لكم عن معينن آخر. والحقن المخدرة لم تعد تفعل فعلها لأن الأردني أدمن عليها وصارت لديه مناعة مكتسبة ترفضها. إن أردتم أن تثبتوا أن قلوبكم ثكلى وتتقطع على المواطن فعليكم باسترداد ما نُهب وسُرق وبيع وخُصخص وإلا سنبقى ندور بحلقة مفرغة ولن يطالنا سوى الإرهاق ولن يطالكم سوى لعنة الله ونهاية بشعة.
وحمى الله الأردن والغيارى على الأردن. والله من وراء القصد.
ababneh1958@yahoo.com