0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
previous arrow
next arrow

البطانة هي السبب, لكن….

البطانة هي السبب, لكن….
راتب عبابنه
تطالعنا الصحف المأمورة والمواقع الطالبة للقرب وغيرها المواقع التي تتعامل مع الخبر كمادة إخبارية بحتة, تطالعنا بأخبار وأحداث ومشكلات فردية, تتم معالجتها والتعامل معها على مبدأ “عصفورين بحجر واحد”. العصفور الأول, يحقق حل المشكلة (وهو شيئ إيجابي وطبيعي ومن العدل حل المشكلات حتى لو كانت فردية) التي لا تكلف المال الكثير بقدر ما هي مؤشر إنساني يدلنا على مدى الإهتمام والمتابعة والإستعداد لتوفير الحل بمجرد العلم بحيثيات المشكلة. أما العصفور الثاني, فهو الإستغلال الواضح والتوظيف الخبيث للمشكلة وإظهار الإعلام لها وكأنها خاتمة المشاكل وأنها جاءت بالنعيم ليحل على الأردن من أقصاه لأقصاه, وأن مشكلات الناس قد حُلت ومعيشتهم قد خلت من المنغصات وحكوماتهم المتعددة تسهر على راحتهم ليل نهار وعلى هؤلاء الناس القطعان بالتالي الشكر والإمتنان والتضرع لصاحب الفضل بطول العمر والبقاء.
والإستغفال للناس واللعب على وتر الثناء والإمتنان لجلالة الملك يأتي من إبراز حل المشكلات الفردية وجعله من اختصاص الملك لإلباس الموضوع ثوبا إنسانيا لاستدرار العواطف, وهم بذلك يعملون على تقزيم دور الملك وإرسال إشارة للناس تدفعهم للتساؤل القائل إذا جلالته علم بهذه المشكلة رغم محدوديتها وعدم رواجها وعزلة أصحابها, ألم يعلم بالمشكلات الكبيرة التي باتت شغل الناس ومطلبا ملحا وحاجة ماسة تستدعي التدخل من جلالته؟؟ فهناك من البرامكة الكثير الذين يجب الإطاحة بهم, وهناك اللصوص, وهناك المخصخصون وعرابهم عوض الله لا عوضه الله, وهناك الحكومات المنقلبة على الشعب, وهناك محاربو الإصلاح الذين أطاح بهم الشعب وإذا بهم يزدادوا سلطة وتمكنا, وهناك الوجوه الباهتة التي تتناوب على المسؤولية والإدارة واتخاذ القرار, وهناك الأذى الواضح الذي سبّبه كل هؤلاء نتيجة النهج النمطي غير القابل للتغيير والتعديل.
تساؤل مشروع مبني على معطيات وواقع لا هامش يبقى معه للمناورة ومحاولة الدفع للخلاص من المسؤولية. كثيرا ما نسمع ردود فعل استجابية من جلالة الملك تجاه مناشدة من مريض أو توفير مسكن لعائلة أو أرملة بلا مأوى أو إرسال مروحية لنقل أردنيين تعرضوا لحادث سير في دول الخليج وغير ذلك من الأحداث التي تبرز الجانب الإنساني لجلالته والتي تستوجب تقديرنا عندما يهب لنجدة مواطن محتاج. من غير المعقول ان يستطيع رأس الدولة متابعة كل شاردة وواردة في المملكة. وإذا كان بيننا من يعتقد أن مسؤولية التقصير كبر أم صغر دائما تلقى على رأس الدولة, فذلك من الظلم والإجحاف وإلا لما احتاج رأس الدولة لمساعديه ومستشاريه وناصحيه من حكومات ومخابرات وغيرهم.
والإستجابة السريعة من جلالته للمشكلات الفردية هي التي تشرعن وتمنطق التساؤل القائل أليس الأجدر الإلتفات للمشكلات التي تعيق الحركة نحو التنمية والرفاه؟؟ إذن كل هؤلاء هم بالفعل من يضع بين يدي جلالته ما يدور بالمجتمع وهم الموثوق بهم لريصدوا وينقلوا ملخص نبض الشارع وتوجهاته وحاجاته ومشكلاته ومطالبه. وهذا يضاف لمتابعات جلالته الشخصية كلما سنحت له الفرصة. فنسمع أحيانا بـ “استجابة جلالته لنداء امرأة بقرية معزولة بالجنوب” مثلا, أو “أمر جلالته بتوفير مسكن لعائلة بالصحراء شرق البلاد” أو “أمر جلالته بتوفير العلاج لشخص طلب العون من جلالته”.
كيف وصلت هذه النماذج لمسمع جلالته وتم التعامل معها فورا؟؟ وإن كان الأمر لا يقاس بالمعيار المالي بقدر ما يقاس بالإنسانية والإهتمام والجاهزية لمساعدة المحتاجين هؤلاء, فكل مشكلة من هذا القبيل لا تكلف الدولة سوى بضعة مئات من الدنانير وتحل مشكلاتهم للأبد. لكنا نرى الحل مستعص على المشكلات بل المصائب والكوارث والسرقات والخيانات التي كانت ستوفرعلى الدولة والوطن والمواطن مليارات الدنانير, وتبقي الخزينة بعيدة عن العجز, والوطن متجنبا للدين, وبالتالي تبقى جيوب المواطنيين ملأى, والشارع يعج بالمارة والذاهبين لأعمالهم وليس للإحتجاج, ورجال الدرك والأمن النشامى لا يضطرون لقطع إجازاتهم للتصدي للمتظاهرين مما يخلق لديهم التذمر, ورجال المخابرات والبحث الجنائي ليس غالبهم منتشر بالطقس الشديد البرودة وتحت المطر أوتحت حر الشمس, ناهيك عن التوتر الذي يعم المجتمع والتوجس من قبل الغيارى بحدوث ما لم تحمد عقباه، هذه المظاهر السلبية وغيرها الكثير أين كان منها المستشارون والناصحون الذين تحلوا بالأمانة عند نقلهم حالة فردية في الصحراء وتركوا حالة الإزدراء التي يعاني منها غالبية المواطنين؟؟
نمطية قافزة عن الحقائق والمؤدية للتصعيد وزيادة الإحتقان والتورم من العلل الإجتماعية والإقتصادية وبنفس التزامن أقلية برمكية أو متبرمكة تتورم من التخمة المالية فتغولت حتى سحقت وأفقرت سوادنا. نراه نهجا مدروسا يقود الناس لرفع سقف شعاراتهم والتي حقيقة بدأت ليس إيمانا بمضمونها وليس جدية بتطبيقها بقدر ما هي محاولة إرسال برقية لجلالة الملك تقول أن الفريق القائم على إدارة الدولة تقاريره مشوهة ونصائحه قائمة على الحرص لإدامة مصادر تنفعهم. ولو نقلوا الحقيقة كما هي دون عبث بجوهرها, نجزم أن جلالته سينقلب على نهجهم الشيطاني كما انقلب طيب الله ثراه والده الحسين على أثر هبة نيسان ووضع حجر الأساس للديموقراطية والأحزاب والإنتخابات النيابية. وها نحن بدورنا نكرر نصحنا لجلالته بالإتجاه نحو التغيير للوجوه التي شاهت وشابت وأدمنت نهجا لا تجيد غيره وأصبح مرفوضا وغير منسجم مع تطلعات الناس ولا يلبي إلا تطلعات من يريد شرا لهذا الوطن وشعبه الغيور. لتنقض عليهم جلالتك قبل أن ينقضوا على ما تبقى من الوطن. الإنتظار والتعويل على طبيعة الأردنيين وحبهم لأردنهم أدوات لم تعد ناجعة كما كانت في السابق لتغيُّر المناخ العام والمثيرات والدوافع وزيادة الوعي وسهولة التواصل والإتصال ولا ننسى أن عالمنا العربي يعيش حالة تغيير ونحن إن استمرت إدارتنا تستخدم نفس أدوات الماضي فذلك يعني الغوص بعالم جديد نجهل الكثير من معالمه لكن المعلم الواضح لا يبشر بالخير إن لم نعد العدة ونشحذ سيوف الحق لقتل الباطل الذي أبطاله بقرب جلالتكم ومن حولكم.
ما أراه من خلال متابعتي ومراقبتي, إذ لست على خلاف أو عداء مع أي منهم, أنهم ينسجون خيوط التنافر بينكم وبين شعبكم الغيور عليكم كما هو غيور على وطنه فلا تخذلوه. وإن اختلفنا وانتقدنا وعارضنا وتظاهرنا واحتججنا فكل ذلك دافعه الحرص على الوطن الذي بالتالي يحقق الحرص على المواطن. إنهم يقزمون دور جلالتكم من خلال وضع العراقيل أمام إصلاحكم لخلق ما من شأنه أن يصرف الأنظار عنهم ويوجهها نحو جلالتكم ليكونوا هم الناجون ومن بعدهم الطوفان.
رغم إقرارنا بإيجابية وأحقية الحلول حتى إذا كانت لفرد أو جماعة محدودة، أليس الأولى والأجدر أن تنقل المشكلات التي يعاني منها 80% من السكان؟؟ فلماذا يبقى البعض من البطانة ينمي ظاهرة أن المشكلة هذه أوتلك لا يحلها إلا جلالة الملك؟! لماذا تكتب السيناريوهات ويتم إخراجها بطريقة تجعل الناس ينتظرون وقفة ملكية أو قرارا يزيل الظلم عنهم وبالتالي من الطبيعي ومن المنطق أن يلقي الناس اللوم على الملك وذلك بسبب إيصالهم من قبل البطانة إلى أن الملك هو الوحيد المنقذ والمنجي من الأخطار. فعندما يأتي الحل من الملك فخير وبركة وإن لم يأتي ينتظر الناس وعندما يطول الإنتظار, تزيد الأحوال سوءا فينحى الناس باللائمة على من بيده الحل ولم يطرحه.
كأني بتلك البطانة تقول ها نحن ننقل مشكلة فردية من الصعب جدا للناس العلم بها، فكيف لا ننقل لجلالته المشكلات الكبيرة والتي تتحدث عن نفسها بنفسها ؟؟ عندها نقول لهذه البطانة الفاقدة للثقة من قبلنا نحن الغيارى، كيف تمنعون سرقة بنك؟؟ وكيف تحبطون عملية إرهابية؟؟ وكيف تلقون القبض على سارق؟؟ وكيف تكتشفون جريمة بعد سنوات؟؟ وكيف تقبضون على قاتل أو سارق بزمن قياسي؟؟ وكيف تلاحقون وتطاردون قاتلا أو سارقا حتى النهاية؟؟ فكيف لا تلاحقون ولا تطاردون من سرق وطنا وأفقر شعبا؟؟ بالمقابل نوجه لهم الأسئلة التالية: كيف “لم” تستطيعوا اكتشاف من باعوا مقدراتنا؟؟ وكيف لم تستطيعوا إجهاض المخططات والمشاريع والعطاءات والمشتريات التي أفقرت من تسهرون على أمنهم ورفاههم وراحتهم؟؟ وكيف لم تستطيعوا منع باسم عوض الله عندما باع وخصخص وسمسر وبنى القصور وباعها بعشرات الملاين؟؟ أين أنتم من واجبكم المقدس وأنتم ترون الموارد قد بيعت وأموالها قد تبخرت ومواطن تزداد مرارة عيشه وأنتم تعلمون ما لا يعلمه غيركم؟؟
والله لقد خنتم الأمانة وحنثتم بقسمكم وأسأتم لمليك وثق بكم وأجرمتم بحق شعب ولّيتم على إدارته حتى مقتكم وملّكم ورفضكم. شعب طيبته انقلبت عليه سبة وحلت عليه لعنة, طيبة بغير وقتها تجاه من لا يستحقوها وليسوا أهلا للطيبة لأنهم مجردون من الطيبة. الأردنيون لم يعهدوا التظاهر إلا بعد أن سدت أنوفهم رائحة قذارتكم فتاقوا للنسيم الذي اعتادوا عليه وذهبت به ريح جرائمكم. لقد عكرتم صفونا, عكر الله صفوكم, وشرختم صفنا شرخكم الله عنا وعبثتم بقوتنا لا أشبعكم الله.
هل مسؤولية القائمين على الأمن تتوقف عند حماية الملك والمقربين والمتنفذين وأصحاب المال والسلطة فقط؟؟ أليست حماية أموال الوطن ومحاسبة من سرقوها تصب بحماية الوطن بما فيه القطيع والمقربين والمتنفذين وأصحاب المال مجتمعين؟؟ وهذا يقودنا للإستدلال لوجود حلقة مفقودة خلقت نهجا ترسخ لدى البطانات المتناوبة والمتوارثة أن الأمن بالدرجة الأولى للكبار وإن استدعى الأمر دوس الصغار بالنعال وتحت عجلات السيارات. وهذا يستوجب أن نذكر أننا نعيش زمن الإنفجار العربي الذي حلل المحرمات وكشف المستور وأنطق المخروسين وشفى المعوقين وفتح بصيرة المستغفلين وأنعش ذاكرة الناسين مما جعل هذا الإنفجار يفتح المجال رحبا لمن أراد الإصلاح ورفع الظلم ومحاسبة الظالم والقبض على السارق وقتل الخائن واسترداد الحق الضائع ، لكننا ما زلنا ننتظر عودة غائب ربما مات دون أن نعلم أو أنه لا يرغب بالعودة مطلقا. وهذا يزيد الأمور تعقيدا أيتها البطانة “المخلصة” لكن ليست مخلصة بنظرنا نحن القطيع الغيور، كما ويزيد الإحتقان إذ الوضع قابل للإنفجار على طريقة من سبقونا، طريقة لا نتمناها ولا من طبيعتنا تبنيها، لكن ” إذا كان حبيبك عسل ما تلحسهوش كله “.
ذكّرنا كثيرا وربما حديثنا هذا ليس بجديد وربما يقول البعض أنه مكرر. لحد ما نعم مكرر للأهمية ولإدراكنا أن النتائج وخيمة إذا استمر النهج المدمر هذا. وكل يوم تتأخر به خطوة إصلاحية عن الظهور يزداد مقابلها الإحتقان والتوتر والتشنج الذي لا محالة سيبلغ مداه ونهايته وعندها لن يفيدنا اللوم ولا العنف ولا التصفية ولا القتل ولا القمع لأننا نتعلم ونعتبر من التاريخ وأنتم تتعلمون من نهجكم المتوارث ولأننا بشر كغيرنا وأنتم آلهة، ولأن الصمت والخجل لهما حدودهما وألوهيتكم أبدية.
الشاعر العربي التونسي أبو القاسم الشابي تغلغل بنفس مواطنيه وسبر أغوار النبض الوطني التي إحتقنت بالكثير من القهر بعد أن طال صبرها ليطلع علينا بأبياته الشعرية الشهيرة التي تغنت بها كل الشعوب العربية التي عانت بدورها من نفس الظروف القهرية. وتيقن الشابي وتنبأ بما يمكن أن ينتجه الإحتقان والصبر الطويل ملخصا تلك النبضات التي تطلب الحياة إذ لا بد للأقدار من التدخل السريع لأنها تؤمن بالشعوب وليس بالأفراد، وأن الظلام سينقشع بفعل النهار. وقد قلناها محذرين وناصحين أن الشعوب إذا ركبت موج تحقيق هدف فلن يثنيها ما ستواجه من مصاعب. لقد لخص الشابي بأبيات هي مزارات لا ينقطع عنها الزائرون :
ودَمدَتِ الرّيحُ بين الفُجاجِ وفوق الجبال وتحت الشجرْ :
إذا ما طمَحتُ إلى غاية ركبتُ المُنى ونسيتُ الحَذَرْ
والحكمة تقول إن كنت تعلم (وجود الخطأ ولا تصححه) فمصيبة وإن كنت لا تعلم (وجود الخطأ) فالمصيبة أكبر. أما التعويل على طيبة الأردنيين فلن يجدي إلا المزيد من جمع الحطب الذي سيشتعل نارا وجمرا بعد أن يكون قد ساعد على التصحر. فلنسارع للتقليل من الحطب وجامعيه أو بالأحرى تحريم جمع الحطب وقطع يد جامعيه حتى لا يصطلي بعضنا ولا يحترق البعض الآخر، فما زالت الفرصة سانحة لثورة بيضاء تفعل فعلها بإراحة الملايين من الناس وقلع الحطابين المذكين لنار الفوضى والقلق.
وحمى الله الأردن والغيارى على الأردن. والله من وراء القصد.
ababneh1958@yahoo.com